وتأتي هذه الخطوة في محاولة لإحياء المفاوضات التي كانت قد تعطلت بين الاتحاد الأوروبي، ممثلاً في المستشار النمساوي سيباستيان كورتس ودوائر عدة في ألمانيا وإيطاليا، وبين مصر، حول تطوير أفكار مشتركة لدعم استضافة مصر للمزيد من اللاجئين، سواء بالدعم المالي واللوجستي، أو ببحث توطين اللاجئين في مجتمعات صغيرة في البلاد، وتمويلها من الاتحاد الأوروبي تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم، وهي الفكرة التي كانت الأجهزة المصرية السيادية قد تحفظت عليها وأوصت بطرح بدائل مختلفة.
وكشفت مصادر دبلوماسية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن مصر تحاول حالياً تأمين الحصول على نحو 125 مليون دولار سنوياً في صورة دعمٍ دولي من الولايات المتحدة وأوروبا، بحجة سدّ زيادة الإنفاق في مجالي الصحة والتعليم على اللاجئين من جميع الجنسيات وحصولهم على خدمات في هذين المرفقين موازيةً للخدمات التي يحصل عليها المواطن المصري.
وأضافت المصادر أن مساعي السيسي للحصول على مزيد من الأموال في هذا السياق منذ نهاية العام الماضي لم تكلل بالنجاح المنشود حتى الآن، إذ حصلت مصر حتى اللحظة على أقل من 30 مليون دولار من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مع زيادة ملحوظة في المساعدات القادمة من واشنطن وبرلين وفيينا على وجه التحديد، وهي العواصم التي كانت قد وعدت السيسي خلال حضوره مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/ شباط الماضي بمنحه المزيد من المساعدات نظير رعاية اللاجئين.
وكان السيسي قد قال في خطابه خلال ذلك المنتدى إن "مصر تستضيف ملايين اللاجئين المندمجين في المجتمع المصري، وتحرص في الوقت نفسه على عدم المتاجرة بهذه القضية، وتقدم لهم الدولة جميع الخدمات على الرغم من عدم حصولها على أي دعم خارجي". وأشار إلى أن وضع اللاجئين والنازحين على رأس أولوياته في رئاسة الاتحاد الأفريقي هذا العام.
وفي هذا الإطار، لا تزال تبرز النقطة الخلافية بين مصر والدول المانحة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول عدد اللاجئين المستحقين للدعم في مصر. ويرى الأوروبيون أن هناك تلاعباً من النظام المصري في الأعداد لزيادتها وحساب رجال أعمال ومستثمرين وأصحاب رؤوس أموال من ضمن اللاجئين، بينما لا تتفق القاهرة مع تقديرات مفوضية الأمم المتحدة، وهو ما استدعى عقد سلسلة من الاجتماعات بين مسؤولين حكوميين من وزارات الخارجية والتضامن والصحة والتعليم ومسؤولي المفوضية في مصر خلال الفترة الماضية، بحسب مصادر دبلوماسية.
وذكرت المصادر أن المفوضية وافقت على رفع مخصصات مصر هذا العام إلى 104 ملايين دولار تسعى حالياً لتأمينها من الجهات والدول المانحة، ما يمثل زيادة كبيرة بنسبة تتخطى 25 في المائة قياساً بمبلغ 76 مليون دولار فقط في 2018، و72 مليون دولار في 2017.
ووفقاً لأحدث إحصائيات اللاجئين الرسمية المعتمدة من المفوضية في إبريل/ نيسان الماضي، فإن مصر تستضيف نحو 250 ألف شخص بزيادة خمسة آلاف عن نهاية العام الماضي، من بينهم 133 ألفاً من سورية (لم يرتفع عددهم)، و43 ألفاً من السودان (زاد عددهم بنسبة 5 في المائة)، و16 ألفاً من إريتريا، ومثلهم تقريباً من إثيوبيا وجنوب السودان.
ويقيم في القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) أكثر من 189 ألف لاجئ، ويوجد 24 ألفاً منهم في الإسكندرية، و10 آلاف في الشرقية، وتسعة آلاف في دمياط، وأربعة آلاف في الدقهلية. هذه الأرقام تجعل من مصر واحدة من أقل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استضافة للاجئين الذين تعنى الأمم المتحدة برعايتهم، خلف تركيا (أكثر من ثلاثة ملايين)، والسودان (أكثر من مليونين)، ولبنان (أكثر من مليون)، والأردن (700 ألف تقريباً)، وليبيا (أكثر من نصف مليون لاجئ).
وكانت مصادر مصرية قد كشفت لـ"العربي الجديد"، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن هناك قوى أوروبية، كإيطاليا والنمسا، متحمسة لمنح مصر حوافز تتجاوز قيمتها مليار يورو لرعاية اللاجئين ومنعهم من التسلل لأوروبا، فيما رأت قوى أخرى أن الحوافز لن تنعكس بالإيجاب على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في مصر أو المواطنين المصريين الأكثر فقراً، الذين كانوا يمثلون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين لإيطاليا تحديدا.
وكان المستشار النمساوي سيباستيان كورتس يروج لاتفاق مع مصر أشبه بالذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا لرعاية اللاجئين في عام 2016، والذي اعتبرت ألمانيا أنه نجح في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة، مع تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، وتقليل عدد المتسرب منهم لأوروبا. وتلزم الاتفاقية تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 مارس/ آذار 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال كل لاجئ سوري شرعي بدلاً عن كل لاجئ تتم إعادته إلى تركيا وتمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون فيها. لكن الاتفاقية تعرضت لانتقادات حقوقية نظراً لكونها تسببت في احتجاز آلاف المهاجرين في الجزر اليونانية في ظروف سيئة، فضلاً عن تهديد تركيا مراراً بإلغائها بسبب عدم تلقيها مبلغاً قدره ستة مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي. وبينما تقول أوروبا إنها سددت نصف المبلغ، تصرّ أنقرة على أنها لم تتلق أكثر من ملياري دولار.