الانتخابات البلدية في الجزائر: تمرين استباقي للاستحقاق الرئاسي

12 نوفمبر 2017
يرى البعض أن الانتخابات المحلية لا تغير شيئاً(العربي الجديد)
+ الخط -
يزدحم خطاب الأحزاب السياسية في الجزائر المحسوبة على القصر الرئاسي، بحديث مركّز عن الاستحقاق الرئاسي المقبل المقرر في ربيع 2019، على الرغم من أن هذه الأحزاب كما المعارضة، تخوض حملة الانتخابات البلدية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ما استدعى كثيراً من التساؤلات حول هذه الحمية السياسية الاستباقية بشأن الرئاسيات. ويبدو وفق مراقبين، أن السلطة في الجزائر لا تفكر خارج الاستحقاق الرئاسي، باستثناء تفكيرها الضئيل في إنجاح الاستحقاقات المتعلقة بالبرلمان والبلديات، طالما أنها مؤسسات تفتقر إلى أي نجاعة أو أهمية في مسار صناعة القرار أو التأثير فيه.

وفي الوقت الذي كان يُتوقع فيه أن يتركز الخطاب الانتخابي على مشاكل البلديات ومؤسسات الحكم المحلي والمشاكل الاجتماعية، كالسكن والشغل والصحة والتعليم، اختار رئيس الحزب الحائز الأغلبية في البرلمان، "جبهة التحرير الوطني"، جمال ولد عباس، أخذ النقاش السياسي إلى أجواء رئاسيات 2019، وأطلق سلسلة من التصريحات بدت مدبّرة في السياق ومتصاعدة في النسق حول الرئاسيات. فقبل أيام ربط ولد عباس بين سعي حزبه للفوز بالانتخابات البلدية، بالتمهيد للانتخابات الرئاسية في 2019، إذ تشرف البلديات على الجهاز الإداري والتنظيمي للانتخابات، ما يسهل على السلطة انتقاء المشرفين على مكاتب التصويت وترتيب النتائج. ولاحقاً أعلن أن "الرئيس المقبل للبلاد معروف بالنسبة له وللرئيس (عبدالعزيز) بوتفليقة"، وراهن على أن "الرئيس المقبل سيكون منتمياً إلى جبهة التحرير، ولن نرضى بغير ذلك"، مستبعداً أي تدخّل للجيش في اختيار الرئيس المقبل، "سواء تعلق الأمر بولاية رئاسية خامسة للرئيس بوتفليقة، أو بمرشح ثانٍ".

وعلى المنوال نفسه، خاض رئيس الحكومة، الأمين العام لحزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، أحمد أويحيى، حملة دفاع عن إنجازات بوتفليقة خلال ولاياته الرئاسية الأربع. وبادر إلى الإعلان مبكراً عن رفضه منافسة الرئيس بوتفليقة في رئاسيات 2019، وقال إنه لن يقدّم ترشحه في حال قرر بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسة. لكن أويحيى يبقى ضمن الأسماء الأولى المرشحة لأن تكون في صدارة المرشحين المحتملين لخلافة بوتفليقة في حال قرر الأخير العزوف عن الترشح. كما أعلن رئيس حزب "الحركة الشعبية الجزائرية"، عمارة بن يونس، استعداد حزبه لدعم بوتفليقة لولاية خامسة في حال رغب في ذلك في 2019.

ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، أن "هذه أسوأ حملة انتخابية في البلاد منذ 20 عاماً، والتجربة الانتخابية في الجزائر أنتجت عرفاً سياسياً سيئاً قد يصعب التخلص منه مستقبلاً، فعندما يصرح حزب الأغلبية البرلمانية بكل ثقة أن الرئيس المقبل يوجد في ذهنه، فهذا يعني أن اللعبة السياسية لم تحافظ على قواعدها الرمزية على الأقل". وأضاف أن "الأحزاب السياسية تدرك أن الانتخابات المحلية لا تغيّر من الواقع شيئاً، والتجربة أثبتت عجز الأحزاب السياسية عن تعطيل قرارات محددة، فما بالك بمسألة اختيار الرئيس، ولذلك فهي تحاول مبكراً تقديم وعرض خدماتها السياسية للحصول على الهبات التي قد يغدق بها النظام على الأحزاب، وإثبات الحضور الدائم وانتظار المكافأة".


لكن تحليلاً آخر يُقدّم لتركّز خطاب الحملة الانتخابية على رئاسيات 2019، إذ اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، بشير بودلال، أن "الزمرة الرئاسية المحسوبة على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الحالي، هي التي تقف وراء الدفع بالخطابات والإشارات ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية"، مشيراً إلى أن "كل شيء في الجزائر تُضبط بوصلته على الانتخابات الرئاسية، وهناك جملة من الإشارات والتصريحات والرسائل التي جرى في خضمها تحويل الانتخابات المحلية إلى فرصة لبث الإشارات واستقبال ردود الفعل". وأضاف أن "الانتخابات المحلية الراهنة، وهي استحقاق ثانوي في ميزان النظام السياسي، تحوّلت إلى مناسبة لجس نبض الفاعلين الحقيقيين، خصوصاً الجيش لاستجلاب إشارات لعلها تساعد الجناح الرئاسي في إطلاق إشارة انطلاق التحضير للانتخابات الرئاسية"، معرباً عن اعتقاده بأن آخر رسالة للرئيس بوتفليقة في أول نوفمبر/تشرين الثاني الحالي كانت الدافع نحو تركيز الخطابات باتجاه رئاسيات 2019.

أما أحزاب المعارضة، فتتهم قوى الموالاة بإثارة موضوع الرئاسيات بشكل استباقي في مناخ الانتخابات البلدية، كون السلطة بحسبها تراهن على الاستحقاق الرئاسي الذي تمسك من خلاله بسدة الحكم والقرار، فيما تبقى المؤسسات الأخرى المنتخبة كمؤسسة الحكم المحلي، البلدية والمؤسسة التشريعية (البرلمان)، ليست ذات رهان مركزي، على اعتبار فقدانها للمعنى السياسي والرقابي الحقيقي.

ورأى رئيس حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، محسن بلعباس، أن أحزاب السلطة حاولت فرض رابط بين الانتخابات البلدية والرئاسيات المقبلة ونقلت الخطاب السياسي باتجاه أفق انتخابات 2019، مشيراً إلى أن "أحزاب الموالاة هي التي قررت أن تُقحم موضوع الرئاسيات في هذه الحملة، بعدما سمعنا أمين عام حزب السلطة يتحدث كثيراً عن الرئاسيات، ما جعل الرأي العام الوطني يفهم بأن السلطة هدفها هو ضمان البقاء إلى غاية الرئاسيات".

من جهتهم، اشتكى "إخوان" الجزائر من محاولة بعض الأحزاب السياسية، الموالية للسلطة، نقل المعركة السياسية باتجاه الانتخابات الرئاسية وتخطّي الانتخابات البلدية، أو تركيز بعضها على الانتخابات البلدية في سياق تمهيد وتوفير إطار إداري يمكّن من المساعدة في حسم التوجّهات الرئيسية للرئاسيات. وفي هذا السياق، طالب عبد المجيد مناصرة، رئيس حركة "مجتمع السلم" أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، بـ"تحرير الانتخابات المحلية من ضغوط ورهانات الرئاسيات". وقال إن "الانتخابات المحلية اليوم مظلومة لأنها تقع بين التشريعيات التي حصل فيها ظلم وتزوير وضغوط، ورهانات الرئاسيات المقبلة"، مضيفاً: "الشعب الجزائري أمامه انتخاب المجلس الشعبي البلدي والمجلس الشعبي الولائي، فما دخل الرئاسيات؟".

ورأى الناشط والكاتب السياسي المعارض، فاروق طيفور، أن إثارة موضوع الانتخابات الرئاسية بشكل مسبق، ونقل التركيز من الانتخابات المحلية إلى الرئاسية، "يعبّر عن أن عقل صانع القرار في الجزائر منحبس في الرئاسيات"، موضحاً أن "قفز الأحزاب الموالية للقصر على الانتخابات البلدية واستباق خطاب الرئاسيات، صورة من صور تماهي هذه الأحزاب مع السلطة". وأشار إلى أن "خطاب الأحزاب الأربعة المشكّلة للائتلاف الرئاسي منسجم مع إشارات الرئاسة، ناهيك عن أنها لا تملك الجرأة أو الشجاعة لاختيار مفاتيح خطابها"، معتبراً أن "حضور الرئاسيات في حملة المحليات يعبّر عن حالة إفلاس لدى هؤلاء، الساعين للقفز على حالة البؤس التنموي المحلي، ومصادرة الاختيارات الشعبية، إلى الحد الذي يعطي انطباعاً بأن الانتخابات حصلت وبقي الإعلان فقط عن فوز أحزاب الموالاة بها".