وبحثت جلسات اليوم الثاني للمؤتمر تجارب تحوّل المليشيا إلى جيش، والتي ناقشت تجربة قوات الدعم السريع السودانية والوحدات شبه العسكرية في صربيا والآثار العسكرية والسياسية لتحول قوات البشمركة في إقليم كردستان العراق.
وعرض كل من الباحثين غاريث ستانسفيلد وألان حسانيان، في الجلسة التي ترأسها عبد الوهاب الأفندي، واقع قوات البشمركة في إقليم كردستان العراق، التي حظيت باهتمام دولي كبيرة منذ إعلان "الخلافة الإسلامية" من قبل "داعش" في شمال العراق في عام 2014، حيث قامت قوات البشمركة، التي تعتبر قوات برية، وتتموقع في أماكن مناسبة جغرافيا، بدور مهم في الحملة لهزيمة تنظيم الدولة "داعش".
وتدخّلت الولايات المتحدة الأميركية في العديد من المرات من أجل توحيد البشمركة، ولكن في واقع الحال بقيت هذه المحاولات حبرًا على ورق، وظل أغلبها محاولات غير ناجعة.
أما فيليب إيدوس وتيّانا رييفيتش، فقد خلصا في ورقتهما البحثية إلى أن التكوينات شبه العسكرية الصربية تشكّلت من رجال من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والخلفيات المهنية من المناطق المتأثرة بالحرب من صربيا، وأنه بالإضافة إلى الكفاح ضد الانفصالية الألبانية في كوسوفو، فإن المهمة الرئيسية الأخرى لهذه التكوينات كانت الاغتيالات السياسية لخصوم ميلوسوفيتش وصحافيي التحقيقات الذين انتقدوا نظام ميلوسوفيتش علانية.
وبيّن الباحثان أنه على الرغم من أن صربيا شاركت في 4 حروب في العقد الماضي، إلا أنها لم تقم بتطبيق آليات نزع السلاح وتفكيك الوحدات شبه العسكرية، نظرًا إلى عدم ممارسة أي ضغوط خارجية عليها لتفكيك السلاح. وقد أتاح انتصار التحالف المؤيد دمج المجموعات شبه العسكرية في صربيا وتحويلها إلى وحدات نخبوية تابعة لوزارة الداخلية، ومحكومة للقانون في الدولة، وذلك بطلب من الرئيس الصربي.
وتطرق الباحث حامد علي إلى تجربة قوات الدعم السريع السودانية، وتحولها من مليشيا إلى جيش، إذ مرت قوات الدعم السريع السوداني بمجموعة من التطورات حتى بلغت قدرتها القتالية اليوم نحو 60 إلى 80 ألف مقاتل، يمتلكون أسلحة بدائية، وقاذفات صاروخية، وبعض العربات للنقل.
وعرض الباحث مسار تطور قوات الدعم السريع؛ من قوات جنجاويدية تحارب على ظهور الأحصنة، إلى مليشيا تقود سيارات رياضية متعددة الأغراض معدة لحمل أسلحة ثقيلة، كما استعملت قوات الدعم السريع تكتيكات التمرد، على غرار استعمال الشاحنات نصف نقل من أجل المناورة في ساحة المعركة ومحاصرة خصومها ومهاجمتها سياسياً، وقد تحوّلت قوات الدعم السريع، في وقت لاحق، إلى قوة مضادة للجيش وأداة لقمع خصوم الرئيس السياسيين ومعارضيه، وفق الباحث.
وكانت الجلسة الرابعة للمؤتمر بعنوان "القتال والسياسة الدولية"، وترأستها هند المفتاح، وشارك فيها كل من، توماس جونسون، في ورقة عن حركة "طالبان الأفغانية: تطور الأداء العسكري والسياسي"، وآنا بولاخ في ورقة بحثية عن "بناء القدرة على الصمود رداً على الحرب الروسية غير المتكافئة"، وديفيد دارشياشفيلي، وشارك بورقة بعنوان "أغسطس 2008: ذروة الحرب الهجينة بين روسيا وجورجيا"، بيّن فيها أن جورجيا لم تكن لتسيطر على الحدود الشمالية لروسيا، وهو ما تسبب في أن تأمر تبيليسي قواتها بالاستيلاء على تسخينفالي مقدمًا، للحصول على مواقع أفضل لحماية القرى الجورجية التي تقع على الطريق من الشمال إلى عاصمة أوسيتيا. وقال: "لا يمكن الحديث عن نجاح روسيا في حربها الهجينة الأوكرانية، فبعد ضم شبه جزيرة القرم وانتكاسات الأوكرانيين في معارك إيلوفيسك وديبالتسيفو، فشلت القوات المسلحة غير الحكومية الروسية في التوسع من الشرق إلى جنوب أوكرانيا، والاستيلاء على كامل ساحل البحر الأسود الأوكراني".
ولفت توماس جونسون إلى أن لدى حركة طالبان مراكز ثقل على المستوى الفردي والتشغيلي والاستراتيجي تعكس مستويات الحرب التكتيكية والتشغيلية والاستراتيجية، إذ أثبتت الحركة مهارتها في حماية أجهزتها، والاستفادة منها ضد الولايات المتحدة. وشرح أن طالبان "حاولت السيطرة على الإيقاع التشغيلي في ساحة المعركة، وأجبرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على ارتكاب أخطاء لاستخدامها لصالحهما؛ ففي الوقت الذي حاولت فيه حكومة أفغانستان التحديث والتحرير، شرعت طالبان في إحداث ثورة في هيكلها وأيديولوجياتها وقد نقلت هذه التعديلات التنظيمية التي بدأت في عام 2008 من مركزية هيكلية تراثية، استيراد تكتيكات قتالية أخرى واستخدامها، وقد أثبت ذلك قدرة طالبان على التكيف والابتكار، بالتوازي مع تبنيها تكتيكات صارمة، كما اتضح من تصاعد الاغتيالات التي شهدناها خلال السنوات العشر الماضية".
وشارك في جلسة "الحرب الهجينة: المليشيات والدول (الأجنبية)" والتي ترأسها يونس محمد الذرب، كل من أنطوني تشيمنتي، بورقة عن "الإمارات العربية المتحدة والحرب بالوكالة في اليمن: الدور العسكري والسياسي للمليشيات المسلحة"، وكوكتوغ سونمز، بورقة عن "المقاتلون الشيعة الأجانب في الحرب الأهلية السورية: المليشيات واستراتيجيات التجنيد ودور إيران الإقليمي"، وأسامة الكعبار، بورقة حملت عنوان "مليشيا الجيش الوطني الليبي"، والتي بيّن فيها أن "مشروع الكرامة" هو مشروع "إماراتي فرنسي" للسيطرة على ليبيا وليس حركة عسكرية لمحاربة الإرهاب كما يدّعي خليفة حفتر.
ووفق الكعبار، تتألف مليشيات حفتر من قوات تدين بالولاء له، ومليشيات وقوات متحالفة معه على أساس تقاطع المصالح، إضافة إلى قوات أجنبية أمنية ومرتزقة.
وقال الباحث كوكتوغ سونمز إن مساعي إيران لرسم مجالها الجغرافي المباشر بواسطة "الوكلاء" جعل الحرب الأهلية في سورية إحدى ساحات القتال الأكثر نفوذاً لها. مضيفاً: "تملك إيران روابط وثيقة مع بعض القوى السنية المسلحة وغير الحكومية، سواء المرتبطة مباشرة بالحرب الأهلية في سورية أو غير المرتبطة منها، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين".
ووفق الباحث أنطوني تشيمنتي، فقد ركّز المسؤولون في دولة الإمارات العربية المتحدة على فرز أطراف غير حكومية وتجهيزها وتدريبها لدعم تنفيذ أهداف الإمارات في جنوب اليمن، حيث نجحت الإمارات في تأسيس كيان سياسي وقوة وكيلة فعالة عبر المساعدة التي قدمها جيش الإمارات لقوات الحزام الأمني، والنخبة الحضرمية، والنخبة الشبوانية، ومساعدة تلك القوات من تحقيق الإنجازات ضد قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي وضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، مشيراً إلى أن نجاح استراتيجية الإمارات في دعم قوات مقاتلة غير حكومية أظهر تداعيات أدت إلى تجزئة اليمن، وفاقم الصراع، وتدنّت معه إمكانية إصلاح القطاع الأمني.