حزبا السلطة الجزائرية في مأزق: مخاوف على المستقبل

31 مارس 2019
يواجه بوشارب وأويحيى أزمة سياسية وشعبية وتنظيمية (Getty)
+ الخط -
دفع الحراك الشعبي في الجزائر، حزبي السلطة، "جبهة التحرير الوطني" الذي يقوده رئيس البرلمان معاذ بوشارب ويُعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً له، و"التجمّع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، إلى أتون أزمة سياسية وشعبية وتنظيمية، تهدد موقعيهما في المشهد السياسي في البلاد. ودخل حزب "جبهة التحرير الوطني"، في مأزقين، سياسي وتنظيمي، في سياق تطورات متصلة بالحراك الشعبي في الجزائر منذ 22 فبراير/شباط الماضي. وفي أحدث تطور للأزمة التنظيمية التي تعصف بالحزب، يدفع 150 عضواً في اللجنة المركزية للحزب، من المتمردين على المنسق العام الحالي معاذ بوشارب، باتجاه انعقاد سريع للجنة المركزية لانتخاب "قيادة شرعية وتمثيلية" والتحضير للمؤتمر العام للحزب، وفقاً لما خلص إليه اجتماع أمس السبت شارك فيه وزراء ونواب سابقون وقياديون من الصف الأول لـ"جبهة التحرير". وانضم رئيس البرلمان السابق السعيد بوحجة إلى المجموعة. وقال بوحجة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "موقفي بشأن عدم شرعية القيادة الحالية ليس جديداً، قلت ذلك منذ فترة، واعتبر أن الحزب يجب أن يعود إلى مناضليه عبر مؤتمر عام"، مشيراً إلى أنه "يتعيّن تطهير صفوف الحزب من الدخلاء".

واعتبرت كوادر وقيادات "جبهة التحرير الوطني" أن أزمة الحزب لها صلة وثيقة بالمشكلة السياسية الراهنة، ما دفعهم أمس إلى إدراج مطالبة بوتفليقة بالاستقالة من منصبه والسماح بتطبيق المادة 102 من الدستور ضمن مواقفهم الجديدة، على الرغم من أن عدداً منهم كان منخرطاً في الدفع بترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. لكن الحزب الذي يدير الحكم منذ الاستقلال في يوليو/تموز 1962، وجد نفسه في مواجهة مأزق سياسي قد ينسف وجوده في الساحة، بعد تعاظم المطالبات السياسية والشعبية بحله وإعادة "جبهة التحرير الوطني" التي قادت ثورة تحرير الجزائر (1954-1962) إلى الأمة كرمز وميراث وطني مشترك. وتعرّض الحزب ورموزه إلى محاكمة شعبية من قبل المتظاهرين، والذين يطالبون بحل الحزب وإلغاء وجوده السياسي. كما هاجم متظاهرون في بعض الولايات، كعنابة وتبسة شرقي الجزائر، مقر الحزب وجمعوا القمامة ووضعوها عند مدخل مقره، في إشارة إلى الاستياء الشعبي منه بسبب مسؤوليته على الوضع الذي آلت اليه البلاد، واستغلاله المتبادل للسلطة لتزوير الانتخابات والإرادة الشعبية والهيمنة على المقدرات، والدعم المستمر لكل السياسات التي تخطط لها السلطة.

وفي 10 مارس/آذار، وجّه 14 قيادياً بارزاً في الحزب رسالة استقالة منه، وطالبوا بحله وسحب اسم "جبهة التحرير الوطني" من المعترك السياسي، وتحويلها إلى رمز وقاسم مشترك محمية بنص الدستور، باعتبارها رصيداً وطنياً لأنها قادت ثورة التحرير. وطالب القياديون، وبينهم عبد القادر شرار ومحمد بوعزارة وعيسى خيري وبوعلام جعفر وحكيمي صالح ونادية حناشي وعبد الرحمن السهلي، رئيس الجمهورية المقبل، باسترجاع "جبهة التحرير الوطني كملك للأمة".


وعزز موقف المنظمة الوطنية للمجاهدين (قدماء المحاربين في الثورة الجزائرية)، هذا الاتجاه، إذ أصدرت المنظمة قبل أيام بياناً دعت فيه إلى فك الارتباط بين "جبهة التحرير الوطني التي قادت الشعب الجزائري إلى التحرير وتحقيق النصر على الاستعمار، والحزب الذي أصبح اليوم عنواناً لكل مظاهر الفساد، مما جعل الجماهير تطالب برحيله، وهو ما يؤكد أن الحزب تم استغلاله كمطية للتداول على الحكم طوال نصف قرن". وطالبت المنظمة، التي تضم كبار قيادات وقدماء ثورة التحرير وانضمت مبكراً إلى الحراك، بـ"تحرير جبهة التحرير الوطني وإنزالها المكانة التي تستحقها، ومنع توظيفها من أي جهة كانت باعتبارها تراثاً تاريخياً مشتركاً لكل أبناء الشعب المخلصين".

وفي عام 1964، بعد سنتين من استقلال الجزائر، تقرر تحويل الجبهة الثورية، "جبهة التحرير الوطني"، إلى حزب سياسي، مارس الجيش من خلفه السلطة. وهذه المرة الثانية التي تتم فيها الدعوة إلى حل الحزب واستعادة شعار واسم الجبهة الثورية وجعلها ضمن رموز الشعب والأمة في الدستور.

وفي السياق نفسه، لا يبدو وضع حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده أويحيى مريحاً، بسبب الصراعات الداخلية التي تمزق صفوفه. وطالب 100 عضو قيادي وكادر، أمس السبت، الأمين العام والرجل القوي أحمد أويحيى، بالاستقالة الفورية من قيادة الحزب، في ظل الرفض الشعبي المتنامي لاستمرار أويحيى في المشهد السياسي في البلاد. ونشر 100 عضو من المجلس الوطني للحزب بينهم وزراء سابقون وحاليون ونواب في البرلمان، بياناً طالبوا فيه أويحيى بالمبادرة إلى تقديم استقالته، بسبب وضعه غير المريح شعبياً، ما قد يشكّل عبئاً سياسياً على الحزب في الاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة في البلاد. وأكد البيان أن "أويحيى مرفوض شعبياً"، على الرغم من مطالبته الرئيس بوتفليقة بالتنحي. وتعرّض أويحيى إلى محاكمة شعبية خلال مسيرات الحراك، وطالب المتظاهرون برحيله من المشهد السياسي، خصوصاً بعد تصريحاته في 26 فبراير في البرلمان، والتي حذر فيها من توجّه الحراك إلى تكرار المسار السوري.

وطالب كوادر "التجمع" الذي يُعد الحزب الثاني للسلطة، مجموع قيادات ومناضلي الحزب، بدعم هذه المساعي، والإسراع في التحضير لمؤتمر استثنائي جامع، يعيد بناء الحزب على أساس نضالي. وبرز بين الموقّعين على البيان، الوزير السابق المنتدب للشباب بلقاسم ملاح، والذي هدد في تصريح صحافي بإمكانية اللجوء إلى اقتحام مقر الحزب وطرد القيادة الحالية في حال رفض أويحيى الاستجابة لمطلب رحيله الطوعي. وفي الغالب تُوجّه انتقادات لأويحيى بمنح المناصب القيادية في الحزب لرجال الأعمال وترشيح نواب في الانتخابات النيابية لشخصيات على صلة بالمال السياسي.

وكان أويحيى قد رفض، يوم السبت من الأسبوع الماضي، تقديم استقالته من قيادة الحزب، وتمسّك بمنصبه في اجتماع لقيادة "التجمع"، وكذّب تقارير كانت تحدثت عن إمكانية انسحابه من المشهد السياسي. ويُعتبر أويحيى أبرز وجوه مرحلة الأزمة الأمنية في التسعينيات، ثم مرحلة حكم بوتفليقة، إذ قاد ثماني حكومات في عهده. ويهيمن "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي أنشئ عام 1997، على الإدارات والمؤسسات الرسمية بفعل توغّله في الأجهزة الإدارية للدولة، وتتهمه المعارضة بتزوير الانتخابات لصالحه في تلك السنة التي أعلن فيها عن إنشائه.

وعلى الرغم من أن الأوضاع تؤشر إلى أن حزبي السلطة، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، لا يحوزان على أي أهلية لتكرار "إنجازات" الفوز بالاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة، بفعل تحفّز القوى والنخب الشعبية ضدهم في الشارع، إلا أن كوادر الحزبين وقيادتيهما يسعون إلى الحفاظ على مجرد تواجد سياسي في المشهد، والمشاركة بالقدر الممكن في المرحلة الانتقالية المقبلة، بعد تغيير كلي لمواقفهما والتخلي عن بوتفليقة، وتكييف مواقفهم مع مطالب الحراك. وتسعى هذه القيادات إلى الاستفادة من هامش حوار تبقيه قوى المعارضة، والتي لا تطرح في الوقت الحالي فكرة العزل والإقصاء السياسي.

المساهمون