سد النهضة: اتصالات مصرية مع عسكر السودان

09 مارس 2020
تعوّل دوائر سودانية على سد النهضة في تحقيق التنمية(Getty)
+ الخط -
جاء إعلان الرئاسة المصرية، أول من أمس السبت، عن تلقي الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بالتزامن مع اتصالات أخرى غير معلنة جرت بين المسؤولين المصريين وأطراف عسكرية في مجلس السيادة السوداني للتباحث بخصوص موقف الخرطوم الأخير من سد النهضة، بحسب ما علم "العربي الجديد". وأظهر السودان، خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، قبل أيام، تضامناً كاملاً مع إثيوبيا، إذ تحفظ على استصدار قرار عربي داعم للقاهرة في مواجهة أديس أبابا، وأصرّ على حذف اسمه من البيان باعتباره دولة مصب.

وكشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" أن اتصالات رفيعة المستوى جرت بين مسؤولين في القاهرة وبين البرهان من جهة، ونائبه محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي من جهة ثانية، بشأن موقف الخرطوم الأخير بخصوص سد النهضة. وقالت المصادر إن البرهان وحميدتي أبديا مخاوفهما من مواجهة أي قرارات مخالفة لتوجهات القوى المدنية في مجلس السيادة، بخلاف قوى المعارضة التي قادت الثورة ضد الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، مؤكدين أن هناك تياراً عاماً داخل الأوساط السياسية والشعبية السودانية في الوقت الراهن، يصعب التصدي له بشأن ملف سد النهضة. وتعول دوائر سودانية عدة على سد النهضة كثيراً في تحقيق تنمية، والحصول على الكهرباء بأسعار تنافسية للغاية، بخلاف تنظيم عملية الزراعة والاستفادة من كافة الموارد السودانية.


وبحسب المصادر المصرية، فإنه توجد حالة من الاستقواء التي باتت تشعر بها القوى المدنية في مجلس السيادة السوداني، خصوصاً بعد زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى الولايات المتحدة، وتبشيره بصفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعيداً عن أي دعم عربي أو مصري. وقالت المصادر إن أطرافاً عسكرية داخل مجلس السيادة ترفض الموقف السوداني المعلن في أزمة سد النهضة، مؤكدة ضرورة أن يكون الرأي المعلن أكثر حيادية، بعيداً عن المواقف الصدامية أو خسارة مصر بشكل كبير. ولفتت المصادر إلى أن هذا الأمر سبب ارتباك الموقف السوداني وتأرجحه بخصوص دعم مصر خلال المفاوضات التي استضافتها العاصمة الأميركية واشنطن في فبراير/ شباط الماضي.

وكشفت المصادر نفسها أنه توجد آراء داخل النظام المصري "بتصدير أزمة لحكام السودان الحاليين"، عبر ملف مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين البلدين، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات تدعم السيطرة المصرية على المنطقة، للضغط على مجلس السيادة وتخفيف حدة موقفه الداعم لأديس أبابا.

وجاء ذلك فيما حرص الرئيس المصري ورئيس مجلس السيادة خلال الاتصال الهاتفي بينهما أول من أمس على تأكيد "توافُق الجانبين حول استمرار التنسيق المشترك والتشاور المكثف خلال الفترة المقبلة بشأن كافة الملفات الإقليمية والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز أطر التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين"، بحسب ما أوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي. كذلك أكّد البرهان "متانة الروابط التاريخية المتأصلة بين مصر والسودان"، فيما تطرق السيسي إلى الموقف المصري الاستراتيجي الداعم لأمن واستقرار السودان، وحرص مصر على مواصلة التعاون والتنسيق مع السودان في كافة الملفات محل الاهتمام المتبادل، وذلك في ظل الروابط الأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل.

من جهته، كشف مصدر سوداني تحدث لـ"العربي الجديد" أن الخرطوم لم يكن أمامها من خيار آخر خلال اجتماع الجامعة العربية، واضطرت لاتخاذ موقفها المتحفظ على البيان. وأوضح أنها اقترحت تعديلاً على البيان قبل المطالبة برفع اسمها منه والتحفّظ عليه بعد ذلك. ولفت إلى أن تبني الملاحظات كان من شأنه قطع الطريق على تصعيد الأزمة، لكن لم يؤخذ بها. وخلص المصدر نفسه إلى القول إن السودان ليس من مصلحته في الوقت الراهن الدخول في مواقف عدائية مع إثيوبيا. يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فيه أديس أبابا رفضها البيان الختامي لمجلس وزراء الخارجية العرب الصادر أخيراً، إذ أكدت وزارة الخارجية في بيان رسمي أن "إثيوبيا ستحمي حقها الكامل في استخدام مياه النيل بطريقة عادلة ومنصفة إلى جانب دول حوض النيل الأخرى، وبدون التسبب في ضرر كبير على دول المصب وكذلك تلبية مطالب الأجيال الحالية والمستقبلية". وأضافت أنه "من المؤسف للغاية أن مجلس الجامعة العربية طالب بعدم المساس بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل في حين ظل صامتاً بشأن حقوق إثيوبيا، وهي الدولة التي تشكل مصدر أكثر من 85 في المائة من مياه النيل".

من جهتها أعلنت وزارة الخارجية المصرية رفضها البيان الإثيوبي، واصفة إياه بأنه "اتصف بعدم اللياقة، وافتقر إلى الدبلوماسية، وانطوى على إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية ودولها الأعضاء". وقالت الخارجية المصرية إن النهج الإثيوبي في الإصرار على ملء سد النهضة بشكل منفرد في شهر يوليو/ تموز 2020 بدون التوصل لاتفاق مع دولتي المصب، يأتي في محاولة منها لجعل مسار المفاوضات رهينة لاعتبارات سياسية داخلية، وهو ما يمثل خرقاً مادياً لاتفاق إعلان المبادئ (الموقع بين الدول الثلاث في 2015)، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك سوء نية إثيوبيا وافتقارها إلى الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة.