أوسلو... 26 عاماً على الكذبة

13 سبتمبر 2019
ينهب الاستيطان مزيداً من الأرض الفلسطينية (حازم بدر/Getty)
+ الخط -
قبل 26 عاماً، أي في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، أبرم في واشنطن، عن حكومة إسرائيل، وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، وعن الوفد الفلسطيني، محمود عباس، وبحضور الشاهدين، الولايات المتحدة والفدرالية الروسية، "إعلان مبادئ حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية"، تخلله التأكيد على أن "هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من بين أمور أخرى إقامة سلطة حكومية ذاتية انتقالية"، كانت تسوق كمرحلة انتقالية من خمس سنوات، على أمل أن ينتهي الحال بقيام دولة فلسطينية مستقلة في العام 1999. وفي النص، اعتبرت الاتفاقية "الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة، يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية".

اليوم، أين نحن من كل ما جرى بعد ربع قرن؟

الواقع يقول إن الاستيطان الاستعماري نهب مزيداً من الأرض الفلسطينية لتهويدها بأحزمة مستوطنات مسلحة وعسكرية تؤدي دور ثكنات عسكرية متقدمة، بما يحول أرض فلسطين، من شمالها إلى جنوبها، إلى مختبر عملي لكل معاني الكيان العنصري، نحو نظام "أبرتهايد" تستعر فيه مفاهيم الفصل والاستعلائية الدينية، وفرض بالقوة لواقع مناف للتاريخ والقوانين والشرائع، واستناداً إلى خرافة "دولة يهودية"، بتحويل أصحاب الأرض الأصليين إلى مجرد "سكان"، وإطلاق نعوت توراتية على الضفة الغربية.

إعلان بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، وغيره من ساسة نظام الـ"أبرتهايد"، عن نية ضمّ الأغوار، وبقية الكتل الاستعمارية، يعني عملياً، أن جدار الفصل العنصري، الممول من دافعي الضرائب الأميركيين، بمساعدات سنوية، وبغض طرف غربي، رغم قرار محكمة لاهاي ببطلانه في 2004، هو تثبيت عملي لدولة الفصل العنصرية هذه، وتسويق ما تفرضه على أنه لدواع أمنية، ومن أجل "سلام دائم".

وربما لن يبقى، بعد كل هذا الاستخفاف الصهيوني بما وقع عليه، وشهدت عليه الولايات المتحدة وروسيا، حتى ما خص الملاحق الأمنية التي شملها "أوسلو"، سوى طلب إعلان شطب قرارات مجلس الأمن الدولي 446 و452 و465 بشأن عدم شرعية المستوطنات، بعد شطب القرارين 468 و471 بشأن مواطني المناطق المحتلة أيضاً، بناء على معاهدة جنيف. وهذا يعني توقف "مهنة المفاوضات"، التي استمرأها البعض الفلسطيني كـ"حياة". ولا داعي اليوم للتذكير بأن مواقف دولة الاحتلال وهجمتها المسعورة الأخيرة وجدت تربتها الخصبة في حالة الهوان والتصهين العربيين، رغم بيان التنديد الأخير.

لكن يبقى السؤال: وماذا بعد؟

سياق الأمور، تاريخاً وواقعاً، أن الشعب الفلسطيني، في غمرة التغييرات الديمغرافية التي يقوم بها الاحتلال في فلسطين لن يجد نفسه، شاءت سلطة هنا أو فصائل هناك أم أبت، سوى أمام عودة إلى المربع الأول: لا خيار سوى المقاومة. وعندها فليخترع العرب والغرب وغيرهم، كروسيا التي عبرت عن "القلق" من نية ضم الأغوار، ما شاؤوا من نعوت لتلك المقاومة. فمن يفرض بالقوة القهرية واقعاً قهرياً، لن يواجه سوى بالقوة مهما تبدى أن مشروعه في طريقه للنجاح. أي خطاب سياسي ودبلوماسي، سلطوي أو عربي، يتحدث عن "طاولة مفاوضات"، لن يجد أمام هذا الواقع المعاش تحت سلطة "أبرتهايد" من يستمع له عند شعب تعلّم أن هذا الاحتلال لا يفهم سوى لغة القوة والمقاومة.

المساهمون