إسرائيل تطبق عملياً "صفقة القرن" بشكل أحادي في الضفة

20 مارس 2018
يعمل الاحتلال على جعل غور الأردن جزءاً من الصفقة(Getty)
+ الخط -
سواء أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الإعلان عن خطته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي اصطلح على تسميتها "صفقة القرن" أم لا، فإن إسرائيل شرعت بشكل أحادي الجانب في القيام بخطوات منسجمة مع بنود الصفقة المقترحة وفقاً إلى تسريب صادر عن مكتب أمين سر منظمة التحرير صائب عريقات، كما قامت بخطوات تجاوزتها أحياناً، بهدف ضمان الوفاء بمركبات خارطة مصالحها الاستراتيجية في الضفة الغربية.

وإن كان أحد بنود الصفقة تحدث بشكل واضح عن مواصلة إسرائيل السيطرة المطلقة على منطقة الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن، فإن إسرائيل أحدثت تحولاً على أولويات مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية بشكل متناسب مع تحقيق هذا الهدف. ودلّت كل المؤشرات على أن إسرائيل عادت في الآونة الأخيرة إلى تغليب المسوغات الاستراتيجية على الأيديولوجية في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، وذلك من خلال منح أولوية للاستثمار في تطوير وتوسيع المستوطنات القائمة في منطقة غور الأردن، على اعتبار أن تحقيق هذا الهدف يعزز من قدرة إسرائيل على مواصلة السيطرة على الحدود ويسدل الستار على أية فرصة لمنح الجانب الفلسطيني موطئ قدم سياسيا أو أمنيا فيها.

وقد عبّر وزير الإسكان الإسرائيلي يوآف غالانت في مقابلة أجرتها معه صحيفة "ميكور ريشون" يوم الجمعة الماضي، عن هذا التوجه من خلال تأكيده على أن "أنماط الأنشطة الاستيطانية التي تديرها حكومته تهدف إلى بلورة واقع جغرافي جديد في الضفة، وتحديداً في منطقة غور الأردن، من خلال ضخ استثمارات هائلة لتشجيع المزيد من اليهود للمجيء للاستقرار في المستوطنات هناك". وحسبما كشفت حكومة بنيامين نتنياهو في وقت سابق، فالاستثمارات في مستوطنات "غور الأردن" هادفة إلى مضاعفة عدد المستوطنين هناك إلى خمسة أضعاف.

لكن خارطة الاستيطان الجديدة في الضفة الغربية كشفت بعض الأغراض التي هدف مصممو صفقة القرن إلى إخفائها. فإن كانت بنود الصفقة المسرّبة تحدثت عن ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى المنتشرة على نحو 10 في المائة من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، فإن الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة على غور الأردن، دلّت على أن الهدف من ذلك هو تمهيد الظروف أمام ضمّ منطقة "ج" (التي أعطت اتفاقات أوسلو سيطرة مدنية وأمنية كاملة لإسرائيل عليها، ما عدا على المدنيين الفلسطينيين)، ذات الـ60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، و"الغور" جزء منها.



وإن كان نتنياهو قد عمل على كبح جماح ممثلي التيار الديني الصهيوني وبعض وزراء الليكود في الائتلاف الذين تنافسوا على إطلاق الدعوات لفرض السيادة الإسرائيلية على مناطق "ج"، إلا أن قرار حكومته التركيز على تطوير المشروع الاستيطاني في "الغور" وتوسيعه هدف لبلورة وقائع جديدة تمهيداً للضمّ.

في الوقت ذاته، فإن كبار قادة حكومة تل أبيب حرصوا أخيراً على إلزام أنفسهم أمام الجمهور الإسرائيلي بجملة من الالتزامات منسجمة مع ما ورد في البنود المسرّبة لصفقة القرن. وإن كان أحد البنود تحدث عن أن إسرائيل احتكرت لوحدها الصلاحيات الأمنية في جميع مناطق الضفة الغربية، لكن نتنياهو كرّر في أكثر من مناسبة، أن "إسرائيل لن تفرط باحتكارها الصلاحيات الأمنية في الضفة الغربية".

وإن كان احتكار إسرائيل الصلاحيات الأمنية والسيطرة على الحدود في الضفة الغربية ينسف فكرة "الدولة" الفلسطينية التي يتحدث عنها أحد بنود الصفقة، فإن مسؤولين كبارا في إسرائيل لا يترددون في الكشف عن أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون في الضفة هو "حكم ذاتي".

ومن الواضح أن إسرائيل من خلال تطبيقها لأفكار "صفقة القرن" من جانب واحد تلقى دعماً صامتاً من الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب. وكما كتبت كرولين كليغ، المستشارة الإعلامية السابقة لنتنياهو في مقال نشرته "معاريف" أخيراً، فإن "الولايات المتحدة يمكن ألا تعلن عن موافقتها على ضمّ مستوطنات الضفة الغربية، لكنها في الوقت ذاته لن تتخذ في المقابل أي موقف ضد إسرائيل في حال أقدمت على هذه الخطوة".

إلى جانب ذلك، إن سلوك السلطة الفلسطينية، على الرغم من اعتراضها على صفقة القرن، يسهم في بلورة بيئة تساعد إسرائيل على تطبيقها من جانب واحد. فعندما ترفض قيادة السلطة عملياً تطبيق التوصيات الصادرة عن الجلسة الأخيرة للمجلس المركزي الفلسطيني، للردّ على قرار ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، تحديداً التوصية بوقف التعاون الأمني، فإن هذا يساعد على توفير بيئة أمنية مناسبة لتعاظم الاستيطان اليهودي في الضفة.

وقد كشف تحقيق نشر أخيراً في موقع "ولا" أن "مستوطنات الضفة الغربية قد تحوّلت إلى هدف للسياحة الداخلية الإسرائيلية بسبب تحسن الأوضاع الأمنية، وذلك بفعل التعاون الذي أبدته أجهزة السلطة الأمنية. إلى جانب ذلك، فإن سلوك الأنظمة العربية يشجع إسرائيل على تطبيق بنود الصفقة، فالأنشطة الاستيطانية في أرجاء الضفة الغربية المُعلن عنها أخيراً لم تفلح في إقناع الحكومات العربية في الإقدام على أية خطوة احتجاجية عليها. كما أن المشاريع الاقتصادية بين إسرائيل وبعض الدول العربية تسهم بشكل مباشر في تعزيز بيئة الاستيطان. فمشروع "قناة البحرين"، المُتفق عليه بين الأردن وإسرائيل، يهدف، ضمن أمور أخرى، إلى تدشين محطة تحلية مياه ضخمة في مدينة العقبة يتم بواسطتها تزويد مستوطنات غور الأردن بالمياه.