حلب بعد الإبادة: احتمالات الاجتياح البري واتفاقات التهجير

27 سبتمبر 2016
مئات الضحايا بالقصف العنيف على المدينة (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -
شُلت الحياة في الأحياء الشرقية من مدينة حلب السورية بعد أيام من حملة جوية غير مسبوقة يقوم بها الطيران الروسي ومقاتلات النظام السوري، أدت إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، لتدخل هذه الأحياء في مرحلة "لفظ أنفاسها الاخيرة".
هذا الهجوم العنيف يطرح تساؤلات عن السيناريوهات التي يحضّرها النظام والروس للمدينة، وسط صمت دولي على جرائمهما، وخصوصاً أن النظام كان قد أعلن بعد انهيار الهدنة التي تم التوصل إليها بين موسكو وواشنطن، إطلاق عملية عسكرية للسيطرة على حلب، قال مصدر منه إن القصف الجوي هو مرحلة أولى من "العملية الشاملة".
وتضع هذه المعطيات تحرك النظام أمام سيناريوهين مرجحين، الأول أن تحاول قوات نظام بشار الأسد وحلفاؤها اجتياح الأحياء الشرقية في حلب برياً، أما الثاني فهو دفع مقاتلي المعارضة السورية إلى قبول اتفاق يفضي إلى خروجهم من المدينة إلى الريف الشمالي لحلب أو إلى محافظة إدلب القريبة، في تكرار لسيناريو مدينة حمص في العام 2014.
أما المعارضة التي تدرك أن معركة حلب "مصيرية" وستلعب دوراً مهماً في تحديد مستقبل البلاد برمته، فإنها لم تقم حتى الآن بأي تحرك على الأرض لمواجهة إجرام النظام وموسكو، فيما علمت "العربي الجديد" من مصادر في المعارضة المسلحة في حلب أنها تُحضّر لعمل عسكري كبير قد يكون من محور الكاستيلو، إلا أن ما يعيق تنفيذ هذا العمل هو الطلب التركي من هذه الفصائل التريث بإعلان بداية هذا العمل، موضحة أن هكذا عمل لا يتم دون ضوء أخضر تركي، كون تركيا هي الداعم الأساسي للفصائل المشاركة فيه.
فيما يؤكد المتحدث باسم "حركة نور الدين زنكي" التابعة للجيش السوري الحر في حلب النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لدى المعارضة عدة خيارات للمواجهة منها تنسيق العمل العسكري وتوحيده، و"نقل المعركة إلى حيث نريد"، مضيفاً: "نستطيع تغيير قواعد المعركة بتغيير جبهة الهجوم في أماكن لا يضع فيها النظام جهد الدفاع الرئيسي". ويتوقع عبد الرزاق أن تهاجم قوات الأسد "مواقع هامة في حلب بعد القصف العنيف والتدمير الممنهج"، مشيراً إلى أن هذه القوات تهدف إلى تقطيع أوصال المدينة.
ولا يبدو أن الغارات الجوية للنظام والطيران الروسي التي تُعدّ الأعنف منذ حملة البراميل المتفجرة التي شنّها طيران نظام الأسد على المدينة أواخر عام 2013، في طريقها للتوقف على الرغم من مقتل وإصابة مئات المدنيين، والدمار الكبير الذي حل في الأحياء المستهدفة، والمأساة الإنسانية التي يتردد صداها في العالم أجمع، واستدعت إدانات غير مسبوقة من عواصم غربية وصلت إلى حد اتهام الروس بارتكاب جرائم حرب في حلب. وبدا أن الطيران الروسي استعاد سيناريو "غروزني الدموي" في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم في مدينة حلب، حيث شن الجيش الروسي حربي إبادة على الشيشان مستخدماً سياسة الأرض المحروقة بمختلف أنواع الأسلحة، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين، ثم قام الجيش الروسي باقتحام البلاد مرتكبا مجازر بحق المدنيين.


ويرى مراقبون للمشهد السوري أن مدينة حلب تحوّلت إلى ميدان تصفية حسابات إقليمية ودولية، بين الإرادات لتثبيت مناطق نفوذ في شرق المتوسط على حساب دماء المدنيين السوريين الذين باتوا حطب صراعات لا يبدو أنها في طريقها للحل خلال المدى المنظور.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل العسكري الأردني اللواء مأمون أبو نوار أنه "لا تلوح في الأفق أي إمكانية لحل سياسي في سورية"، معرباً في حديث لـ"العربي الجديد" عن قناعته بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "غيّر قواعد اللعبة، وفرض الحل العسكري"، مشيراً إلى أن الوضع العسكري في مدينة حلب "معقّد جداً"، معتبراً أن القصف الجوي المتواصل "يهدف إلى إجبار مقاتلي المعارضة السورية على الاستسلام والخروج من المدينة باتجاه الريف الشمالي ليكونوا تحت المظلة التركية، وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين في سيناريو مشابه لما يحدث في ريف دمشق وحمص".
ويقول أبو نوار، المتابع للمشهد السوري، إن بوتين "ضرب المصداقية الأميركية في المنطقة"، مضيفاً: "غايته شرعنة استمرار بشار الأسد في السلطة، وإجبار المجتمع الدولي على القبول به من خلال استمرار القصف الهمجي على مدينة حلب"، معتبراً أنه "لا يمكن مفاوضة مجرمين من دون قوة". ويدعو قوات المعارضة إلى فتح جبهات جنوب حلب وفي الساحل من أجل بعثرة الجهد العسكري لنظام الأسد وحليفه الروسي واستنزافهما، للتخفيف عن مدينة حلب.
ويؤكد أبو نوار أن الروس سيستمرون في قصف حلب في حال عدم قيام المعارضة بالضغط على جبهات أخرى، مشدداً على أنه "لا يمكن هزيمة الثورة السورية"، موضحاً أن أمام مقاتليها عدة خيارات "في حال أجبروا على مغادرة حلب"، منها "حرب العصابات" و"المقاومة الخفية". ويشكك بقدرة دول إقليمية على دعم معلن لعملية عسكرية للمعارضة في حلب لمواجهة هذا الهجوم "البربري" من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام، مشيراً إلى أن قوات الأسد والمليشيات غير قادرة على الصمود أمام قوات المعارضة لولا سلاح الطيران الذي وصفه بـ"السلاح المدمر" والذي "يغيّر موازين القوى في الحروب"، خصوصاً في ظل عدم امتلاك المعارضة السورية القدرة على مواجهته.
وبات من الواضح أن الاستراتيجية الروسية والإيرانية في سورية تقوم على انتزاع السيطرة على كامل مدينة حلب والحصول على نصر إعلامي على أشلاء مئات المدنيين من أجل حرمان المعارضة السورية من أكبر معاقلها في شمال سورية لفرض شروط عليها في أي حل سياسي مقبل، وفي مقدمتها القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة بصلاحيات كاملة، الأمر الذي ترفضه المعارضة بـ"المطلق"، وتصر على أن لا وجود للأسد وأركان حكمه في أي تسوية سياسية مقبلة "حتى لو طال الصراع أعواماً أخرى".
ويرى المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى بكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أسلوب نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني "يعتمد على التدمير الشامل وإنهاك الثوار والحاضنة الاجتماعية لهم بالحصار ثم الدخول إلى أرض مدمرة خالية بعد انسحاب الثوار منها"، مشيراً إلى أن "نظام الأسد يحاول التقليل من نسبة الخسائر في قواته في حال قرر القيام باجتياح بري، من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة، وكي يمنع الثوار من المقاومة والدفاع". ويعرب بكور عن قناعته بأن الحملة الجوية على حلب والتي وصفها بـ"المتوحشة" تستهدف حصر مقاتلي المعارضة والمدنيين في بقعة جغرافية ضيقة للقضاء عليهم، أو دفعهم للاستسلام والخروج من مدينة حلب، مشيراً إلى أن نظام الأسد لا يخفي خططه على هذا الصعيد.
وكان مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، أعلن الأحد الماضي نية نظامه استعادة كامل حلب، مؤكداً خلال جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في حلب أن نظام الأسد يستعد لـ"نصر وشيك" فيها.

المساهمون