شعبية الاستفتاء الثاني على بريكست تكبر

28 يوليو 2018
بريطانيا منقسمة حول طبيعة العلاقة مع أوروبا (ألبيرتو بيتزالي/Getty)
+ الخط -


مرّ عامان على تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/حزيران 2016 ولا تزال البلاد منقسمة حول طبيعة العلاقة مع الكتلة الأوروبية، وسط غموض حول مستقبل المفاوضات وطبيعة نتيجتها النهائية. فعلى الرغم من طرح رئيسة الوزراء تيريزا ماي لخطة تشيكرز على أنها الموقف التفاوضي البريطاني الرسمي، لا يبدو أن حزبها أو حزب العمال أو حتى الاتحاد الأوروبي على استعداد للقبول بها. وترجمة هذا الموقف أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لن تنتهي إلى نتيجة خلال الفترة المتبقية من عضوية بريطانيا فيه، والتي تحل رسمياً مع نهاية مارس/ آذار 2019، مع الأخذ في الحسبان ضرورة منح البرلمان البريطاني القدرة على التصويت على الصفقة النهائية قبل خروج بريطانيا من الاتحاد.

وفي حال تمكنت ماي من الوصول إلى صفقة مع الاتحاد الأوروبي بناء على خطة تشيكرز، فيجب عليها حينها إقناع متطرفي البريكست في حزبها لضمان الأغلبية البرلمانية، أو اللجوء إلى أصوات المعارضة العمالية، وكلاهما عبّرا عن معارضتهما لهذه الخطة. وبينما يرى متطرفو بريكست المحافظون أن خطة تشيكرز ما هي الا بريكست بالاسم فقط، يرى جيريمي كوربن أن الخطة لا تتجاوب مع الاختبارات الستة التي وضعها الحزب للقبول بأية صفقة للبريكست. وعلى الرغم من إمكانية أن تفاجئ ماي الجميع وتنجح في تنفيذ تعهداتها وتمرير الصفقة المنتظرة في البرلمان، يبقى الخيار الآخر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة.

وبالفعل فإن سيناريو عدم الاتفاق وتبعاته الكارثية على اقتصادي بريطانيا والاتحاد الأوروبي هو الحديث السائد لدى السياسيين في الجانبين، وإن كان مجرد تكتيك تفاوضي يهدف إلى تليين مواقف الطرف الآخر بتذكيره بمدى الضرر الذي سيلحق به في حال وقوعه. ولكن هذا الخيار ليس مستبعداً نظراً لهشاشة وضع حكومة ماي واعتمادها على معادلة برلمانية ضمنت لها الأسبوع الماضي تمرير قوانينها بفارق ثلاث أصوات فقط، أتتها من مؤيدي بريكست في صفوف حزب العمال وهم المتمردون على توجيهات كوربن، بينما خذلتها هذه المعادلة أثناء التصويت على الالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي للتشريعات الدوائية.

ودفع هذا الوضع الحكومي والبرلماني غير المستقر إلى مطالبة العديد من السياسيين، ومن صفوف قطبي السياسة البريطانية، إلى الاحتكام للشارع البريطاني مجدداً. وهو ما يمكن أن يتم بأحد طريقين: أولهما الانتخابات المبكرة وبروز برلمان جديد يسمح بتجاوز الطريق المسدود في البرلمان الحالي. إلا أن هذا الخيار بعيد المنال، فلا هو يحظى بتأييد ثلثي أعضاء البرلمان الحالي، ولا تيريزا ماي مستعدة للاستقالة والدعوة إلى انتخابات جديدة قد تعود عليها بكارثة أسوأ من انتخابات عام 2017، عندما خسر حزبها أغلبيته البرلمانية، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تضع حزب كوربن في المقدمة، وهو الحزب المنقسم على نفسه أيضاً حول بريكست. ولا ضمان هنالك بأن تخرج الانتخابات بنصر حاسم لأحد الحزبين يمكنه من قيادة بريطانيا إلى بر الأمان. أما خيار حكومة الوحدة الوطنية بين الحزبين الرئيسيين فما هو إلا ضرب من محض الخيال في ظل الانقسام الوطني الحالي حول المسألة.

ويبقى في هذه الحالة خيار الاستفتاء الثاني على بريكست، والذي ينال تدريجياً دعم العديد من السياسيين البريطانيين، ولا يعارضه كلياً بين الأحزاب البريطانية إلا الحزب الحاكم، فماي نفت إمكانيته كلياً، لكن سبق أن نفت إمكانية حصول الانتخابات المبكرة عام 2017، قبل حصولها عملياً. ويمكن للاستفتاء الثاني على بريكست أن يمنح بريطانيا الرؤية الواضحة التي تريد حول البقاء في الاتحاد الأوروبي، أو مغادرته من دون صفقة، أو القبول بالصفقة التي ستصل إليها ماي في مفاوضاتها مع الاتحاد، وفقاً للوزيرة السابقة في حكومة ماي، جستين غريننغ.

ولكن للاستفتاء الثان عقبات تقف في طريقه أيضاً، وأولها مسألة الوقت. فالاستفتاء الأول على بريكست استغرق سبعة أشهر في البرلمان البريطاني ليتم تحديد أطره القانونية. وفي حال موافقة البرلمان الحالي على تنظيم الاستفتاء، لا تمتلك بريطانيا مثل هذه الرفاهية. إلا أن مؤيدي الاستفتاء يجادلون بأنه يمكن للاستفتاء الثاني الاعتماد على القوالب التشريعية المعتمدة في الاستفتاء الأول، وهو ما سيسمح باختصار الفترة الزمنية للنقاشات البرلمانية حوله. إلا أن الرأي الآخر يقول بتأجيل موعد بريكست بضعة أشهر، وهو ما لن يجد رفضاً من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يرغب بعدول بريطانيا عن رأيها، كما قد يجد تأييداً من مؤيدي بريكست، لإمكانية توفير الاستفتاء دعماً قاطعاً لرؤيتهم لمستقبل بريطانيا.



وتأتي بعد ذلك معضلة خيارات الاستفتاء ذاته. فما الذي سيتم استفتاء رأي البريطانيين حوله؟ فالاستفتاء الأول كان خياراً من اثنين إما أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو تخرج منه، وهو وإن كان حاسماً في نتيجته بتصويت أغلبية الناخبين لصالح الخيار الثاني (52 في المائة تقريباً)، إلا أنه لم يحسم طبيعة خروج بريطانيا من الاتحاد. وما كانت السنتان الماضيتان إلا تعبيراً عن محاولة بريطانيا استيعاب شكل بريكست الذي تريد، وما الانقسام السياسي الحالي إلا نتيجة لغياب لمثل هذا القرار النهائي. إلا أن التصويت على أحد ثلاثة خيارات، كما اقترحت غريننغ قبل عشرة أيام، ليس بالأمر السهل. فكيف يمكن حسم التصويت لصالح أحد الخيارات في حال لم يحصل أي منها على الأغلبية، وأي نظام انتخابي سيتم اعتماده في ذلك؟ كما يجادل البعض بأن وضع خيار "عدم الاتفاق" على ورقة الاستفتاء هو أمر خادع بحد ذاته، فالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة تفضيلية لا يعني نهاية العلاقة بين الطرفين، بل ستكون مبنية على أسس منظمة التجارة العالمية.

ويعتقد مؤيدو الاستفتاء بأن الشعب البريطاني اختار الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الأول ولذلك يجب أن يمتلك القرار في شكل هذا الخروج، أو التراجع عنه، وخاصة بعد تبين زيف صورة بريكست التي رسمتها الحملة الداعمة له. فحافلة بريكست المشهورة التي رفعت شعار أن بريطانيا ستوفر 350 مليون جنيه (462 مليون دولار) أسبوعياً لصالح الخدمات الصحية الوطنية بعد خروجها من الاتحاد، أكبر مثال على ذلك. فالتقديرات الحكومية الرسمية، والتي ظلت سرية حتى أجبرها البرلمان على نشرها، تفيد بأن الاقتصاد البريطاني سيتراجع، وأن موارد الدولة ستتقلص، بل وستلتزم بريطانيا بدفع 40 مليار جنيه (53 مليار دولار) من التزاماتها لصالح الاتحاد الأوروبي لعقود قادمة، وهو ما ينفي إمكانية وجود فائض يمكن تحويله لأي استثمار داخلي، أو دعم للخدمات العامة. ولذلك فإنه وبعد اتضاح الصورة للبريطانيين حول أشكال بريكست وتأثيرها على الاقتصاد، يجب أن تتاح لهم فرصة إنهاء ما بدأوه عام 2016.

وأخيراً، هناك من يرى أيضاً أن اللجوء إلى استفتاء ثان ليس هرباً من الاستفتاء الأول. فالبرلمان قد التزم بنتيجته، وتقدم بطلب الخروج من الاتحاد عبر تفعيل المادة 50، ولا يزال تحقيق بريكست الشغل الشاغل للحكومة البريطانية منذ تلك الحين. بل يرون أن وجود قرار نهائي حول شكل العلاقة مع الاتحاد، صادر عن الشرعية التي يمنحها الاستفتاء الشعبي، سيمنح بريطانيا فرصة للتعافي من الشرخ الذي ضربها سياسياً واجتماعياً في الأعوام الماضية.



المساهمون