لجنة دستورية سورية لتضييع الوقت: رفض شعبي وسياسي

04 أكتوبر 2019
خرجت تظاهرات الجمعة الماضي رفضاً للجنة الدستورية (فرانس برس)
+ الخط -

بعيداً عن نظرة هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية للجنة الدستورية التي أعلن عن تشكيلها أخيراً، واعتبار رئيس "الهيئة" نصر الحريري أن تأليف اللجنة يعد "انتصاراً وإنجازاً حقيقياً" مبنياً على القرار 2254، وحديث المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن عن تفاؤله، فإن الشارع المعارض، ومن مواقع مختلفة، لا يزال يبدي اعتراضه، بل استهجانه لفكرة اللجنة بالمجمل. ويعتبر المعترضون اللجنة أقرب إلى مضيعة للوقت لن تسفر عن أي نتائج لصالح الثورة، لا سيما أن النظام السوري، الذي عطل تشكيلها لقرابة عامين وفي وقت كان يتلقى الهزائم العسكرية رافضاً تقديم أي تنازل، لن ينتقل إلى منح المعارضة هدية مجانية في قضية الدستور بعد أن تبدلت الأوضاع الميدانية. ولا توجد أي ضمانات بأن النظام، الذي يوظف أي تطور لصالح محاولة تأهيل نفسه، لن يعمد إلى إغراق اللجنة بمزيد من التفاصيل لإغراق الجميع في جولة جديدة من التعطيل، خصوصاً أن الجدل لم يحسم حتى اليوم حول ما إذا كانت مهمة اللجنة هي كتابة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي. وما يعزز المخاوف أكثر، أن النظام يروج اليوم عبر وسائله الإعلامية أن "قطار الحل السياسي تم وضعه على السكة"، وأن اللجنة هدفها تعديل الدستور حصراً، وهو ما يتعارض مع أهداف الثورة بعد تسعة أعوام من المأساة، فقد خلالها السوريون مليون إنسان، فيما لا يزال نحو نصف هذا العدد مجهول المصير في المعتقلات، وتشرد نحو عشرة ملايين شخص من بيوتهم ومنازلهم، وبالتالي رأوا فيها مساواة بين الضحية والجلاد، ونسفاً لما مضى بتصفير العدادات للجلوس حول طاولة اللجنة، التي سيحاول النظام التحكم بها على طريقته. 

وفي أوضح تعبير عن حجم الغضب الشعبي من اللجنة، عمت التظاهرات، يوم الجمعة الماضي، العديد من المدن والبلدات السورية رفضاً للجنة، ولا سيما في محافظة إدلب التي تشهد في هذه الأيام هدوءاً نسبياً بعد نحو ثمانية أشهر من التصعيد العسكري من قبل النظام والروس، الذين عمدوا إلى رفع منسوب التصعيد لتحصيل مكاسب تفاوضية، لا سيما ما يخص ملف اللجنة الدستورية من خلال مسار أستانة أو لقاءاتهم مع الأتراك الضامنين للمعارضة ضمن المسار. كما وقع العديد من المثقفين السوريين بياناً رافضاً للجنة الدستورية، واعتبروها "خطوة مرفوضة من أساسها، لأنها فكرة روسية هدفها شرعنة النظام، وتبرئته من المجازر والجرائم التي ارتكبها على مرأى ومسمع من العالم، وتصوير ما حدث بأنه مجرد خلاف سياسي يُحل بوضع دستور جديد يمثل النظام والمعارضة". وقالوا: "ليس المهم بالنسبة لنا ما سينتج من هذا الدستور، ولا التفاصيل القانونية أو غير القانونية التي يُصاغ من خلالها، لأن الجريمة الأساسية هي الاعتراف بأهلية النظام لوضع دستور جديد للبلاد". وفي الإطار ذاته، وقع 219 مثقفاً وناشطاً من مدينة حمص، من بينهم مفكرون وكتّاب وسياسيون، عريضة ترفض فكرة اللجنة جملة وتفصيلاً، واعتبروها خطوة "غير شرعية ومخالفة للأصول القانونية". وأكدت العريضة "أن لجنة تأسيسية متخصصة من رجالات القانون، ومنتخبة من الشعب، هي التي تحقّ لها كتابة مسودة دستور جديد"، وأن سورية "تحتاج انتقالاً سياسياً لا دستور انتداب".

ومن بين الموقعين على العريضة الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري برهان غليون الذي أبدى رأيه في اللجنة من خلال مقالته في "العربي الجديد"، حين أشار إلى أنه "من الواضح أن الهدف من هذه اللجنة لم يكن صياغة دستور يعيد توحيد السوريين المتنازعين، ولا إعادة بناء سورية، التي لا تزال تمزّقها الحرب، الداخلية والخارجية، وإنما التغطية على غياب الدستور، بالتوافق مع الهدف الأول لرعاة إنشائها، وهو إعادة تأهيل النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي المنشود". ورأى أنه "من الطبيعي في هذه الحالة ألا تحتاج صياغة الدستور (الجديد) والعاملين به للأهلية القانونية والسياسية ولا للتمثيلية من أي نوع. المطلوب هو لجنة شكلية توحي بانتهاء حقبة الحرب والدخول في حقبة السلام، الذي يحتاج الروس، القائمون على الأمر السوري، إلى تأكيدهما من أجل تكريس المكاسب، والحصول، إذا أمكن، على إجازة إعادة الإعمار من الدول الممولة، ومن وراء ذلك شرعنة النظام الجديد الذي أنتجته الحرب".

ولا يتوقع خبراء قانونيون أن تحرز اللجنة تقدماً في أعمالها، التي من المتوقع أن تنطلق نهاية الشهر الحالي، كون النسبة المطلوبة لاعتماد أي قرار أو بند أو مادة هي 75 في المائة، أي تتطلب تصويت 113 عضواً في حال انعقاد الهيئة الموسعة، و34 صوتاً في حال كانت الجلسة مخصصة للهيئة المصغرة للجنة، ما يعتبر أمراً شبه مستحيل مع اختلاف الرؤى والتيارات والتوجهات، ليس داخل اللجنة وحسب وإنما داخل القائمة الواحدة من القوائم الثلاث.


الدخول في تفاصيل أسماء أعضاء اللجنة، خصوصاً بعد أن أعلن رئيس "هيئة التفاوض" نصر الحريري، في مؤتمر صحافي، الإثنين الماضي، اللائحة النهائية لأسماء المعارضة الخمسين لقائمة اللجنة الدستورية، وتخللها تعديلات طفيفة بالمقارنة مع اللوائح التي كانت تسرب، وعقب نشر أسماء لقائمة "المجتمع المدني" التي اختارتها الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سورية، يتيح تسجيل العديد من الملاحظات.

وبجردة على لائحة المعارضة، يظهر أن الأسماء اختيرت بناءً على محاصصة بين التيارات داخل الهيئة العليا للتفاوض، كل حسب تمثيله في "الهيئة"، التي تضم ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق وفصائل ومستقلين وأكراداً، بالإضافة إلى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة". فجاءت حصة منصة القاهرة داخل اللائحة أربعة أسماء، ومثلها لمنصة موسكو، وخمسة أسماء لهيئة التنسيق، واسمين للأكراد، أحدهما من الائتلاف والآخر من "المجلس الوطني الكردي". أما ما تبقى من المقاعد الـ35، فقد وزعت بين الائتلاف والمستقلين والفصائل. وعن تلك المحاصصة، أشار يحيى العريضي، المتحدث باسم "الهيئة"، أحد أعضاء لائحة المعارضة للجنة الدستورية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كل أعضاء اللجنة يشكلون الصوت الأساس في كل أمر، والاتفاق أن تكون أصوات الخمسين للمعارضة كتلة واحدة، بغض النظر عن المكونات. كل هذه التفصيلات لا تعني شيئاً أمام اتفاق الهيئة، بكامل أعضائها، على أن تكون كتلة واحدة، لسورية واحدة وحرة ومستقلة".
وعن نظرة "الهيئة" لهذه القائمة وما إذا حققت محاصصة عادلة بين أصحاب المواقف، سواء المؤيدة أو المعارضة أو المستقلين، قال العريضي، لـ"العربي الجديد": "نحن وضعنا المعيار الأساسي بالنسبة لهذه الخطوة المحدودة، والتي نعتبرها بوابة باتجاه حل سياسي، أن تكون سورية حرة ديمقراطية خالية من الاستبداد، تقود جهودها إلى انتقال سياسي. فإن كان أي شخص من قائمة المجتمع المدني يضع سورية الحرة فوق أي اعتبار فهو مريح، ليس لنا، لكن باتجاه ضميره". وأعرب عن اعتقاده بأن "النظام يعتبر قائمتي المعارضة والمجتمع المدني، باستثناءات بسيطة، مشاريع أعداء إن لم ينفذوا تعاليمه حرفياً. أما قائمته فإن أعضاءها محط شكوك حتى يطبقوا ما يمليه عليهم. من هنا نتمنى أن يضع الجميع سورية فوق أي اعتبار".

قائمة المجتمع المدني، التي اختارتها الأمم المتحدة وأخّر الاعتراض على جزء من أسمائها الإعلان النهائي عن تشكيل اللجنة لأكثر من عام ونصف العام، في ما عُرف بعقدة الأسماء الستة، وبعدها الخلاف على "اسم أو اسمين"، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وأكد في ما بعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاوز الخلاف على هذا الأمر خلال القمة الثلاثية بين زعماء تركيا وروسيا وإيران في أنقرة، لا يزال يُنظر إليها بعين الريبة من قبل شريحة كبيرة من السوريين الذين يقفون إلى جانب المعارضة. وتضم القائمة العديد من الأسماء التي تنطق برواية النظام للأحداث، وتتبنى وجهات نظره للحل. وهذه الشريحة داخل القائمة لا يمكن تصنيفها إلا ضمن دائرة الموالين، وإن ادعت الاستقلالية أو الحياد، وفي مقدمتهم المستشار القانوني للقصر الجمهوري عبود السرّاج والقانوني عصام التكروري. كما تقف شريحة أخرى على يمين النظام ومواقفه، إذ تتبنى رؤية تقوم على حل سياسي وخلق جو ديمقراطي في البلاد "تحت سقف الوطن"، أي بإشراف النظام وتحت رعايته دون إحداث تغيير جذري، مع عدم التطرق أو المساس بالمؤسسة العسكرية التي يقودها النظام أساساً بقبضة أمنية طائفية. ورأس الحربة لهذه الشريحة داخل قائمة المجتمع المدني هي الناشطة ميس كريدي، المقربة من موسكو وعضو ما يسمى بـ"الجبهة السورية الديمقراطية"، و"منصة حميميم" التي شكلتها روسيا قبل دعوتها إلى مؤتمر سوتشي بداية العام الماضي.

ولا شك أن هناك أسماء داخل قائمة المجتمع المدني، لا تقف من حيث المبدأ مع النظام، بل على العكس، تبدي ميلاً للمعارضة، لكنها لا تتبنى وجهة نظر المعارضة للتغيير من حيث شكل الدولة وهيكلية الحكم المستقبلية. ومن هذه الشريحة مدير "المركز السوري لحرية التعبير" مازن درويش. وفي هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" من مصادرها داخل هذه القائمة، أن عدداً من الأعضاء، الذين تسربت أسماؤهم عن الأمم المتحدة وباتوا بحكم المثبتين على لائحتها، ويبدون وجهات نظر معارضة مختلفة الاتجاهات والآراء، ينوون عقد اجتماع بعد أيام بهدف تنسيق أولوياتهم، والربط بين مواقفهم، قبل استدعائهم رسمياً وذهابهم إلى جنيف لحضور الجلسة الأولى من أعمال اللجنة. وأشارت المصادر إلى أن عدد هذه الكتلة يراوح بين 10 و15 عضواً كحد أقصى، ما يعني أن الأسماء الـ35 المكملين لنصاب القائمة الـ50، إن لم يكونوا من الموالين للنظام أو المتبنين لمواقفه، فهم حكماً لا يقيمون وزناً لبرنامج وتطلعات المعارضة.