ساحل العاج: أكثر من تمرد وأقل من انقلاب

10 يناير 2017
خلال يومين انتشرت حركة التمرد بغالبية الثكنات(سيا كامبو/فرانس برس)
+ الخط -
حبست ساحل العاج أنفاسها طيلة نهاية الأسبوع الماضي خشية من حركة التمرد العسكري التي اندلعت في بواكي ثاني أهم مدينة في البلاد وامتدت بسرعة إلى مناطق أخرى حيث خرج الجنود من ثكناتهم وانتشروا مطلقين النار بالأسلحة الخفيفة والثقيلة في الشوارع، ما أثار أجواء من الهلع والرعب في أوساط السكان امتدت حتى إلى أبيدجان، العاصمة الاقتصادية للبلاد التي تؤوي مقرات الرئاسة والحكومة والبرلمان. وخلال يومين انتشرت حركة التمرد في غالبية الثكنات العسكرية في البلاد وتمخض عنها نفس السيناريو: جنود يخرجون من الثكنات مطلقين الرصاص في الهواء وإغلاق لمنافذ الطرق الرئيسية وشل لحركة النقل، لكن من دون حصول معارك أو إراقة دماء.

وتطرح هذه التطورات الأمنية حالة من عدم اليقين بشأن الاستقرار السياسي في ساحل العاج، لا سيما بعد تقديم رئيس الوزراء، دانيال كابلان دنكان، استقالته أمس الاثنين، وحل الحكومة. صحيح أن خطوة دنكان كانت متوقعة بعد التصديق على دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية في الشهر الماضي، لكن عملية تشكيل حكومة جديدة ستكون محكومة بالتحديات التي يفرضها التمرد العسكري، والتي ستلقي بثقلها على خيارات رئيس ساحل العاج، الحسن واتارا، في هذا الصدد.

وفي أبيدجان سمع إطلاق نار صباح يوم السبت، في محيط أكويدو، أكبر قاعدة عسكرية في العاصمة. وأُغلقت المنافذ المؤدية للثكنات العسكرية. وساد التوتر مختلف مدن البلاد وتم إلغاء مباريات الدوري الوطني لكرة القدم وكل التجمعات العامة. وكان المؤشر الأكثر رمزية وإثارة للخوف هو انتشار عشرات الجنود المدججين بالأسلحة التابعين للحرس الرئاسي في محيط مقر الإذاعة والتلفزيون، الذي عادة ما يكون الهدف الرئيسي للمحاولات الانقلابية العديدة، الناجحة منها والفاشلة، التي شهدتها ساحل العاج منذ عام 1999.

وعاد الهدوء إلى بواكيه بعد "اتفاق" مع الجنود، يوم السبت، إثر لقاء بين وزير الدفاع آلان-ريشار دونواهي، الذي أرسله الرئيس واتارا على عجل إلى بواكيه، وممثلين عن المتمردين الذين كانوا يطالبون بدفع العلاوات والزيادات على الرواتب وبالإسراع في الترقيات وتوفير السكن لعائلاتهم. وكادت الأمور تتجه نحو الأسوأ حين منع جنود غير مقتنعين ببنود الاتفاق، الوزير والوفد الذي كان يرافقه من مغادرة مقر إقامة نائب محافظ بواكيه، من خلال إطلاق رشقات نارية. وقد احتجزوه لمدة ساعتين قبل أن يفرجوا عنه ويعود إلى أبيدجان.


وكان واتارا أعلن عن "اتفاق" مع الجنود المتمردين في تصريح قصير بثه التلفزيون، السبت الماضي. وقال "أؤكد موافقتي على أخذ المطالب المتعلقة بالعلاوات وتحسين ظروف معيشة الجنود في الاعتبار". وأضاف "بعد تسجيل موافقتي، أطلب من الجنود كافة الالتحاق بثكناتهم للتمكن من تنفيذ هذه القرارات بهدوء". ولم يقدم رئيس ساحل العاج أي تفصيل حول بنود الاتفاق وحجم التعويضات المالية ولا تاريخ تنفيذه، وهو ما لم يرق للمتمردين الذين احتجزوا وزير الدفاع في بواكيه. وكان من اللافت أن الرئيس واتارا غادر أبيدجان صباح السبت، في عز حركة التمرد متوجهاً إلى غانا لحضور مراسم تنصيب الرئيس، أنا آكوفو-آدو. وعاد أدراجه بعد الظهر والبلاد لا تزال تعيش في حالة من الارتباك الشامل قبل أن يعلن في المساء من خلال التلفزيون عن التوصل إلى اتفاق مع المتمردين.

وأثارت حركة التمرد الخشية من تكرار سيناريو التمرد العسكري الذي شهدته ساحل العاج في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وقاده آلاف الجنود غالبيتهم من المتمردين السابقين الذين التحقوا بالجيش خلال حرب 2011 ودافعوا عن واتارا. وطالبوا بتحسين ظروفهم المادية والمعيشية وتنفيذ الوعود التي مُنحت لهم مقابل الالتحاق بالجيش. والظاهر أن الدولة تأخرت في تحقيق هذه الوعود، ما أشعل شرارة التمرد مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي.

وستكون الأيام المقبلة حاسمة. وعلى الرئاسة والحكومة أن توفر بسرعة الأموال اللازمة لتنفيذ مطالب الجنود المتمردين. وليس من المستبعد أن تؤثر حركة التمرد أيضاً على الأجندة السياسية المهمة هذا الأسبوع. فبعد استقالة دنكان، من المنتظر أن يتم الإعلان عن اسم رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة جديدة تتمخض عن الغالبية البرلمانية بعد نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي أسفرت عن فوز الائتلاف الحزبي المساند للرئيس واتارا بغالبية 167 مقعداً من بين 255. لكن الانتخابات أظهرت تقدماً لافتاً للمستقلين الذين فازوا بـ76 مقعداً. وحسب التوقعات فإن رئيس الوزراء المنتهية ولايته والمستقيل، دانكان، قد يعاد تكليفه للبقاء في هذا المنصب.

ومن المنتظر أن يتم خلال الأسبوع الجاري، تعيين رئيس جديد للبرلمان الذي كان يشغله حتى الآن، غيوم سورو، الذي كان يقود المليشيات الموالية لواتارا في حرب 2011 ضد الرئيس السابق، لوران غباغبو، الذي رفض التنحي عن الحكم بعد فوز واتارا في الانتخابات الرئاسية. وينافس سورو على هذا المنصب باسكال آفي-نغيسان، أحد قادة الغالبية الفائزة والمقرب من الرئيس واتارا.

وسيشهد هذا الأسبوع أيضاً تعيين شخصية في منصب نائب الرئيس وهو المنصب الذي تم استحداثه أخيراً بعد تعديل دستوري تم التصويت عليه العام الماضي بهدف خلق التوازن في السلطة التنفيذية. وسيكون نائب الرئيس ثاني أهم شخصية سياسية في هرم السلطة ويمكنه شغل منصب الرئيس في حال عجز الأخير عن أداء مهامه لسبب أو لآخر.
دلالات