"إعلان عدن" أمام امتحان حضرموت وتعدد الفصائل الجنوبية

10 مايو 2017
تريد حضرموت الاحتفاظ بخصوصيتها (فرانس برس)
+ الخط -
منذ صدور ما يسمى بـ"إعلان عدن التاريخي" الأسبوع الماضي، الذي فوّض محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، بإعلان كيان سياسي موحد، عاد السؤال القديم الجديد إلى الواجهة مرة أخرى: هل يتجاوز الحراك الجنوبي معضلة تعدد المكونات والقيادات ويحقق اختراقاً في ملف إعلان "القيادة الموحدة"؟

وكان إعلان عدن نصّ على تفويض الزبيدي بـ"إعلان قيادة سياسية وطنية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب". على أن تتولى هذه القيادة تمثيل الجنوب وتحقيق تطلعاته. وخوّل الإعلان الزبيدي بكامل الصلاحيات لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتنفيذ بنود الإعلان. وعلى الرغم من أن الزبيدي قد بدأ مشاورات مع قيادات جنوبية في عدن الأحد الماضي، للتحضير لإعلان "الكيان السياسي"، إلا أن مراقبين اعتبروا أن "مهمته محفوفة بعقبات كثيرة في مقدمتها تعدد المكونات التي يقدر عددها بالمئات، وارتباط كثير منها بأجندة إقليمية، فضلاً عن امتحان إقناع حضرموت التي حددت مطالبها ومصيرها في مؤتمر حضرموت الجامع، الذي انعقد أواخر شهر إبريل / نيسان الماضي".

لكن زيارة محافظ حضرموت اللواء أحمد بن بريك إلى أبوظبي الإماراتية مساء الاثنين، وسط تكتم إعلامي، أتت في سياق توحيد المواقف جنوباً تجاه إعلان عدن وإظهار حضرموت كمؤيدة له. ورفض مراقبون استبعاد أن يكون الهدف استخدام الإعلان كورقة للضغط على الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، رداً على إقالة الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك المحسوبين على الإمارات.

في هذا السياق، أعلنت فروع مجلس الحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب في لحج وأبين وشبوة وحضرموت، رفضها لإعلان عدن، مؤكدة في بيان لها معارضتها لما وصفته بـ" التنصيب المزيف" كما رفضت إعلان أي مكونات أو كيانات سياسية أو غيرها لا تلبي تطلعات الجميع. وذكرت أنه "لم نعلم بأي تحضيرات سابقة لمزعوم المكون ولم يتم إبلاغنا أو التشاور معنا بخصوصه، ولا نعرف الهدف الذي يقوم عليه ولأجله". أما القيادي في الحراك فادي باعوم، نجل الزعيم الجنوبي حسن باعوم، فقال إن "ما يسمى بإعلان عدن التاريخي لم يكن ملبياً لتطلعّات شعب الجنوب وقضيته، وأثبت أن الصراع صراع مناصب لا صلة له بقضية الجنوب". ولفت باعوم وهو رئيس الحركة الطلابية والشبابية لتحرير الجنوب في منشور على صفحته في "فيسبوك" إلى أن "إعلان عدن حمل الكثير من المغالطات والمتناقضات".

وعلى الرغم من أن الأصوات المعارضة داخل الحراك لا تزال محدودة إلا أن صمت شخصيات جنوبية بارزة أمثال مستشار الرئيس حيدر أبو بكر العطاس، والرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد تجاه إعلان عدن، رجح أن إعلان هذا الكيان سيمر بمخاض عسير في ظل حسابات داخلية وخارجية معقدة.



من جهة أخرى، استبعد سياسيون أن ترضخ حضرموت مرة أخرى للتبعية "الجنوبية" بعد تجربة عام 1967، حين تم إخضاعها لدولة الجنوب، بعد رحيل المستعمر البريطاني آنذاك. وأساس هذا الاستبعاد هو إعلان حضرموت مطالبها ورغبتها في استقلال قرارها في بيان "مؤتمر حضرموت الجامع" المنعقد في إبريل/ نيسان الماضي.

وتحاشياً لأي معارضة تبرز من جهة حضرموت كبرى محافظات الجمهورية والغنية بالنفط تجاه إعلان عدن، أشاد الإعلان بمؤتمر حضرموت الجامع، واعتبره جزءاً أصيلاً من الحركة الجنوبية، رغم أن البيان الختامي للمؤتمر نص على أن "تكون حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة، ومتمتعة بحقوقها السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، بعيداً عن مختلف صنوف التبعية والانتقاص والإلحاق".

وفي حين لم تتحدد مواقف واضحة بشأن إعلان عدن التاريخي من قبل المكونات السياسية بحضرموت، إلا أنه يمكن رصد ما يمكن وصفه بـ"التوجس" من جر حضرموت مرة أخرى إلى مربع الجنوب بعد تجربة عام 1967. وهو بدا واضحاً من خلال أطروحات بعض السياسيين والناشطين بشأن إعلان عدن. وأمام معضلة تعدد المكونات وامتحان حضرموت يترقب الشارع الجنوبي إلى أي حد ستنجح محاولات الزبيدي في إعلان الكيان السياسي بعد تجارب عدة سابقة فشلت في توحيد الصف الجنوبي.



في هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي فؤاد مسعد، أن "تظاهرة عدن ورغم ما أعلن فيها من تفويض للزبيدي فقد برزت بيانات عن مكونات تابعة للحراك ترفض هذا التفويض. ما يعني أن تفويض الزبيدي لن يحل مشكلة تعدد الكيانات والقيادات في صفوف الحراك الجنوبي".

وأضاف مسعد في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لوحظ في السنوات السابقة أن قواعد الحراك الجنوبي كانت تعلن التفافها حول أحد زعماء الحراك، لكن ذلك لم يسفر عنه شيء ولم يؤدِ إلى توحيد هذه المكونات رغم وحدة الهدف".

ولفت إلى أن "الزبيدي حالياً يمتلك عوامل قوة أبرزها قيادته للمقاومة الجنوبية التي تصدت بقوة لمشروع الانقلاب الحوثي في الضالع، إضافة إلى استفادته من منصبه السابق كمحافظ لعدن في توسع دائرة علاقاته وتكوين شبكة محيطة به من القيادات والنشطاء، جعلت منه زعيما أكثر شهرة من غيره وهو ما تجلى في ردة الفعل على قرار إقالته".

ووفقاً لهذه المعطيات توقع مسعد أن "يتمكن الزبيدي من إعلان تشكيل الكيان السياسي استنادا إلى شعبية واسعة لكن مدى نجاحه في تمثيل كافة مكونات الحراك وفئاته، يتوقف على ما ستقوله المكونات نفسها وكيف سيكون تعاملها مع الكيان الجديد".

وعن موقف حضرموت من إعلان عدن والكيان السياسي المزمع رأى أن "حضرموت شقت طريقها منفردة حتى عن أقرب جيرانها في شبوة والمهرة، وهذا بدا واضحاً في مؤتمر حضرموت الجامع حين قالت كلمتها استناداً إلى خصوصيات جغرافية وتاريخية واقتصادية وثقافية".



وأكد مسعد أن "كل ما يستطيع الحراك الجنوبي أن يحصل عليه من حضرموت هو مشاركة رمزية من بعض قيادات الحراك بالمحافظة أو بيانات مقتضبة، لن يكون بمقدورها أن تنال من خصوصية حضرموت وإرادة أبنائها في السير إلى المستقبل الذي رسموه بعيداً عن بقية الأطراف اليمنية في جنوب البلاد وشمالها".

بدوره اعتبر الناشط السياسي سعيد النهدي، أن "حضرموت قد قالت كلمتها من خلال مخرجات المؤتمر الحضرمي الجامع، لكن يبقى تنفيذ هذه المخرجات من خلال فريق مفاوض يعرف ويؤمن بمطالبه". وأشار النهدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "مخرجات المؤتمر الحضرمي الجامع لم تحدد صراحة شكل الدولة مستقبلاً، وهو ما يعطيها مرونة في التعامل مع المتغيرات السياسية المقبلة في ما من شأنه خدمة حضرموت"، مضيفاً أنه "الآن هناك كيان جنوبي سيعلن لكن وبحكم معرفة حضرموت بتاريخ الجنوب قديماً وحديثاً قد يجعل حضرموت تحدد مصلحتها بعيداً عن التجاذبات السياسية، لأن حضرموت لن تنتظر حتى تفرض عليها أجندة من خارجها".

أما المحلل السياسي جمال بن غانم، فرأى في إعلان عدن "تطورا نوعيا في مسار القضية الجنوبية بشكل، عام إذ خلا ولأول مرة من الجمل الثورية الحماسية التي اعتاد عليها الشعب في الجنوب، وأتى كورقة سياسية أخذت كل المتغيرات على الساحة اليمنية والإقليمية بعين الاعتبار".

وأضاف بن غانم في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الزبيدي أمام مهمة صعبة في إعلان كيان سياسي موحد ولكن أعتقد أنه سينجح بشلك كبير في إخراج القضية الجنوبية من نفق فوضى القيادات والمكونات". وأوضح أن "القضية الجنوبية تحظى الآن بدعم إقليمي ودولي وإن اختلفت وجهات النظر حول حل هذه القضية سواء في إطار اليمن الاتحادي أو الانفصال المباشر".

وأشار بن غانم إلى أن "الزبيدي سيستفيد في مهمته هذه من العلاقات الخارجية المناصرة لقضيته التي كان يحملها أثناء منصبه السابق كمحافظ لعدن". واعتبر أن "إعلان عدن لا يتناقض مع مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع، فحضرموت قالت كلمتها في أنها لن تقبل إلا بإقليم حضرمي بالحدود الحالية لمحافظة حضرموت تاركه المجال للمحافظات الأخرى أن تقول كلمتها أيضاً وهذا من أهم بنود وثيقة مخرجات مؤتمر حضرموت". ولفت إلى أن "تأكيد إعلان عدن على إقامة دولة جنوبية ديمقراطية فدرالية، هو إشارة واضحة ربما تكون موجهة بشكل أساسي لحضرموت بأنها ستكون إقليما مستقلا في إطار الدولة الجنوبية إذا ما قامت". وأضاف أن "مباركة إعلان عدن لمخرجات مؤتمر حضرموت تعد رسالة أخرى مفادها أن الإخوة في الجنوب لا يعارضون ما جاء في الوثيقة الحضرمية. وهذا تطور في مسار العمل السياسي الجنوبي فالكل أدرك أن وقت الاحتواء والضم ولى ولن يعود".


المساهمون