مؤتمر "النهضة": هل تنتقل إلى مرحلة ما بعد الغنوشي؟

11 فبراير 2020
تم نظرياً حسم مغادرة الغنوشي منصبه (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
يفترض أن تعقد حركة "النهضة" التونسية مؤتمرها الحادي عشر خلال شهرين، أو بعد شهر رمضان (إبريل/ نيسان المقبل) مباشرة. هذا القرار اتخذ منذ المؤتمر العاشر، وأكده رئيس الحركة راشد الغنوشي أخيراً، عندما أعلن أن اللجنة التحضيرية قد شرعت في أعمالها. لكن مهما كان تاريخ هذا المؤتمر، فإن أفراد الحركة وأنصارها يشعرون بأنه سيكون حدثاً مغايراً لجميع المؤتمرات السابقة، بحكم كونه سيتعرض للأزمة الداخلية الحادة التي تمر بها "النهضة" منذ فترة طويلة.

وعلى الرغم من أنه قد تم نظرياً حسم مغادرة الغنوشي منصبه، بسبب قرب نهاية الآجال القانونية لترؤسه الحركة، فإن البعض لا يزال يبحث عن صيغة ما يتم من خلالها الالتفاف حول قرار مُلزم في حركة احترمت نسبياً قوانينها الداخلية لفترة طويلة. وليس مستبعداً أن يتم تأخير تحديد تاريخ عقد المؤتمر، بانتظار التوصل إلى صيغة توافقية من شأنها التحكم في الخلافات الداخلية. وهناك من يرى أن المعارضة القائمة حالياً ضد الغنوشي، والفريق الملتف حوله، لا تستند إلى رؤى وبدائل فكرية وسياسية مغايرة جوهرياً لما تتبناه "النهضة" الآن. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن ما يحدث حالياً يتمحور حول صراع مواقع وبحث عن كيفية إدارة السلطة داخل حركة "النهضة". وهذا يعني أنه في حال عدم التوصل إلى حسم هذا الأمر بصيغة توافقية، تأخذ بالاعتبار مصالح الأطراف المتناقضة، فإن الأزمة يمكن أن تفضي  إلى حصول انقسام.

لا تزال أمام النهضويين فرصة لحماية حركتهم من التصدع والانهيار، رغم أن حجم المخاطر يكبر يوماً بعد يوم. فالاستقالات التي حصلت لأسباب مختلفة، أخيراً، وشملت الأمين العام السابق زياد لعذاري، إلى جانب قيادات شبابية هامة ونوعية، من شأنها أن تُشعر النهضويين بأن ما هو قادم قد يكون أشد وطأة عليهم. وهناك محاولات متواصلة من أجل احتواء الأزمة، والدفع بالأجواء داخل الحركة نحو ديناميكية جديدة قادرة على تحويل المسارات وتعديل الأولويات الداخلية.

هناك اعتراض شكلي يقدمه أنصار الغنوشي، يتمثل في عدم وجود موانع قانونية أو سياسية قد تحول دون الجمع بين رئاستي الحركة والبرلمان. ويستشهدون بأحزاب في تونس وخارجها لم يطلب من رؤسائها الفصل بين الحزب والبرلمان. في المقابل، يقول معارضو الغنوشي إن الجمع بين الرئاستين من شأنه أن يؤثر سلباً على أداء الغنوشي، خصوصاً بالنسبة للحركة التي تشكو من تعثر ملحوظ في مواجهة تحديات عديدة. 

هناك ثلاث قضايا يمكن أن تتضافر في ما بينها لكي تحول دون انقسام الحركة الآن، وتوفر لها فرصة جديدة لتوحيد صفوفها. أولاً، هناك شعور سائد في صفوف قواعد "النهضة" بوجود خطر يواجهها، وأن الحركة مهددة في وجودها بسبب ما تبذله أوساط عديدة من أجل عزلها وتهميشها. وتضاعف هذا الشعور بعد فشل "النهضة" بتمرير حكومة حبيب الجملي. وتعتبر هذه فرصة لدعوة أعضاء الحركة وأنصارها إلى اليقظة وتوحيد الصفوف والظهور أمام الخصوم في مظهر الوحدة والتضامن. ولا يستبعد في هذا السياق أن تقترح حركة "النهضة" وجهاً بارزاً من المعارضين للغنوشي لكي يتولى وزارة ما، وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد، ويصبح الجميع في وضع حرج داخل الحركة وخارجها.

ثانياً، من مصلحة كل طرف أن يتجنب الظهور أمام القواعد بصورة المستخف بوحدة الحركة، خصوصاً أن الخلاف القائم ليس استراتيجياً وفق ما يُردده أنصار الغنوشي. وفي حال الإصرار على عدم تجديد الثقة به مرة أخرى، خلال المؤتمر المقبل، فإن الحركة قد تنتقل إلى خطة بديلة، تتمثل في البحث عن شخصية تكون منسجمة مع الخط السياسي للغنوشي، الذي سيبقى حينها المُحرك الأساسي للخيوط داخل الحركة في انتظار انتهاء الموانع التنظيمية والسياسية، والسماح له بالعودة إلى منصب القيادة. ثالثاً، يجب على قادة "النهضة" التعاطي مع موضوع تعديل الأولويات بشكل جدي، حتى لا يتهمهم التونسيون بالتقصير وتهديد المصالح الحيوية للشعب. ويفرض ذلك تغيير اتجاه البوصلة، إذ بدل أن يتعلق الأمر بحسم المعركة الداخلية بين جناحي الحركة، تصبح الأولوية التركيز على منع فشل الانتقال الديمقراطي بقطع النظر عمن يتولى قيادة "النهضة".

المساهمون