تستمر المباحثات في نيويورك بشأن مسودة مشروع قرار ليبيا، ومعها العقبات أمام عرضه للتصويت أمام مجلس الأمن الدولي.
وفي آخر التطورات طلب الجانب الروسي عقد اجتماع مغلق لمجلس الأمن، ليل الخميس، لم ترشح عنه حتى اللحظة أي معلومات.
وجاء الاجتماع بعدما كان الجانب الروسي، في وقت سابق من اليوم، قد كسر "فترة الصمت" التي وضعها الجانب البريطاني على نص مسودة مشروع القرار لعرضها للتصويت الخميس أو الجمعة أمام المجلس.
وهذه إجراءات متبعة في مجلس الأمن في العادة، إذ بعد المشاورات توزع الدولة التي صاغت مشروع القرار، بريطانيا في هذه الحالة، وهي كذلك حاملة قلم الملف الليبي في مجلس الأمن، المسودة على الدول الأعضاء في المجلس، وتضعها "تحت الصمت" لأربع وعشرين ساعة، وإن لم تعترض أي من الدول في المجلس على المسودة وتكسر الصمت، يمكن بعدها اتخاذ الإجراءات اللازمة لعرضها للتصويت بعد انتهاء الفترة.
وجاء الطلب الروسي بحجة مباحثات إضافية، غير أن روسيا لم تكن وحدها التي طلبت تعديلات على صيغة المسودة الأخيرة، بل إن دولا أخرى فعلت ذلك، بما فيها جنوب أفريقيا، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن.
وكانت هذه المسودة الثانية التي توزع على الدول الأعضاء بعد مشاورات مستمرة منذ قرابة الثلاثة أسابيع، أي بعد عقد مؤتمر برلين في الـ19 من الشهر الماضي.
واطلعت مراسلة "العربي الجديد" في نيويورك على النسختين المسربتين من المسودتين.
وكان "العربي الجديد" قد نشر الأسبوع الماضي مقالاً يشير إلى عقبات تواجه الدول الأعضاء في التفاوض على مسودة المشروع الليبي، وإلى الخلافات المتعلقة بقضية المقاتلين الأجانب، وهي نقطة الخلاف المركزية على مسودة المشروع الأخيرة.
ولا ذكر في النسخة الأولى التي وزعتها بريطانيا في الـ24 من شهر يناير/ كانون الثاني لأي من المقاتلين الأجانب أو المرتزقة، وهذه ربما نقطة الخلاف الأهم والفرق بين النسختين المعدلة والأولى، إن لم تكن الوحيدة.
وهناك أكثر من عشرين تعديلاً في النسخة المعدلة، أغلبها تعديلات بيروقراطية وأخرى جوهرية. ومن أبرز التعديلات الجوهرية إدخال فقرة تشير إلى المقاتلين المرتزقة في ليبيا وتطلب انسحابهم.
يذكر أنه، وبحسب تقارير إعلامية وأخرى للأمم المتحدة، فإن مقاتلين مرتزقة روسا، من شركات خاصة، ومقاتلين مرتزقة تشاديين وسودانيين، بتمويل إماراتي ودول أخرى، يتواجدون في ليبيا، ناهيك عن عناصر من تنظيم "داعش" ومقاتلين أجانب، إضافة إلى استمرار توريد السلاح لكل الأطراف من عدد من الدول.
وأشارت بعض المصادر الدبلوماسية إلى أن روسيا تفضل استخدام مصطلح "مقاتلين أجانب"، والذي ارتبط في السنوات الأخيرة بتنظيم "داعش"، إلا أن مصدرا آخر قال إن الروس طلبوا عدم التطرق للموضوع بتاتا.
ونصت مسودة المشروع الأولى، في فقرتها المتعلقة بالالتزام بقرارات مجلس الأمن وحظر الأسلحة، على أن مجلس الأمن "يطالب جميع الدول الأعضاء بالامتثال التام لحظر الأسلحة المفروض بموجب القرار 1970 (2011) بصيغته المعدلة وبموجب القرارات اللاحقة، ويدعو جميع الدول الأعضاء مرة أخرى إلى عدم التدخل في النزاع، أو اتخاذ تدابير تؤدي إلى تفاقم الصراع".
أما التعديل على الفقرة نفسها بصيغته التي يرفضها الجانب الروسي فينص على أن مجلس الأمن "يشير إلى الالتزامات التي تم التعهد بها في برلين، والامتثال لحظر الأسلحة، ويطالب بالالتزام التام من قبل جميع الدول الأعضاء، بحظر الأسلحة المفروض بموجب القرار 1970 (2011) وصيغته المعدلة بموجب القرارات اللاحقة، بما في ذلك وقف جميع أشكال الدعم، وسحب جميع الأفراد المرتزقة المسلحين، ويطالب جميع الدول الأعضاء بعدم التدخل في النزاع أو اتخاذ تدابير تزيد من حدة النزاع".
بحسب مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى، فإن عددا من التعديلات جاء من الطرف الأميركي.
وكانت السفيرة الأميركية بمجلس الأمن كيلي كرافت قد نفت، الأسبوع الماضي، وجود خلافات جذرية ومعوقات لطرح القرار للتصويت عندما سئلت عن تلك التسريبات من قبل مراسلة "العربي الجديد" في الأمم المتحدة في نيويورك. لكن مصدرا دبلوماسيا رفيع المستوى وصف أجواء المحادثات بأنه "مسمم" بسبب التغييرات الأميركية وبعض الدول الغربية التي لا تروق للجانب الروسي ودول أخرى أعضاء في المجلس.
من جهتها، تريد ألمانيا أن يتم طرح القرار بأسرع ما يمكن لتبني مخرجات مؤتمر برلين.
وفي جلسة مغلقة جمعت سفير روسيا فاسيلي نبنزيا، وسفير ألمانيا كريستوف هويسغين، وبقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعد إحاطة المبعوث الأممي غسان سلامة الأسبوع الماضي، أصر الجانب الألماني على رغبته بعرض المشروع للتصويت بأسرع ما يمكن، لأن برلين ترى أن ذلك يقوي شوكة مؤتمر برلين ومخارجه، ويعطي دفعة لمجهودات الأمم المتحدة، ويشكل ضغطا على الأطراف المجتمعة في اللجنة العسكرية للتوصل لآلية لوقف إطلاق النار ومراقبته.
لكن الإجابة من الجانب الروسي كانت حادة وواضحة، بحسب مصدر دبلوماسي حضر الجلسة، أن روسيا لن توافق على مشروع قرار بالتعديلات الجديدة، وخاصة قضية المرتزقة. وأضاف المصدر: "الجانب الروسي لا يريد أي قرار لم يوافق عليه (اللواء الليبي المتقاعد) خليفة حفتر"، الذي لم يوقع على مخرجات برلين حتى لو كلف الأمر "فيتو" روسيا.
وأكد المصدر ذاته أن "الكثير يتعلق بسير محادثات اللجنة العسكرية".
كما أن هناك عددا من الفقرات ذات الأهمية التي أضيفت إلى مشروع القرار، من بينها فقرة كاملة تشير إلى القرار 2441 (2018)، الذي يعرب عن القلق بشأن الأنشطة التي قد تضر بسلامة ووحدة المؤسسات المالية الحكومية الليبية والمؤسسة الوطنية للنفط، ويدين الحصار الأخير على المنشآت النفطية، ويؤكد أن "موارد النفط الليبية تعود بالنفع على جميع الليبيين"، وفي هذه الفقرة إدانة واضحة لقوات خليفة حفتر وحصاره لموانئ ومنشآت نفط ليبية منذ الثامن عشر من الشهر الماضي.
إلى ذلك، من أهم بنود المشروع، ترحيبه بمؤتمر برلين وتأكيده على تأييد مخرجاته، التي اعتمدت كوثيقة رسمية.
ويطلب مشروع القرار من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس العمل على تنفيذ المهام المسندة للأمم المتحدة في ورقة التشغيل. كما يدعو المشروع جميع الأطراف الليبية للتعاون.
ويشير إلى ضرورة التوصل لاتفاق حول الوقف المستمر لإطلاق النار، بما فيه خلق آلية لوقف إطلاق النار ومراقبته والتحقق منه، إضافة إلى تدابير بناء الثقة، والتي من المفترض أن يتم التوصل إليها ضمن مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والتي عقدت أول اجتماعاتها برعاية الأمم المتحدة في جنيف الاثنين الماضي.