وتأتي أهمية كلام بولتون أنه جاء بالتزامن مع افتتاح الكونغرس لدورته الجديدة التي يتصدرها ملف محاكمة ترامب في قضية أوكرانيا، وأيضاً مع احتدام الجدل حول مقتل سليماني.
تصريحه الأول متوقع باعتبار بولتون كان ولا يزال من دعاة الحرب مع إيران، لكن مبادرته بعرض إفادته، وفي هذه اللحظة بالذات، أثارت الاستغراب والتساؤلات؛ فالتوقيت لافت والرجل بحكم موقعه السابق في البيت الأبيض، يحمل في جعبته مادة دسمة عن هذا الملف، وربما تكون مؤذية للرئيس، لا سيما أنه سبق أن رفض المثول، قبل حوالي شهرين، أمام لجنة الاستخبارات للإدلاء بما عنده من معلومات بشأنها، استجابة لطلب الرئيس ترامب. فلماذا عاد طواعية في الوقت الراهن إلى هذا الموضوع، وهو الذي يعرف أن البيت الأبيض يُقاتل إلى جانب الجمهوريين في مجلس الشيوخ لاستبعاد أي شاهد عن جلسة المحاكمة؟
لكن مبادرة بولتون تبدو أبعد وأكثر تعقيداً، وهي، بحسب بعض القراءات، أقرب إلى فيلم بوليسي يتصل بمقتل سليماني، ففي قناعته أنّ الوضع الإيراني تخلخل حتى قبل مقتل الجنرال والفرصة الآن بعد الحادثة صارت سانحة، وبالتالي ينبغي مواصلة التصعيد العسكري إلى أقصى الحدود لإسقاط النظام. في المقابل، يرى بولتون، وفق هذه القراءة، أنه ليس وارداً أن يمضي الرئيس ترامب في هذا الاتجاه، وأنه أقدم على الضربة كوسيلة لخلط الأوراق وتحييد الضغوط عن ملف المحاكمة.
قد تبدو حياكة هذا السيناريو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، إلا إذا كانت بحوزة بولتون قنبلة كالتي فجّرها في فضيحة "ووترغيت" جون دين مساعد الرئيس ريتشارد نيكسون، والذي فضح الخفايا أثناء شهادته آنذاك أمام الكونغرس، حين كشف أن نيكسون شارك في حجب الحقيقة وأنه (أي الرئيس) يملك شريطاً يثبت ذلك، وبما أدى إلى انقلاب الجمهوريين على الرئيس وإجباره على الاستقالة، لكن الجمهوري اليوم غير الجمهوري في ذلك الوقت والقضية مختلفة.
ومع ذلك، لا يمنع هذا جون بولتون الأيديولوجي، عن السعي إلى تحقيق أهدافه المتطرفة بشتى الوسائل الممكنة، لا سيما وأنّ الساحة السياسية اليوم في واشنطن معطوبة وغارقة في التخبط والخلافات والتردد، ناهيك بحالة الفوضى المفضوحة التي وصلت اليوم إلى حدّ صدور كتاب باسم البنتاغون حول الاستجابة لطلب العراق بسحب القوات الأميركية من أراضيه، ليتبعه كتاب آخر صادر عن رئيس الأركان بالتراجع عن الأول. فمع تصاعد الأزمة مع إيران واحتدام الصراع حول ملف العزل، يبدو أنّ الخلل مرشح للتفاقم.