وتقدّم الجبهة الجديدة نفسها على أنها مجموعة أحزاب جمهورية ديمقراطية وتقدمية متمسكة بقيم الجمهورية وبالمشروع الوطني الاجتماعي، وإعادة التوازن إلى الساحة السياسية في مواجهة "القطب الرجعي".
وتداول عدد من قيادات الجبهة على إلقاء كلمات وتصريحات جاءت كلُّها لتؤكد على الفصل مع حركة النهضة وتوجيه سيل من الاتهامات لها ولخياراتها، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس، ما يجعل من هذه المواقف خيارا استراتيجيا للجبهة الجديدة، بما يعيد إلى مربع ما قبل انتخابات 2014، ويذكّر بجبهة الإنقاذ التي شكلها الباجي قائد السبسي نفسه في تلك المرحلة، واستعادة نفس الخطاب اليوم.
ولم تترك الجبهة الجديدة للقديمة شيئا، حيث استعارت منها تقريبا نفس خطواتها، حتى الاسم، مضيفة إليه مصطلح التقدم منذ أيام فقط.
ولئن كان من الطبيعي أن يكون مؤسس مشروع تونس، محسن مرزوق، حاملا لهذا الخطاب، بصفته مهندس الحملة الرئاسية للسبسي في ذلك الوقت، ويدرك أن استعادته متاحة أمام تراجع النداء عن تلك الخيارات والدخول في تحالف مع "النهضة"، بما يعني أن ذلك الإرث لا يزال متاحا، وقابلا للاستثمار من جديد، خصوصا أن أغلب مؤسسي حزبه هم من ناقدي النداء حول عدد من الملفات وأبرزها التحالف مع "النهضة".
وإن كان منطقياً إذن أن يحمل مرزوق هذا الخطاب، فإن المدهش هو ما أتاه رئيس الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، أحد أكبر الداعمين السابقين للسبسي ولزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، حيث تعالت نبرة معاداته للنهضة بشكل صريح، مؤكداً أن الجبهة "لن تتحالف مع حركة النهضة التي لم تخدم ناخبيها والمواطنين، بل خدمت مصالح سياسييها، وتستثمر في الفقر".
واعتبر الرياحي أيضا أن بعض الأحزاب التي شاركت في الحكم بعد الثورة مجرد مجموعة فاشلة من الانتهازيين وواجهة لمنظومة رجعية، معلنا أنّ الهدف الأساسي لجبهة الإنقاذ والتقدم، محاربة الإرهاب، قائلا: ''الإرهاب اليوم أصبح إرهاب دولة، والنهضة هي من تمثل الدولة منذ 2011 إلى اليوم''.
وذهب رئيس الاتحاد الوطني الحر إلى أبعد من ذلك حين أكد في تصريح إذاعي، استعداد الجبهة للتعايش مع الجميع، لأننا ضد الإقصاء، بمن فيهم السلفيون وحزب التحرير، أما بالنسبة للنهضة فطلبنا التعامل مع من لديهم خطاب واحد، وعندما يأتي اليوم الذي يكون لراشد الغنوشي خطاب واحد سنتعامل معه".
من جهته، اعتبر رضا بلحاج، القيادي بالهيئة التسييرية لنداء تونس (الشق المناهض لحافظ قائد السبسي) والمنضم إلى الجبهة، أن "حركة النهضة تهدّد الدولة الحديثة وأنها الحاكم الفعلي في تونس، لأن الدولة لم تستعد عافيتها بعد وهناك بوادر لظهور ما عايشناه من انتكاسة زمن (الترويكا) وأن المستفيد من ذلك هي حركة النهضة"، مشيراً إلى "ضرورة أن تعمل جبهة الإنقاذ والتقدّم على إنقاذ التجربة الديمقراطية" التي اعتبر أنها في خطر.
وبغض النظر عن مكونات هذه الجبهة وتجانسها ومدى استمرار ذلك، وحقيقة قوّتها الشعبية، فإن السؤال يبقى إذا ما كان استهداف النهضة يمكن أن يمثل خيارا سياسيا انتخابيا ناجعا، وإذا ما كان يَصب، على عكس المتوقع، في مصلحة النهضة نفسها، وفق ما بيّنته تجربتا انتخابات 2011 و2014.
وفي ردّه على هذه الاتهامات الموجهة للنهضة، قال القيادي بحركة "النهضة"، نور الدين البحيري، في تصريح لموقع حقائق: "نحن نهنئ سليم الرياحي وشركاءه بهذه الجبهة ونتمنى لهم النجاح، ونقول للجميع إن "بضاعة الضدّ" سواء كانت لحركة النهضة أو أي تيار سياسي آخر في البلاد لم يعد لها سوق، وأصبحت غير قابلة للترويج"، مشدّدا على أنّ من يحاول ترويج هذه البضاعة لا تنوبه إلا الخسائر.