جيش أوسيتيا الجنوبية... كتيبة روسية للإمساك بالقوقاز


25 مارس 2017
مواطنون من أوسيتيا الجنوبية باحتفال سياسي (ميخائيل مورداسوف/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تصدّر ملفي أوكرانيا والبلطيق قائمة الأولويات الروسية في الكرملين، إلا أن ملفاً آخر عاد للواجهة في الأسبوعين الأخيرين. ملف مرتبط بالعلاقة مع دولة سوفييتية سابقة: جورجيا. هناك أقدمت روسيا على خطوة جديدة، في سياق استكمال تجزئة الدولة الجورجية. خطوة مرتبطة بإقليم أوسيتيا الجنوبية، الذي اعترفت به روسيا ونيكاراغوا (في عام 2008) وفنزويلا وناورو (في عام 2009) "دولة مستقلة" عن جورجيا. الخطوة الروسية أتت في إطار إعلان موسكو في منتصف شهر مارس/آذار الحالي، موافقتها على "انضمام وحدات من قوات أوسيتيا الجنوبية إلى الجيش الروسي". الخبر ليس عادياً، بل يبدو متشابكاً مع كامل خط الجبهة الروسية مع الحلف الأطلسي، الممتدة من البلطيق شمالاً إلى أذربيجان جنوباً.

تعود مسألة أوسيتيا الجنوبية (مساحتها 3900 كيلومتر مربّع) إلى عام 2008، حين تسبّب عزم جورجيا على ضرب الأحلام الانفصالية للإقليم، الواقع على حدودها مع روسيا، باجتياح روسي في أغسطس/آب من العام عينه. طوّقت خلاله القوات الغازية العاصمة تبليسي من كل الجهات، إلى أن رضخت جورجيا لمطالب روسيا، لناحية انسحاب قواتها من الإقليم. كما استغلت روسيا الحرب لفرض قوتها البحرية على جورجيا في البحر الأسود، بحصارها الساحل الجورجي، وعملت على تحريك قوات إقليم آخر يطالب بالانفصال عن جورجيا، وهو أبخازيا (8660 كيلومتراً مربّعاً) الذي سيطرت قوات منه على وادي كودوري الاستراتيجي بين روسيا وجورجيا (في أراضي أبخازيا). وأفضت تلك الحرب إلى تحقيق هدفين روسيين. الأول منع جورجيا من التصرّف باستقلالية عن موسكو، والثاني منع أي توسّع لقوات حلف الأطلسي إلى جورجيا.

أما اليوم، فإن انضمام قوات من إقليم أوسيتيا الجنوبية، الذي يبلغ تعداد جيشه نحو 16 ألف جندي، بينهم 2500 جندي عامل والباقي احتياط، يحمل في طيّاته أبعاداً جيوبوليتيكية، تبدأ من جورجيا وتنتهي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، التي ضمّتها روسيا في ربيع 2014. ذلك لأن الروس عملوا، ويعملون، على إحكام قبضتهم على أقاليم القوقاز الروسية: جمهورية أديجيا، وكاراشاي ـ شيركيسيا، وكاباردينو ـ بالكاريا، وشمال أوسيتيا ـ ألانيا، وأنغوشيا، والشيشان، وداغستان. الإمساك بالقوقاز ضروري وفقاً لحسابات روسية، متصلة بما يحصل في الجنوب الروسي، تحديداً منطقة كراسنودار. هناك يستعدّ الروس لتدشين جسر "كيرتش" في عام 2019، الذي سيربط بين تامان في كراسنودار بالقرم. وسيتضمن جسراً للسيارات وخطوط قطار. مع العلم أنه في عام 1978، كان الروس، أيام الاتحاد السوفييتي، قد شقّوا طريقاً باتجاه أفغانستان، لم ينتبه له أحد، سوى حين اجتاحت القوات السوفييتية أفغانستان، واحتلتها، لعشر سنوات، قبل الانسحاب مهزومة.



بالتالي، إن ما يقوم به الكرملين، يندرج في سياق "تمتين الجبهة الأضعف من كامل الخط المقابل لقوات الأطلسي"، تعزيزاً لخطوة تدشين الجسر العتيد. وضمّ القوات العسكرية من إقليم أوسيتيا الجنوبية، يجعل الجيش الروسي، قانونياً داخل الأراضي الجورجية، عكس ما يجري في الشرق الأوكراني، الذي يرفض الروس الاعتراف بوجود قواتهم فيه، بحجة "قوة" الانفصاليين الأوكرانيين في حوض دونباس (إقليما لوغانسك ودونيتسك). مع العلم أن نحو 40 ألف جندي روسي متأهبين على المقلب الآخر من الحدود الروسية ـ الأوكرانية في روستوف، يكفون، وفقاً لموازين القوى الحالية، لاجتياح العاصمة الأوكرانية كييف.

وللدلالة على عدم قدرة جورجيا على المواجهة، فإنها لم تقم برد فعل سياسي تجاه الخطوة الروسية، بسبب خيبة أمل متراكمة منذ نحو 9 سنوات، حين استنجد الرئيس الجورجي وقتها، ميخائيل ساكاشفيلي، بالأمم المتحدة والأوروبيين والأميركيين، لردّ الاجتياح الروسي، غير أنه لم يلقَ سوى عرض حمله الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، يقضي بـ"التفاهم مع الروس لوقف إطلاق النار". الجورجيون غير مستعدين لأي "مغامرة" جديدة ضد الروس، وخصوصاً أن المعاناة الأوكرانية مستمرة منذ نحو 3 سنوات، من دون دعم أممي فعلي لسيادة الأراضي الأوكرانية واستقلالها.



ومع أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتاد على القيام بخطوات "مفاجئة"، غير أنه كان متوقعاً أن يقدم على "تحصين" جبهته العسكرية تجاه الغرب، على اعتبار قيامه دوماً بخطوة لشحن القومية الروسية عشية ذكرى التاسع من مايو/أيار من كل عام، التي هزمت فيها القوات السوفييتية ألمانيا النازية في عام 1945. كما يُمكن إدراج الخطوة في إطار استعدادات بوتين لانتخابات رئاسية عتيدة العام المقبل.

الأهم هو أنه بعد كل خطوة عسكرية هيكلية، تأتي خطوة ميدانية ما. وهو ما يمكن تفسيره ميدانياً بنية بوتين حسم موضوع القوقاز نهائياً، سواء ضرب ما تبقى من دعوات انفصالية عن روسيا، أو ضرب من يدعوهم بـ"الجهاديين"، الذين تعهّد الرئيس الشيشاني، الموالي للكرملين، رمضان قديروف بالقضاء عليهم.

مع ذلك، فإن المخاطر أمام روسيا تبدو كبيرة بعض الشيء، وقد لا تتمكن من تغطية كامل بؤر النزاع في حال تطورت دفعة واحدة، أكان في أوكرانيا أو البلطيق أو القوقاز، ما يعني ذلك أن الروس، وفقاً لحساباتهم، سيُقدمون على حسم ملف واحد على الأقلّ، للتفرّغ لباقي الملفات. وقد يكون ملف القوقاز، منطقياً، الوجهة الأولى لارتباطه جغرافياً نحو أوكرانيا. مع ذلك، فإن اغتيال النائب الروسي السابق اللاجئ إلى أوكرانيا، دنيس فورونينكوف، في كييف، مؤشر على تصعيد جديد بين روسيا وأوكرانيا، لقيمة فورونينكوف المعنوية، خصوصاً بسبب إدلائه بالشهادة ضد الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش. ولا يُمكن استبعاد خطورة انفجار مستودع أسلحة في خاركيف، على تخوم ساحة الصراع تقريباً، يوم الخميس، عن مجمل صورة النزاع واحتمال تطوّره.

أما الرسالة الروسية الأبرز، فهي أن موسكو باتت "أكثر جرأة" في التعاطي مع ملفات جوارها، في ظلّ انشغال أوروبا بمحاربة التيارات اليمينية من جهة، واشتباكها مع تركيا من جهة أخرى، ما يسمح لبوتين باستغلال الوقت واللحظة المناسبة للانقضاض على الجمهوريات السوفييتية السابقة. وقد يكون ضم قوات من أوسيتيا الجنوبية، مقدمة لضم قوات من انفصاليي الشرق الأوكراني لاحقاً.