عادت ظاهرة إطلاق الصواريخ من قبل جماعات سلفية "جهادية" من غزة باتجاه الأراضي المحتلة لتشغل الفلسطينيين، ولتعيد الأسئلة عن ضررها الذي يقع على الفلسطينيين والعقوبات التي تتخذها إسرائيل بحقهم بعد كل عملية إطلاق صواريخ. الرافضون لإطلاق الصواريخ، يقولون إنّها لا تؤثر كثيراً على الاحتلال، وأن إطلاقها يعطي مبرراً له لشن غارات محدودة على مواقع وأبراج رصد واتصالات أنشأتها المقاومة على طول الشريط الحدودي شمالاً وشرقاً. مطلقو الصواريخ، في الغالب، ينتقمون من حركة "حماس" وأجهزتها الأمنية في غزة، التي اعتقلت أخيراً عدداً من السلفيين بتهم مختلفة، غالبيتها الإخلال بالأمن الداخلي، والعمل على إثارة الفتنة، فيما عدد قليل منهم متهم بإطلاق الصواريخ خارج التوافق الوطني.
وكان واضحاً من بيانات مختلفة، انتشرت خلال الأيام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ هذه الصواريخ رسالة لـ"حماس" وأجهزتها الأمنية، لا لإسرائيل فقط. وهدد سلفيون، على صفحات التواصل الاجتماعي، بالانتقام من الحركة عبر قصف الأراضي المحتلة، رداً على الاعتقالات بحق "إخوانهم". ويقول سلفيون من غزة إنّ حركة "حماس" تضيق الخناق عليهم كثيراً، وتعذب عناصرهم في سجون جهاز الأمن الداخلي، وتزيد من الضغط على أسرهم وتمنعهم من الزيارات، ما دفع عدداً منهم للدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، والتهديد بخطوات متصاعدة ضد الحركة. وفي السابق، اتفقت جميع الفصائل الفلسطينية في غزة على أنّ التصعيد والتهدئة خيار جماعي، لا يمكن لأحد الانفراد به، لكن السلفيين في غزة، وهم قلة، لم يلتزموا بهذا الاتفاق ولا بغيره. والمقصود وفق "حماس" جر الاحتلال الإسرائيلي لشن عدوان عليها وعلى غزة. وتتفادى "حماس"، التي تتبنى خيار المقاومة المسلحة، انتقاد الجماعات التي تطلق الصواريخ من غزة علناً، لكنها على الأرض تحاول منعهم بشتى الوسائل، منها زيادة التضييق عليهم، ومحاولة ملاحقتهم واعتقالهم. والفصائل الأخرى لا تبدو مهتمة كثيراً بالتعليق على من يطلق الصواريخ وغايته وهدفه، لكن في الغالب يقول الجميع إنّها "صواريخ ضرر لا صواريخ مقاومة"، في إشارة إلى أنها نكاية بالحكم القائم في القطاع، الذي تقوده "حماس".
ويتساءل الفلسطينيون دائماً عن غياب السلفيين أوقات الحروب مع إسرائيل، فلا هم يطلقون الصواريخ، ولا يقومون بعمليات ضد العدوان، وهو ما يعيد التذكير بغايتهم من الصواريخ التي يطلقونها بين الحين والآخر. غير أنّ الذي تغير أخيراً في المعادلة، يدفع لإعادة الحسابات الفلسطينية، إذ كانت إسرائيل ترد بشكل محدود وبسيط على أي صاروخ يطلق من غزة على الأراضي المحتلة، لكنها بالغت في المرات الماضية في الرد، وقصفت عشرات المواقع العسكرية للمقاومة في غزة. واستدعى تغيّر نمط الرد الإسرائيلي على الصواريخ موقفاً من "كتائب القسام"، التي أعلنت بشكل واضح على لسان المتحدث العسكري باسمها، أبو عبيدة، أنّ المقاومة سترد بحزم على أي تصعيد صهيوني، ولن تسكت على الاعتداءات الإسرائيلية. وجاء تهديد "القسام" بعد قصف قوات الاحتلال أكثر من 20 هدفاً، خلال الأسابيع الماضية، فعادت إسرائيل لسياستها الأولى، بالرد على الصواريخ بشكل محدود وبسيط، وكأنها فهمت الرسائل التي أراد الجناح المسلح لـ"حماس" إيصالها. واستهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، أمس السبت، أحد مواقع المقاومة الفلسطينية شمالي غزة بثلاثة صواريخ، من دون أن يتم التبليغ عن وقوع إصابات في صفوف المواطنين. وقالت مصادر محلية فلسطينية إن الموقع المستهدف كان أخلي بعد سقوط صاروخ أطلق من غزة في منطقة مفتوحة داخل المجمع الإقليمي لمدينة عسقلان المحتلة عام 1948. كما قصفت مدفعية الاحتلال نقطة رصد تابعة إلى "كتائب القسام" شمالي القطاع من دون وقوع إصابات.
ويقول مختصون في الشأن الإسرائيلي إن وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، غيّر من سياسة الجيش في الرد على صواريخ غزة المحلية. فصار الرد أكثر قوة، ويحمل رسائل أكثر قسوة، مع تحميل "حماس" المسؤولية عنها، رغم أنها ليست من يطلقها. وتبقى الحركة في مأزق أمام الشارع الفلسطيني، فهي إن منعت إطلاق الصواريخ سيقال إنها تعمل "حامية للحدود"، وإن سمحت فإن العدوان المحدود قد يتدحرج ويتحول إلى عدوان واسع، لا ترغب فيه في الوقت الحالي، خصوصاً مع تعثر عمليات إعادة الإعمار، وسوء الوضع الاقتصادي، وغياب أفق المصالحة الوطنية.