وكان بومبيو يردّ بذلك على سؤال عمّا يتردد عن انحياز المنظمة إلى الصين، وعن معلومة تفيد بأن "الإدارة تنظر في خيارات عدّة، من بينها خلق وكالة تكون بمثابة البديل للمنظمة".
الوزير لم ينفِ المعلومة، بل أكدها ضمناً بقوله إن أميركا "تبحث عن السبيل الأفضل... ولديها خبرة في تشغيل ورشة صحية دولية، كما أثبتت عندما تصدت سابقاً لمرض الإيدز".
والمعروف أن الإدارة الأميركية، أعلنت في 15 إبريل/ نيسان الماضي وقف تمويلها للمنظمة لمدة 60 يوماً، رداً على "انحيازها إلى الصين"، في موضوع فيروس كورونا الجديد، وهي خطوة رأى فيها المراقبون مقدمة للانسحاب من المنظمة الذي كاد أن يؤكده بومبيو.
ويأتي هذا الموقف في سياق سياستين اعتمدتهما الإدارة الأميركية تجاه كوفيد 19 والمنظمات الدولية.
الأولى، سياسة تحميل مسؤولية فاتورة الفيروس للآخر، وبالتحديد للصين ومنظمة الصحة.
للصين بزعم أن تستّرها على منشأ المرض وشراسته ساهم في الاستخفاف، وبالتالي بعدم التحوط اللازم له.
تهمة لا تستقيم مع الواقع، ولو أن بكين ليست بريئة في الموضوع. تعاملت معه باللفلفة وبقليل من الصراحة والوضوح، وتأخرت في الكشف عنه، وازدادت الشكوك عندما زعمت أن الفيروس "صناعة أميركية"، وهي تهمة قابلها رد بأنه "صناعة مختبرية" تسرب بالخطأ من مؤسسة ووهان لعلم الفيروسات.
ومع استفحال الوباء وارتفاع الإصابات والوفيات في أميركا، ازدادت تلميحات الإدارة وترجيحاتها للفيروس المختبري، مع أن الجهات الاستخباراتية الأميركية لم تؤكد هذا الاحتمال، كما تسرب عن مصادرها.
وحتى رئيس هيئة الأركان، الجنرال مارك مايلي، تحفظ على فرضية المختبر، لعدم ثبوتها حتى الآن.
وعدم وجود الدليل أثار الخشية لدى بعض الأوساط من أن يكون هذا الزعم قد استُحضر من باب الحاجة إلى غطاء يخفف من مسؤولية الإدارة عن التأخير في استباق الموجة، ويعزز الشكوك في أن التقديرات الطبية ترجّح الأصل الحيواني للفيروس.
بموازاة التصويب على الصين، جرى التركيز أيضاً على منظمة الصحة، بادعاء أنها تواطأت لحجب مسؤولية الصين عن الجائحة، من خلال تسويق الرواية الصينية بدلاً من التقصي الميداني العلمي عن الموضوع، الأمر الذي ساهم، حسب هذه التهمة، في التمويه على حقيقة الوباء، وبما ساهم في تفاقم انتشاره.
ومع أن الجهات الصحية الأميركية، ومنها الرسمية، نأت بنفسها عن توجيه الملامة إلى المنظمة، بل إنها دعت إلى ضرورة تعزيز التعاون معها، مع الإعراب عن الاستياء من وقف تمويلها.
السياق الثاني، الذي حكم هذا الموقف، يتمثل بحساسية البيت الأبيض ونفوره في الأصل من المنظمات والاتفاقيات الدولية، وقد ترجم ذلك بالانسحاب من معظمها، بدءاً من الاتفاق النووي الإيراني، مروراً باتفاقية باريس، ثم اتفاق نافتا ودول حوض الباسفيك، وكادت الموسى أن تصل إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقبل أيام امتنعت الإدارة عن المشاركة في مسعى دولي بترتيب أوروبي لجمع 8,2 مليارات دولار لمحاربة كورونا.
نمط ثابت ومتواصل في مقاطعة المنظمات والترتيبات الدولية بدعوى أنها "تأخذ من أميركا ولا تعطي".
والآن، جاء دور منظمة الصحة التي وفّر كورونا الفرصة والغطاء لنبذها، في وقت يجمع فيه العارفون على أهمية التعاون الدولي لمحاربة عدو كاسر وخطير ساهم غياب التنسيق في توفير أرضية خصبة لانتشاره. لكن الإدارة الأميركية المحتاجة إلى كبش فداء، رأت في المنظمة جهة من السهل تحميلها، ولو جزءاً من المسؤولية، في وقت تتراكم فيه أكلاف كورونا البشرية والاقتصادية والانتخابية.