تتحرك قوى برلمانية وسياسية عراقية مختلفة، غالبيتها تتبنّى أو تدعم فصائل "الحشد الشعبي" في العراق، وقريبة إلى التوجّهات الإيرانية، لطرح مشروع قرار يقضي بإلغاء قيادات العمليات العسكرية في المحافظات والمدن العراقية المختلفة، على اعتبار أنها غير دستورية.
قيادات العمليات، التي يبلغ عددها 11، استُحدثت في عهد حكومة نوري المالكي في العام 2008، وكانت حتى وقت قريب مثار رفض قوى عربية سنّية مختلفة طالبت بحلها. غير أن الحال تغير الآن، وبات من يُطالب بحلها سابقاً يرغب ببقائها، ومن كان يدافع عنها وعن عملها يُصر على حلها. من قيادة عمليات الفرات الأوسط، إلى البادية والجزيرة، مروراً بالأنبار ودجلة وسامراء انتهاءً بقيادة عمليات بغداد، تتولى هذه القيادات مهمة تنسيق الجهود الأمنية والتخطيط للعمليات العسكرية، وتجمع مختلف التشكيلات النظامية العراقية، من جيش وشرطة محلية وشرطة اتحادية، وأفواج تدخل وقوات الرد وحرس الحدود ووحدات أخرى توجد في كل محافظة من محافظات البلاد، باستثناء إقليم كردستان العراق.
وكشف مسؤولون في وزارة الدفاع ونواب في البرلمان العراقي عن توجّه جدي، من قِبل كتل سياسية مختلفة إلى طرح مشروع إلغاء قيادات العمليات العسكرية، والتصويت عليه في البرلمان خلال فصله التشريعي الجديد الشهر المقبل. وبحسب نائب في البرلمان العراقي معروف بقربه من رئيسه الحالي محمد الحلبوسي، فإن الحراك الذي تتصدره كتل داخل تحالف "البناء"، يهدف لإلغاء قيادات العمليات بشكل كامل، وتحويلها إلى قيادات مناطقية، مثل قيادة الوسط والجنوب والشمال، وإن قيادات العمليات الحالية باتت حلقة زائدة، ومصدر هدر مالي وتعدد قرارات وتداخل صلاحيات، بالإضافة إلى عدم وجود قانون خاص بها. إلا أن مسؤولين في وزارة الدفاع العراقية قالوا، لـ"العربي الجديد"، إن هناك نوايا مقلقة من إلغاء هذه القيادات في هذا الوقت تحديداً، فإلغاء قيادات العمليات يعني أن فصائل ومليشيات مسلحة مختلفة ستكون لها قدرة السيطرة على القرارات، وفرضها على مدير الأمن أو مدير مركز الشرطة أو قائد الفوج واللواء الموجود في هذه البلدة أو تلك المدينة، بينما تحصر قيادات العمليات، حالياً، كل التوجيهات والموافقات بشخص قائد العمليات أو نائبه، وهي بالتالي تفرض نفسها، وتعارض الكثير من محاولات فرض الرأي من قبل قادة المليشيات الموجودين في المناطق، خصوصاً الشمالية والغربية.
وذكر ضابط في وزارة الدفاع العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن القيادات الحالية تتواصل مع قوات التحالف، خصوصاً الأميركيين، وتتكوّن من غرفة عمليات وخلية تنسيق، وتتكوّن من ضباط وجنرالات الجيش، ولا وجود لقادة المليشيات فيها، وهو سبب يُضاف إلى القلق من أن يكون الهدف هو تقليل أو قطع تواصل الأميركيين مع القوات العراقية في مناطق العمليات. كما أن إعادة هيكلة قيادات العمليات وتشكيل قيادات مناطق، كما هما مطروحان اليوم برلمانياً، سيخلقان فرصة لسيطرة "الحشد"، أو التغلغل بشكل أفضل من الحالي في المؤسسة العسكرية العراقية، خصوصاً أنهم يطرحون إشراك "الحشد" في قيادات المناطق المقترحة في الشمال والوسط والغرب والجنوب.
في المقابل، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد رضا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "البديل عن إلغاء قيادات العمليات سيكون من خلال قيادة في المنطقة الشمالية، وأخرى في الجنوبية وكذلك الوسطى، وهكذا تماماً كما كان الحال في زمن النظام السابق"، في إشارة إلى ما قبل الغزو الأميركي للعراق العام 2003". وأضاف: "الجديد هو أنه حتى بالنسبة إلى الحشد الشعبي والحشد العشائري، فإنهما سيكونان تحت سيطرة هذه القيادة الجديدة مع مختلف التشكيلات الأخرى في العراق. وعندما يكون لكل قيادة بالمنطقة الجنوبية أو المنطقة الغربية قائد، وكافة القطعات تحت عينيه، فهذا أفضل من تعدد القيادات بالتأكيد". من جهته، تحدث عضو البرلمان بدر الزيادي عن أن الحراك لإلغاء قيادات العمليات الأمنية في المحافظات، وطرح البدائل بعد حلها، هو بسبب "أنه لا يوجد أي نص دستوري وراء تشكيلها، ولم يُشرع لها قانون في البرلمان"، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "فضلاً عن الخروق المستمرة وغياب تحمل المسؤوليات وتداخل الصلاحيات فيها فإن تعدد القيادات يعتبر أمراً مُربكاً".
لكن النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري اعترض على هذا الحراك، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن قيادات العمليات الحالية، حتى وإن لم تكن دستورية، فإنها تضبط إيقاع العسكر، سواء كانوا شرطة أو شرطة اتحادية أو جيشاً، مضيفاً: "لهذا فوجودها الآن ضروري، ولا أعتقد أن البديل سينجح حالياً في هذه المرحلة، التي خرجنا بها للتو من حرب مدن طاحنة ضد تنظيم داعش". أما الخبير الأمني محمد الحياني فاعتبر أن على الحكومة والأجهزة الأمنية ككل "أن تنشغل اليوم بإنهاء وجود الجيش داخل المدن وإعادة الحياة إلى طبيعتها فيها وتسليم الملف لقوات الشرطة". وبيّن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "طروح إلغاء قيادات العمليات ينبغي أن تكون عسكرية، ولا علاقة للسياسيين والأحزاب بها". واعتبر أن تلك المطالبات دليل آخر على ضعف الحكومة، لدرجة الحديث عن تخصصات وخطط عسكرية من المفترض أن تُناقش بشكل غير معلن، وتوضع فيها دراسات وبحوث قبل الإقدام على أي تغيير.