وقالت "الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد" التابعة لوازرة الاتصالات في حكومة النظام السوري، في بيان أمس، إن المبالغ المطلوب سدادها من شركة "سيرتيل" هي مبالغ مستحقة لـ"الدولة"، وذلك في أول ردّ رسمي على التسجيل المصور الذي أطل فيه رامي مخلوف، الليلة قبل الماضية، في بادرة هي الأولى من نوعها، وتشير إلى تصدع كبير داخل أجنحة الحكم لدى النظام السوري.
نظام الأسد سيرد بـ"قوة"
ورجحت مصادر خاصة من دمشق "رد نظام بشار الأسد بقوة على رسالة رامي مخلوف التي وجهها عبر بث مباشر على صفحته أول من أمس"، معتبرة أن "الظاهرة المخلوفية" انتهت، بعد أن أعلن رامي الخلاف على العلن "لأن النظام لا يقبل بهذه الطريقة المباشرة من الخطاب".
واستشهدت المصادر، التي فضلت عدم نشر اسمها، بأنه سبق لبشار الأسد أن "أحرق كل من كشف وعرّى نظامه، حتى على صعيد الخطاب مباشرة. الصناعي سعيد الحافظ وجه مرة رسالة لبشار عام 2004، فكتب على صناعته المحاصرة وعلى مشاريعه بالفشل والنهاية"، متسائلة "فكيف إذا جاءت الرسالة من الدائرة الضيقة جداً".
واعتبرت المصادر، خلال مهاتفتها "العربي الجديد"، أن رسالة رامي مخلوف تعني "القفز من مركب النظام بناء على نصيحة خارجية"، أو ربما "يتوسل الأسد لأن التواصل مقطوع بين رامي وبشار، وسبق لمخلوف أن طلب مراراً مقابلة الأسد، وجاءه الرد بالرفض".
ورأت المصادر الرفيعة أن "لغز التصعيد" يكمن في الدور الروسي، فهو من سرب المحادثات السياسية الخاصة، وهو من مرر رأي محمد مخلوف "أبو رامي" وأخيه حافظ، المقيمين في موسكو.
وختمت المصادر بأن "الموضوع ليس ماليا وإن حاول الطرفان تسويقه كذلك، فما قيل عما يعادل 100 مليون دولار، هي لا شيء بحسابات مملكة مخلوف المالية التي تتحد مع عائلة الأسد من بعد السبعينيات، وكانت، عبر محمد مخلوف، بيت مال الأسد، منذ أن أتى حافظ الأسد بمخلوف الأب من موظف محاسب في المطار إلى أهم مؤسسة اقتصادية، التبغ، ومن ثم مديرا للمصرف العقاري، وسمح له بمقاسمة جميع التجار والمستثمرين، لدرجة أسماه السوريون السيد 10%".
واعتبر مراقبون أن بيان وزارة الاتصالات والتقانة "الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد"، الذي صدر بعد فيديو مخلوف، رد أولي، مرجحين خطوات مهمة وقريبة كأن "يتم منع رامي من السفر والحجز على أمواله، لأن بشار الأسد اعتبره منشقاً عن النظام".
وأشاروا إلى أن ما قاله رامي، خلال التسجيل، يتعدى مسائل الضرائب والخلاف المالي، "الفقراء لا تعني فقراء سورية، يسدوا جوعهم مقصود بها الروس، أقسّط لك معناها قسّط أنت للروس، لديّ أوراق ليس المقصود حول شركة سيرتيل، الله الرزاق إشارة إلى أن ثمة من هم فوق بشار"، وغير ذلك الكثير من الرسائل الضمنية التي قرأها نظام بشار الأسد على نحو تهديدي.
بداية الخلاف: فتش عن الروس
ويرى مسؤول حكومي رفيع أن روسيا مررت محادثاتها مع محمد مخلوف إلى بشار الأسد، وكان ذلك بداية المشاكل بين مخلوف والأسد قبل أشهر، كما كشفت خلال الآونة الأخيرة عن "نوايا مخلوف لما بعد الأسد"، هادفة إلى تقليل الفساد والشبكات المسيطرة في سورية، على حسب رأي المسؤول السوري.
ويضيف المسؤول لـ"العربي الجديد" أن روسيا تهدف أيضاً لتحصيل أموالها، فقد طلبت أخيراً نحو ثلاثة مليارات دولار وبالعملة الصعبة، وهي سبب إضافي لملاحقة الأسد لمخلوف، التي ستحدث هلعاً ضمن الدائرة الضيقة حول بشار الأسد، ومن تجار الحرب ورجال الأعمال خاصة، وهذا جميعه في صالح الروس.
وحول ما قيل عن انشقاق الشارع المؤيد للنظام، "الشارع العلوي"، يقول المسؤول السوري "طبعاً رأينا وسنرى تصدعات وانشقاقات، لأن كثيرين يرون في رامي رجل الخير والمسعف للفقراء عبر جمعية البستان وفواتير العلاج والمساعدات العينية، بل وحتى رواتب وأجور من كان يشتغل معه خلال التصدي للثورة وتوقفت أرزاقهم أخيراً".
وشبّه المسؤول السوري أن ملامح الانشقاق اليوم، تشبه ما حدث حينما حاول رفعت الأسد الانقلاب على شقيقه حافظ، مطلع الثمانينيات، وكيف انتهت القصة بنفي رفعت بعد ترضيته مالياً، ولكن لم يزل كثيرون في الساحل السوري ينظرون حتى اليوم لرفعت على أنه "القائد والمضحي".
هل لزوجة الأسد أسماء دور بالخلاف؟
وفي ما يتعلق بدخول أقرباء أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، ليكونوا محل رامي في الاستثمارات والشركات، لفت المسؤول السوري إلى أنه "ليس بسببهم تم ضرب رامي، بل لأسباب سياسية تتعلق بموقف آل مخلوف التي سرّبوها للروس لما بعد الأسد"، ولكن الخلاف الأسدي المخلوفي شكل فراغاً، حاولت وتحاول أسماء الأخرس "أن تملأه بنفسها أو عبر أقربائها، مثل ابن خالتها مهند الدباغ أو قريبها طريف الأخرس أو حتى أخيها، وربما لاحقاً والدها فواز الأخرس بشكل علاني ومكشوف".
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" فيما إذا ستتحول استثمارات رامي مخلوف لمهند الدباغ ووجهات جديدة لتدير أموال بشار الأسد، كما يشاع في سورية اليوم، يقول المسؤول السوري، "هكذا يتم التحضير لوضع رجال أعمال جدد في الواجهة، وهم مقربون من أسماء الأسد أو أقرباؤها"، متمنياً أن تعود شركتا الاتصالات الخليوية لملكية الدولة بحسب ما تم الترخيص لهما عامي 2001 و2007 واستفادة الدولة المفلسة من تلك الأرباح.
وكانت شركة "سيرتيل" للاتصال الخليوي قد بدأت عام 2001، تبعتها شركة "إم تي إن" عام 2007 كشركتين على نظام "B.O.T"، أي تشغيل استثمار وإعادة للدولة بعد انقضاء فترة الاستثمار، ولكنهما تحولتا من العمل بنظام "بي أو تي" إلى شركتين مساهمتين نهاية عام 2014، وتقلصت بالتالي حصة الدولة، منذ عام 2015، إلى 50% وعام 2016 إلى 30% لتستمر بعد ذلك حصة الدولة على 20%.
تخوف الشارع
وخلال اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد" مع مواطن يدعى بشار من مدينة جبلة، قال: "يعيش الشارع في جبلة وبلدة بستان الباشا مسقط رأس محمد مخلوف حيرة مما حصل، وصراحة الناس مو عرفانة شو تعمل ومع من تقف، ولكن الجميع خائف من النتائج التي يمكن أن يصل إليها الخلاف أو الحرب بين مخلوف والأسد".
ويضيف بشار، الذي فضل عدم إدراج كنيته، أن "رامي له فضل على كثيرين وأبوه كان من أهم رجالات الدولة بزمن حافظ وبشار، كان محمد مخلوف (والد رامي)، يعين وزراء ومسؤولين بجرة قلم ووقف هو وأولاده منذ عام 2011 مع السيد الرئيس، فماذا حصل اليوم، الجميع مستغرب".
وكشف المصدر من مدينة جبلة الساحلية "أن الجميع هنا يشك أن ما يجري، هو لعبة أسماء الأخرس وصراعات بين إيران وروسيا"، مجيباً حول شعبية أسماء بمدن الساحل "لديها شعبية كبيرة وهذا الخطر الذي نخافه قريباً، لأن للأستاذ رامي أيضاً شعبية".
ردّ الهيئة
وفي تفاصيل ردّ الهيئة عبر صفحتها الرسمية على مخلوف، جاء أنّ "وزارة الاتصالات كانت أبلغت شركات الاتصالات بموافاة الهيئة بالجواب النهائي بموعد أقصاه 5/5/2020، لقبولها التفاوض حول آلية تسديد مبلغ 233.8 مليار ليرة سورية كفروقات لبدل الترخيص الابتدائي، وهذه المبالغ "مستحقة للدولة وفقا لوثائق واضحة وموجودة، وتم حسابها بناء على عمل لجان اختصاصية في الشؤون المالية والاقتصادية والفنية والقانونية".
وأضافت الهيئة، أنه حفاظا على استمرار عمل شركات الاتصال (سيريتل وإم تي إن)، واستمرار تقديم خدماتها للمواطنين، "تم الأخذ بعين الاعتبار جميع تحفظات الشركات وإعطائها المهل والمدد التي طلبتها، رغم عدم منطقيتها، وبعدها تم اعتماد البيانات والأرقام المقدمة منها، ومن ثم احتساب القيمة الفعلية للمبالغ المطالبين بتسديدها".
وأوضحت الهيئة أنه تم حساب المبالغ المطلوب سدادها على مرحلتين، الأولى وفقا للأرقام الفعلية خلال السنوات التشغيلية الخمس الأولى من عام 2015 ولغاية عام 2019 (وذلك حسب طلب الشركتين ووفقا للبيانات المالية المنشورة)، والثانية وفق الأرقام المتوقعة التي تقدمت بها كل شركة.
وبيّن رد الهيئة أن المبالغ المشار إليها والمستحق دفعها لا علاقة لها بقضية التهرب الضريبي (والتي هي موضوع آخر يتم العمل عليه من قبل الجهات الخاصة به)، بل هي مستحقة على الشركتين يجب سدادها لتحقيق التوازن في الرخص، علما أن الخلل الضريبي الموجود في تلك العقود يؤثر على قيمة ضريبة الدخل وعلى قيمة الأرباح الصافية لحاملي الأسهم أنفسهم، مؤكدة عزم "الهيئة الناظمة على تحصيل الأموال العامة بكافة الطرق القانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار دائما استمرار عمل أي شركة مطالبة بالسداد بتقديم خدماتها للمواطنين على أكمل وجه".
وشددت الهيئة على أنه "لن يثنيها عن استرداد المال العام أي محاولات للتشويش على هذا العمل" في إشارة إلى ظهور رامي مخلوف، الذي خرج في فيديو مدته ربع ساعة، ناشد فيه رئيس النظام السوري بشار الأسد التدخل لإنصافه، مؤكدا عزمه دفع المطلوب منه، لكنه طالب بأن يكون ذلك على دفعات منعا لانهيار شركة "سيريتل" التي تعتبر المخدم الرئيسي للاتصالات الخلوية في البلاد.