لا يكاد يمر يوم، دون أن تنظم جماعة "أنصار الله" (الحوثيون)، في اليمن، مهرجاناً على الأقل، في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، للتحشيد لمعركة الساحل الغربي، منذ اقتراب القوات الحكومية، المدعومة من التحالف، من مدينة الحديدة الاستراتيجية. وعلى الرغم من المسار السياسي الذي فرضته الجهود الدولية للأمم المتحدة، لفرض "وقف مؤقت" للعمليات العسكرية، فإن تحركات الجماعة، تلعب هي الأخرى دوراً في محاولة تغيير مسار الحرب في الحديدة، وترى أنها استطاعت أن تفوت على خصومها فرصة "النصر السريع" في أهم محطة تحولت باتجاهها الحرب منذ ما يقارب شهرين.
وبالتزامن مع إحياء الحوثيين لمهرجانات ذكرى ما يُسمى بـ"الصرخة في وجه المستكبرين"، وهي المناسبة السنوية التي تحتل أهمية تأريخية بالنسبة للجماعة، سيطر ملف الحشد والتعبئة باتجاه الساحل الغربي، على خطابات قيادات الجماعة، بما في ذلك، زعيمها عبد الملك الحوثي، الذي قال إن "المسألة الرئيسية التي يجب أن نركز عليها في معركة الساحل الغربي هي الاستمرار في التحشيد. واقع المعركة يتطلب زخماً بشريا". وشدد على أهمية مواصلة إرسال أفواج المقاتلين نحو الحديدة، معتبراً أن الكل "معني بالتحشيد لهذه المعركة لأن العدو يحاول أن يلقي فيها بكل ثقله". وللمرة الأولى، امتد استنفار الحوثيين في معركة الحديدة، إلى حلفائهم خارج الحدود، إذ اضطر زعيم الجماعة، الجمعة الماضي، إلى الإشادة مجدداً، بموقف "حزب الله" اللبناني وزعيمه حسن نصر الله، بعد أيام، من بيان خصص جزءاً معتبراً منه للغرض، إثر الموقف الذي تبناه الأخير، ومشاركته بالتحشيد ودعوة اليمنيين للمشاركة إلى جانب مسلحي الجماعة في الحديدة، بقوله "يا ليتني أستطيع أن أكون معكم ومقاتلاً من مقاتليكم"، وهو التصريح، الذي اعتبرته الحكومة اليمنية، أحد الشواهد على تدخل الحزب في اليمن ودعمه الحوثيين.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، شهدت مختلف المحافظات اليمنية الخاضعة للحوثيين، والتي تتركز فيها الكثافة السكانية والتأثير القبلي، العديد من الاجتماعات واللقاءات القبلية، التي تنعقد بتوجيهات ومتابعة من سلطات الأمر الواقع التابعة للجماعة في صنعاء، وتوظف من خلالها مختلف المسؤولين المحليين الخاضعين لها بالإضافة إلى الوجهاء، تحت مسمى التحشيد لرفد جبهات الساحل الغربي، تحت عناوين ومناسبات مختلفة، على غرار "الذكرى السنوية للصرخة"، وقبلها استغلال حوادث، بما فيها الحديث عن خطف امرأة في محافظة الجوف، واعتبار ذلك، سابقةً تستدعي "النكف القبلي" للتحرك لدعم الساحل الغربي بالمقاتلين الجدد.
وتفيد مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، بأن عملية التحشيد التي لا تكاد تتوقف يوماً واحداً، من خلال اجتماعات المسؤولين والوجهاء وتنظيم المسيرات، تلقى استجابة ضعيفة في الغالب ومتفاوتة أحياناً من منطقة إلى أخرى، فيما يتعلق بانضمام المزيد من المقاتلين إلى صفوف الحوثيين، إلا أن الجماعة تستمر في تحشيدها في كل الأحوال، وتلجأ للمطالبة بمبالغ مالية، على هيئة تبرعات، يجمعها الوجهاء والمسؤولون المحليون الخاضعون لها، لدعم "صمود الجبهات".
وتترافق عمليات الحشد والتعبئة للمقاتلين، مع استمرار الجماعة بإرسال المزيد من القوات إلى الحديدة، إذ خففت نسبة تواجدها في مختلف المحافظات وأرسلت تعزيزات كبيرة إلى محافظة الحديدة، في محاولة منها لتعديل موازين القوى، وترجيح كفة تواجدها، ما يجعل المعركة في حدود المحافظة على الأقل، ويرفع كلفتها بالنسبة لقوات الشرعية وتلك المدعومة من التحالف، بواجهة إماراتية. واستدعى الحوثيون جنود ومنتسبي الجيش اليمني ممن لا يزالون في منازلهم، لإرسالهم إلى ساحات المعارك. ويؤكد عبدالله محمد، وهو جندي في الجيش من إحدى ضواحي صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن لجاناً شكلتها الجماعة، تتولى التواصل وإغراء منتسبي الأجهزة العسكرية بتسليم مرتباتهم، إلا أنهم وعقب الوصول تطلب من القادرين منهم التوجه بصورة شبه إجبارية إلى جبهات المواجهات، كشرط لتسلم المرتبات. ومنذ تدشين القوات الحكومية المرحلة الأخيرة من التصعيد في الحديدة، والاختراق الذي حققته الأخيرة عبر الخط الساحلي والوصول إلى محيط مطار الحديدة الدولي، اختار الحوثيون أن تكون المعركة مصيرية من خلال التعزيزات والتحركات العسكرية، وبناء التحصينات في مدينة الحديدة، الأمر الذي تمكنت من خلاله الجماعة من التأثير على خطط الشرعية والتحالف باقتحام المدينة عسكرياً، إذ باتت أي محاولة تقدم جديدة، تجاه المدينة، مجهولة العواقب، مع توقعات بمضاعفة الكلفة، سواء بالنسبة للخسائر العسكرية أو على المدنيين وطرق الإمدادات عبر ميناءي الحديدة والصليف الواقعين في المدينة.
وإلى جانب المسار العسكري، فإن الحديدة تعتبر ملف اللحظة سياسياً بالنسبة للجماعة، إذ يعود التراجع في حدة الحملة العسكرية في الحديدة إلى الجهود الدولية، التي قادها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونجح خلالها بترجيح كفة الجهود السياسية، بعد أن حصل على إشارات إيجابية من الحوثيين بالموافقة على تولي المنظمة الدولية دوراً قيادياً في إدارة ميناء الحديدة، وفقاً لخطة المبعوث السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، التي رفضها الحوثيون أنفسهم العام الماضي. وفيما تقول أحدث المعلومات إن الجهود السياسية حول الحديدة، تتمحور حول مقترحات جديدة، أبرز مضامينها أن يسلم الحوثيون الحديدة للموظفين المسؤولين عن المحافظة قبل سيطرة الجماعة، أواخر العام 2014، لا تزال مؤشرات عودة التصعيد تطغى في ظل عدم الوصول إلى ملامح اتفاق واضح حتى اليوم على الأقل، غير أن ميدان الخيار العسكري، لم يعد كما كان الشهر الماضي، بالنسبة للتحالف والقوات الحكومية، بعد أن ألقى الحوثيون بثقلهم العسكري في الحديدة، ويواصلون الحشد في مختلف مناطق سيطرتهم.