وكتب أنه بمجرد أن تحوّل تنظيم "داعش" الإرهابي إلى العدم بدأت الصراعات التي كانت نائمة، أو التي دُفع بها إلى مستوى ثانوي، فترة ذروة وانهيار مشروع التنظيم، تستيقظ في الشرق الأوسط.
وأضاف أن مطالب أكراد العراق تم إنهاؤها في انتظار معرفة المصير الذي جرى تخصيصه لأبناء عمومتهم في سورية.
وهكذا أيضاً أتاح القضاء على تنظيم "داعش" ظهور الصراع الخفي بين السعودية وإيران، المدرج تحت اسم فضفاض وخادع، هو "الحرب بين السنة والشيعة".
ويرى كريستوف أن هذه النار عادت للاشتعال، تذكيها الولايات المتحدة، من خلال تشكيك الرئيس دونالد ترامب في الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى الست.
من جهتها، رفعت السعودية، بشكل مفاجئ، من درجات التوتر السائد، بإرغام رئيس الحكومة سعد الحريري على الاستقالة، وعلى إدانة تدخلات "حزب الله"، في خطاب مهيّأ سلفاً، في الشؤون اللبنانية. ثم أعلن وزير سعودي، في اليوم التالي، أن بلاده تعتبر نفسَها كما لو أنها "في حالة حرب" مع لبنان، واتهم إيران، بشكل مباشر، بالمسؤولية عن إطلاق صاروخ استهدف الرياض.
أسلحة دمار شامل
وأضاف الصحافي الخبير بالشؤون العربية، وصاحب مؤلفات عن مصر والأردن وسورية ولبنان، بأن "ما يرتسم حالياً في الشرق الأوسط هو محور غير مسبوق بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، توحدها كراهيتها المشتركة للنظام الإيراني، وإرادتها في لجم نفوذها في المنطقة".
ويرى أن "إسرائيل والسعودية لا يمكنهما أن تقبلا سعيَ إيران الدائم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والذي تريد منه إيران تأمين تفوقها الاستراتيجي".
وإذا كان الرئيس السابق، باراك أوباما، قد استطاع خلال فترة طويلة إلزام إسرائيل والسعودية بالتعقل، بل وتجاهل قلقهما، فإن وصول ترامب، كما يكتب الصحافي الفرنسي، ثم الصعود الخاطف لولي العهد، محمد بن سلمان، "قَلَبَا كلّ شيء".
ويضيف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، لم يتوقف منذ شهر يناير/ كانون الثاني عن التنقل بين تل أبيب والرياض وأبوظبي، من دون أن يتسرب شيء من هذه التنقلات، والتي يرى الصحافي الفرنسي أنها "تنفيذ لحلم إسرائيلي قديم، يتمثل في التقريب بين العرب، على الأقل ممالك الخليج وإسرائيل".
ويرى أن إسرائيل، بسبب عداء المنطقة لها منذ نشوئها، وفي غياب دولة فلسطينية، تجد نفسها مرغمة على العثور على حلفاء أو على قوى "صديقة" على الأقل.
ويضيف أنه بعد أن خسرت إسرائيلُ إيران، إثر "الثورة الإسلامية"، وتركيا منذ وصول رجب طيب أردوغان للسلطة، توجب عليها العثور على "أصدقاء" جدد، وهما مصر والأردن، واللذين وقّعا اتفاق سلام معها، ظلّ في مستوى "سلام بارد" بسبب المعارضة الشديدة من الرأي العام في هذين البلدين.
إلا أن دول الخليج، على العكس، اقتربت ببطء من إسرائيل، منذ أن اكتُشف سنة 2002 برنامج نووي إيراني متقدّم.
ويكتب كريستوف عياد: "إن هذه الحركة التي كانت خلال فترة طويلة بطيئة وسرية تسارعت مع وصول جيل جديد إلى السلطة في الخليج، لا يجد حرجاً من تابوهات أسلافه". ويضيف: "إن محمد بن سلمان، الرجل القوي في السعودية، ومحمد بن زايد، الرجل القوي في الإمارات، لا يثقلان نفسيهما بالقضية المقدسة الفلسطينية، لأن هوَسَهُما هي إيران، كما هي هوَس إسرائيل، والتي أدركت أنه من السهل تقسيم العرب، حين لا يفعلون ذلك بأنفسهم، كما حدث في الأزمة الحالية مع قطر".
وإجابة على سؤال متى سيخرج هذا التآلف إلى وضح النهار؟ يقول الصحافي الفرنسي بأنه "لا شيء كبيراً ينقصه حتى يخرج في وضح النهار"، وإن "تحالف الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج سيكون تركيباً غير مسبوق من القوة العسكرية والتكنولوجية والرساميل المالية وثروات الطاقة، وفي مقابله سيرتسم محور روسي إيراني تركي شاحب".
ثم يعود الصحافي الفرنسي ليعترف بأن "هذه المقارنة تكتسي قيمتها، بشكل خاص، على الورق، لأن هذا التحالف مستَبْعَد التشكل، والذي تضع تركيا رِجْلاً فيه وأخرى خارجه، هو الذي يسيطر، في الوقت الراهن، على الأرض ويواصل تقدُّمَهُ".
وفي نهاية المقال يستعرض ضعف التحالف الأميركي السعودي الإسرائيلي، ويكتب: "إن ما ينقص هذا التحالف هو الحد الأدنى من البصيرة السياسية ومن الذكاء تجاه الأوضاع على الأرض"، لأن هذه الدول الثلاث اندفعت في حروب لا يمكن كسبُها، في السنوات الأخيرة؛ أميركا في العراق والسعودية في اليمن وإسرائيل في لبنان وغزة.
ويعلل ذلك بأن "شن الحروب عملية سهل، ولكن ما إن تمرّ الانتصارات الأولى حتى تتوجّب معرفة الديمومة فيها"، وهذا ما نجحت فيه إيران، لأن "الميزة الرئيسية لإيران هي معرفة الصبر، من دون أن تَحيدَ، أبداً، عن هدفها".