قضية ريجيني: إيطاليا تطلب التحقيق مع ضابط مصري

06 مايو 2019
من تظاهرة بروما للمطالبة بالكشف عن قتلة ريجيني (Getty)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة على ملف التحقيقات في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، في القاهرة مطلع عام 2016، إن مكتب المدعي العام في روما أرسل إلى النيابة العامة المصرية طلباً رسمياً لسماع أقوال "ضابط مصري كبير"، هو أحد الضباط الخمسة المشتبه فيهم، المدرجين على القائمة التي أعدها المدعي العام الإيطالي في القضية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك بعدما حصل مكتب المدعي الإيطالي على "معلومات موثقة ومسجلة تؤكد تورط هذا الضابط في قتل ريجيني، أو على الأقل معرفته بجميع تفاصيل الحادث".

وأضافت المصادر، التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل 3 أيام، كان لإطلاع السيسي على المستجدات في هذا السياق، ومطالبته الوفاء بتعهداته بعدم التستر على قتلة ريجيني، مهما كانت رتبهم ووظائفهم في الداخلية المصرية أو في أي جهاز أمني آخر. وأوضحت المصادر أن المعلومات التي توصل إليها الادعاء العام في روما عبارة عن حديث أدلى به الضابط المصري الكبير إلى ضابط أجنبي، زار مصر أخيراً، عن ظروف مقتل ريجيني، فقال له في جلسة، كان يعتقد أنها ودية، أن ضباط الشرطة الذين قتلوا ريجيني لم يكونوا يقصدون ذلك، لكنهم كانوا يتصورون أنهم يرهبونه للكف عن أنشطة اعتقدوا أنها "تجسسية" لصالح الاستخبارات البريطانية تحديداً.

وذكرت المصادر أن الضابط الأجنبي الذي استمع لهذه الشهادة اتصل بالسلطات الإيطالية، ونقل لها تلك المعلومات، مدفوعاً بشعوره بالمسؤولية المهنية، ثم أدلى بالشهادة في تحقيقات مسجلة في مكتب المدعي العام في روما، الذي بات يملك الآن معلومات أكثر وضوحاً عن السبب المرجح لمتابعة ريجيني ورصده أمنياً، ثم اعتقاله، مع التحفظ على حاجياته الشخصية قبل أن يلقى مصرعه، ويتم التخلص منه بصورة وحشية بترك جثته العارية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي. ووفقاً للمعلومات الجديدة التي حصل الادعاء الإيطالي عليها فإن ريجيني لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة التي ألقت جثته، وأغلب الظن أنه لم يمت في مكان وتم نقله بالسيارة، بل إن تعذيبه واستجوابه وقتله تم داخل السيارة التي ألقت جثته، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة عن سيناريو الأيام السابقة لواقعة القتل، وطبيعة المعلومات التي حصل عليها الضباط من ريجيني أو سألوه عنها، وما إذا كانوا ينوون تركه، وما إذا كانت آثار التعذيب التي بقيت على جسده وليدة وقت القتل أم أنه عانى من التعذيب لعدة أيام قبلها؟ وأكدت المصادر أن الطلب الإيطالي، الذي تسلمه النائب العام المصري، يهدف إلى استدعاء هذا "الضابط الكبير" الذي لم يتم الكشف عن هويته رسمياً للشهادة والمناقشة حول الإفادات التي قدمها الضابط الأجنبي، وأن القاهرة لم ترد حتى الآن. علماً بأن موافقة النيابة المصرية على إرسال الضابط المصري، أو حتى السماح بمناقشته شفهياً داخل مصر، تعتبر "شرطاً قانونياً" لإتمام التحقيق الإيطالي في هذه المعلومات، وهو ما يمثل عقبة إجرائية في سبيل الوصول للحقيقة.



وتؤمن السلطات الإيطالية بأن التغلب على هذه العقبات الإجرائية لن يتأتى إلّا بتوافر إرادة سياسية من السيسي نفسه، وهو ما أشار إليه كونتي، عندما قال عقب لقائه السيسي في بكين نهاية الشهر الماضي، إنه "لا يوجد بديل عن استمرار الاعتماد على الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية" في ما يتعلق بجهود التحقيق داخل مصر. وأشار أيضاً إلى أنه يحاول الضغط على "المستوى السياسي بعيداً عن التعاون القانوني"، في إشارة واضحة للجمود الذي أصاب هذا التعاون منذ نهاية العام الماضي. وكان مصدر مصري مطلع قد كشف، لـ"العربي الجديد"، في ديسمبر الماضي، هوية ضابطين من الخمسة المشتبه فيهم، الأول هو اللواء طارق صابر، وليس صابر طارق كما نشر الإعلام الإيطالي وقتها، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع بجهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناءً على تقرير رُفع له من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبد الله، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. والضابط الثاني هو العقيد آسر كمال، الذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، وتوجد دلائل على أنه من أشرف على رسم خطة تعقب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وبعد الحادث بعدة أشهر تم نقله للعمل بمحافظة أخرى.

وكانت النيابة العامة المصرية قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول أنها رفضت طلباً مقدماً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمى في قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي "سجل المشتبه فيهم"، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك بشأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن ريجيني قبل مقتله، وأنها تستعرض تساؤلات تتعلق بدخول ريجيني إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه على النقابات العمالية المصرية المستقلة. وأكدت بذلك ما نشره "العربي الجديد" عن اتجاه النيابة العامة المصرية إلى تجاهل قصة عصابة السرقة التي اتهمت سابقاً بقتل ريجيني، وحتى قصة تتبع خطواته في الساعات السابقة على اختفائه، والتركيز على ما إن كانت الدراسات التي أجراها أدت به للتعامل مع "أجهزة أمنية أو استخباراتية أجنبية، أو منظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج لممارسة أنشطة خارجة عن القانون المصري"، وهو المسار الذي اعتبره الجانب الإيطالي عودة إلى المربع الأول، ومحاولة جديدة لتضليل التحقيق.

المساهمون