وطاول الهدم، في الأيام الأخيرة فقط، عدة مبان في الجليل والمثلث والنقب، في عدة بلدات، منها مدينتا شفاعمرو وطمرة، وقرية منشية زبدة، قرب حيفا، وقرية جلجولية في منطقة المثلث، فضلًا عن عمليات هدم بعدة بلدات في الجنوب، وآخرها هدم الجرافات الإسرائيلية بيوتا ومعرشات في قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف بالنقب، الأسبوع الماضي، للمرة الـ130.
رغم ذلك، يرفض أهالي القرية إخلاء أراضيهم، وأي تسوية غير الاعتراف بقريتهم، والسماح لهم بالبناء على أراضي الآباء والأجداد.
ويستهدف "كامينتس" العنصري البيوت الفلسطينية في الداخل، ويسرّع في هدمها، كما يقوّض صلاحيات المحاكم في ما يتعلق بتجميد أوامر الهدم.
وتشير أوساط مهنية إلى أن أكثر من 50 ألف بيت في الداخل الفلسطيني مهددة بالهدم من قبل المؤسسة الإسرائيلية، التي تواصل سياسة التضييق على العرب في الأراضي المحتلة عام 1948 في قضيتي الأرض والمسكن، وهما جوهر الصراع.
"حرب الجرافات"
عطفًا على ذلك، يرى النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي جمعة الزبارقة (التجمع الوطني الديمقراطي/القائمة المشتركة)، أن "إسرائيل بدأت حرب الجرافات ضد مجتمعنا العربي في الداخل"، مضيفًا، في حديثه لـ"العربي الجديد": "وتيرة الهدم تتسارع كما نرى على أرض الواقع في هذه المرحلة. وللأسف عدم ارتقاء رد الفعل الشعبي للمستوى المطلوب يشجع المؤسسة الإسرائيلية على المضي قدمًا بعمليات الهدم"، وفق قوله.
وساق الزبارقة أمثلة على ذلك، منها أن "هناك نحو 5 بيوت مهددة بالهدم الفوري في مدينة اللد، وأيضًا 15 بيتًا في مرحلة لاحقة قد تكون قريبة. هناك نحو 50 شخصًا يتظاهرون بشكل يومي أمام البلدية والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية، ولكن هذا العدد لا يكفي، وإن كان يساعد أحيانًا في إرجاء الهدم، ولو إلى حين".
ويرى الزبارقة أن ردود الفعل لا ترقى إلى مستوى التهديد، قائلًا: "عمليات الهدم باتت تمر بسلام نسبة لما كانت عليه في فترات سابقة، سواء على المستوى الشعبي، أو حتى من قبل مؤسساتنا العربية في الداخل، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة مع الذات. هذا الأمر خطير جدًا على وجودنا. مر نحو عام على إقرار قانون كامينتس. القانون أعطى مهلة سنتين لترتيب قضية البيوت غير المرخصة وجعلها قانونية، ولكن هذه الفترة ليست كافية، لأن هناك تعقيدات كثيرة تواجه ترخيص البيوت العربية، تضعها المؤسسة الإسرائيلية نفسها، وبالتالي تعيق تنظيم البيوت، خاصة أن الشروط تعجيزية، بل شبه مستحيلة. أيضًا الميزانيات التي رُصدت للتخطيط بقيت على الورق؛ فلم تحصل كل السلطات المحلية العربية على الميزانيات اللازمة من قبل الحكومة، والسلطات المحلية ليست لديها مخططات تفصيلية، إذ تحتاج إلى ميزانيات هائلة، وأيضًا إلى وقت طويل يمتد لسنوات وليس سنتين. ومعظم العراقيل تأتي من قبل الحكومة وليس بسبب قصور سلطاتنا المحلية".
واختتم الزبارقة بأن "هنالك عدة مسارات علينا أن نقوم بالنضال عبرها، أولها المسار القضائي، ولكن هذا المسار بكل تأكيد لن ينصفنا، وبالتالي يبقى المسار الأهم هو المسار الجماهيري الشعبي"، ويرى كذلك أن "على أعضاء لجنة التدويل في القائمة المشتركة، أن يعززوا نشاط اللجنة وتحركاتها في سبيل تدويل القضية. هذا مهم جدًا لأن إسرائيل، وإن كانت متغطرسة، لا بد من أن تتأثر بالدول الأخرى والمؤسسات الدولية".
"نوايا غير صادقة"
من جانبه، يتّفق مخطط المدن، المهندس وجدي خلايلة، على أن "مهلة" السنتين التي قدّمتها إسرائيل غير كافية من الناحية العملية، قائلًا إن "تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع مستحيل، وبالتالي واضح أن نوايا الحكومة غير صادقة. لا يمكن إعداد خرائط تفصيلية خلال عامين". من ناحية تم سن القانون، ومن ناحية أخرى الحكومة الإسرائيلية لم تعتمد لجاننا لتسريع أعداد الخرائط، وهنا تكمن المشكلة، وبالتالي فإن القانون يقربنا أكثر من الهدم ويبعدنا عن الحلول".
ويردف قائلًا: "لدينا مشكلة في البلدات العربية الكبيرة (15 بلدة)، والتي وقّعت على اتفاقية مع وزارة الإسكان الإسرائيلية في محاولة لتوفير حلول، ولكن في الواقع لم تحصل هذه البلدات على الميزانيات التي تم الاتفاق عليها. كمرحلة أولى، بحسب الاتفاق، كان يجب أن تحصل هذه البلدات على 83 مليون شيقل لتنظيم قضايا السكن، ووضع الخرائط اللازمة، ولكن فعليًا حصلت من الحكومة فقط على نحو 27 مليون شيقل أو أقل".
ويشير إلى أنه "حتى في البلدات التي تم تقديم الخرائط الهيكلية فيها لم يكن الأمر كافيًا، فهي تحتاج في المرحلة التالية إلى خرائط مفصّلة، وفي مرحلة ثالثة إلى خرائط توحيد وتقسيم، وهذا يحتاج إلى سنوات"، موضحًا أنه "إذا وجدت خارطة هيكلية، فإن المرحلتين الأخريين تحتاجان إلى نحو 6 سنوات، وإذا لم تتوفر فالوقت أطول".
تبعًا لذلك، يخلص خلايلة إلى الاستنتاج بأن "هذا معناه أنه لا توجد رخص للبناء، فيما أن الحاجة نتيجة الزيادة الطبيعة تدفع الناس للبناء حتى بدون رخص".
وعن الحلول الممكنة، يرى خلايلة أن الأمر "يكمن في تجميد هدم أكثر من 50 ألف بيت عربي، صادرة بحقها أوامر هدم. يمكن التوصل إلى اتفاق بحيث تتعهد السلطات المحلية العربية بمنع أي بناء جديد بدون رخص في مناطق نفوذها، ولكن قبل هذا يجب أن تكون هناك نوايا صادقة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وهنا المشكلة عادة لجهة أنها لا تتوفر، من أجل تعجيل الخرائط التي تودع في المؤسسات الرسمية، لا أن تبقيها وتماطل فيها سنوات".
مشاريع إسكانية تمييزية
وضعت الحكومة الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، مخططًا إسكانيًا هو موجه، نظريًا، لجميع المواطنين، لكن من الناحية العملية؛ هو غير ملائم لفلسطينيي الداخل، لا على المستوى المالي ولا الاجتماعي.
ويقول المهندس خلايلة، في هذا السياق: "عندما نتحدث اليوم عن توسيع المسطحات، فإن 70 في المئة من الناس في البلدات الفلسطينية ليس لديهم أراض، والحل يكمن بالحصول على قسائم بناء مما يُسمى أراضي الدولة، ومثل هذه الأراضي أيضًا قليلة نسبيًا في البلدات الفلسطينية، وحتى الموجودة منها تُسوق بطرق غير ملائمة للمجتمع الفلسطيني في الداخل".
"السعر للساكن"، تلك كانت إحدى أكبر خطط الحكومة الإسرائيلية لتوفير حل لمشكلة الغلاء بالسكن في السنوات الأخيرة، والتي تمنح أراضي بأسعار مخفضة نسبيًا، ثم يفوز بالمناقصة المقاول الذي يقدم أقل سعر للبناء، بالإضافة إلى منح "هبة" لشراء بيت، بهدف أن يكون سعر البيوت رخيصًا بمفهومهم. لكن المشكلة، كما يوضح خلايلة، هي أن المؤسسات الإسرائيلية تضع معايير ملائمة للوسط اليهودي، من حيث القوة المالية والشرائية، وليس للمجتمع الفلسطيني، إذ لا يمكن مقارنة دخل الفرد فيه بمعدل الدخل عند الفرد اليهودي.
ويبيّن كذلك أن الحكومة الإسرائيلية "حتى عندما حددت الفئات التي يمكنها الحصول على شقة سكنية في إطار هذا المخطط، ذكرت المتزوجين أو العازبين فوق 35 عامًا، وهذا لا يلائمنا كمجتمع عربي؛ فالمتزوجون يكونون قد تدبّروا أمورهم، حتى لو كان ذلك من خلال الاستئجار أو البيوت غير المرخصة. لذلك نرى اليوم أن 122 ألف شخص حصلوا على شهادات استحقاق في البلدات اليهودية لشراء بيوت، فيما كانوا عند العرب أقل من 1000 شخص، عدا عن أن الناس في مجتمعنا العربي لا يعرفون الكثير عن المشروع، ويبدو أن الحكومة غير معنية بتسويقه لرفع الوعي للمشروع نفسه عند العرب، رغم أن المعلومات متوفرة بشكل كبير باللغة العبرية".
ويستدرك قائلًا إنه "حتى لو أحيط السكان العرب بجوانب الموضوع، فمن الصعب أن يتمكنوا من تحصيل بيت"، مضيفًا أن "المباني المقترحة لا تناسب طبيعة حياتنا التي اعتدنا عليها. نحن طالبنا الجهات المعنية بإحداث تغييرات، ولكن بالمجمل الأمر لا يبشر بالخير، كما يبدو حاليًا".
"الراية البيضاء ممنوعة"
بدوره، يؤكد مازن غنايم، رئيس بلدية سخنين، ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في الداخل الفلسطيني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الإسرائيلية تعمّق أزمة الإسكان في المجتمع الفلسطيني في الداخل، من خلال سياساتها، فضلًا عن عدم التزامها بالاتفاقيات التي يتم التوصل إليها بين الطرفين.
ويقول غنايم: "أكثر جسم عمل من أجل تجميد أوامر الهدم هو اللجنة القطرية. كان لنا مع مركبات القائمة المشتركة اجتماع مع إيريز كامينتس، الذي يحمل قانون كامينتس اسمه، ومع المستشار القضائي للحكومة، وأطلعناهما على خطورة هدم البناء غير المنظم في المجتمع الفلسطيني. أوضحنا أننا كمجتمع لا نبني لأننا نريد مخالفة القانون، ولكن لأن الحكومة لا توفر الميزانيات لكي نخطط تخطيطًا سليما لبلداتنا. اتفقنا أن يتم تجميد الهدم لفترة تتراوح بين عامين ونصف وثلاثة أعوام، وأن نعمل معًا لإيجاد الحلول.
ويضيف: "نحن كسلطات محلية لدينا الجرأة لنأخذ على عاتقنا منع أي مواطن من أن يبني خارج الخط الأزرق (مناطق نفوذ البلدات)، لكن حتى اليوم لا وزير ولا مستشار قضائي للحكومة ولا إيريز كامينتس أخذ على عاتقه هذه المسؤولية".
ويؤكد كذلك أن الفلسطينيين في الداخل حتى لو كانوا يملكون الأراضي ويمنحون الأموال اللازمة، فهم يحتاجون من 7-8 سنوات لوضع الخرائط المطلوبة، "وهذا بسبب المؤسسات الحكومية وليس بسببنا"، كما يقول، مستطردًا إن "دولة تحترم نفسها لا تعرقل الخرائط لمدة كهذه. لو أن الحكومة جادة بحل المشكلة، فعليها في غضون عام أن تحل مشاكلنا. من بنوا بدون تراخيص فعلوا ذلك لأنه ليس لديهم حلول أخرى، ولكن كما قلت؛ الحكومة وأذرعها لا تتجاوب مع ما طرحناه".
ويلفت غنايم، كذلك، إلى أن "هناك فتورًا في رد الفعل الفلسطيني في الداخل، وهذا إن دل فيدل على يأس المواطن، وإن كان لا يجوز أن نرفع الراية البيضاء، فعلى ما يبدو كُتب علينا أن نعاني. كنا نؤمن وما زلنا بأهمية الشهادة الجامعية لنا كمجتمع، ثم بدأنا نتحدث ونستشعر حاجتنا للأرض والمسكن، والآن نتحدث عن أهمية الحد من العنف، بمعنى أن لدينا مشاكل كثيرة ومعقدة في مجتمعنا دائمًا، وحكومة إسرائيل تعمّقها، وحتى لو خرج المواطن للتعبير عن رأيه في تظاهرة سلميّة، يجد نفسه في السجن وتفرض عليه غرامات عالية، انتقامًا منه. مع هذا كله يجب عدم الاستسلام؛ النضال الشعبي مهم جدًا، وعلينا أن نواصل المطالبة بحقوقنا، حتى لو كان الثمن اعتقالنا وتغريمنا".