دخلت العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي وفصائل تتبع للمعارضة السورية منعطفاً جديداً، أمس السبت، إثر انتزاع السيطرة على بلدة مهمة في منطقة عفرين من "وحدات حماية الشعب" الكردية، إذ بدأ الخناق يضيق على الأخيرة بعد نحو 40 يوماً من المعارك التي تؤكد أنقرة أنها مستمرة حتى طرد "الوحدات" إلى شرقي الفرات. وغير بعيد عن منطقة عفرين، تستعر الاشتباكات بين "جبهة تحرير سورية"، أكبر فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، وبين "هيئة تحرير الشام" المتهمة بالتطرف لتعديل خارطة السيطرة في محافظة إدلب. وتواصل "الهيئة"، التي تشكل "جبهة النصرة"، نواتها الصلبة، رحلة تراجع عن بعض مناطق سيطرتها في جبل الزاوية بعد هجوم معاكس شنته "جبهة تحرير سورية" هناك. ومن المتوقع أن تستمر المعارك حتى القضاء على "هيئة تحرير الشام" لسحب أي ذريعة لاستهداف إدلب من قبل النظام السوري وحلفائه.
وسيطر الجيشان التركي والسوري الحر، أمس السبت، على مركز ناحية راجو، ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة عفرين، وذلك إثر اشتباكات، وصفتها وكالة "الأناضول" التركية بـ"العنيفة"، وأدت لانسحاب عناصر "الوحدات" الكردية منها. وتعد راجو الناحية الثانية، بعد بلبل، التي يتم انتزاع السيطرة عليها، في إطار عملية "غصن الزيتون" المتواصلة منذ 20 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي تهدف الى طرد "الوحدات" الكردية من غرب نهر الفرات بشكل كامل. وبعد السيطرة على راجو، ارتفع عدد النقاط التي سيطر عليها الجيشان التركي والسوري الحر إلى 123، بينها 93 قرية، و6 مزارع، و21 جبلاً وتلة استراتيجية، وقاعدة عسكرية واحدة، علاوة على مركزي الناحيتين المذكورين. إلى ذلك، أعلنت رئاسة الأركان التركية، أمس السبت، "تحييد 2434 إرهابياً منذ انطلاق عملية غصن الزيتون" في منطقة عفرين السورية، مؤكدة، في بيان، استمرار العملية ضد المسلحين الأكراد في المنطقة.
كما سيطر الجيشان السبت على جبل بافيلون الاستراتيجي الواقع شرق مدينة عفرين بعد معارك عنيفة مع الوحدات الكردية وفق مصادر في الجيش السوري الحر، أكدت أن قرية بافيلون، التي تقع قرب الجبل، باتت "ساقطة نارياً"، مشيرة إلى أنه تمت السيطرة أيضاً على قريتي الرمادية وجميلك على محور جنديرس، وبذلك تم الاقتراب من تضييق الخناق على "الوحدات" الكردية في ناحية جنديرس. وبث الجيش السوري الحر مقاطع فيديو تظهر مقاتليه داخل بلدة راجو، وهم ينزعون علم النظام السوري عن مبانٍ في البلدة، ما يؤكد التنسيق الكامل بين "الوحدات" الكردية وقوات النظام.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 36 عنصراً على الأقل من "القوات الشعبية" التابعة للنظام، قتلوا جراء غارات تركية استهدفت أمس السبت، موقعاً تابعاً لهم في منطقة عفرين. وأشار إلى أن الطائرات التركية استهدفت موقعاً لهذه القوات في قرية كفرجنة في شمال عفرين. وكان قتل 10 عناصر على الأقل، وأصيب آخرون، أول من أمس، من "القوات الشعبية" التابعة للنظام، والتي أرسلها لمساندة الأكراد في عفرين. وأكدت مصادر أن الجيش التركي استهدف، أول من أمس، نقطة لتلك القوات في قرية كورا التابعة لمنطقة راجو. وكان النظام أرسل قوات تابعة له تحت مسمّى "القوات الشعبية" بعد أن رفض الجانب الروسي اتفاق "الوحدات" الكردية مع النظام لإدخال قوات تابعة للأخير في محاولة لخلط الأوراق تجنب المسلحين الأكراد الهزيمة على يد الجيش التركي في عفرين، وتبقيها ولو بشكل رمزي في المنطقة. وبات من الواضح أن أنقرة ماضية في العملية العسكرية حتى تحقيق هدفها في تقويض مساعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي تعد الوحدات الكردية ذراعه العسكرية، في إنشاء إقليم ذي طابع كردي في شمال وشمال شرقي سورية. ولا تخفي أنقرة نيتها تطوير عملية "غصن الزيتون" في مرحلة لاحقة كي تشمل مناطق أخرى شمال وشمال شرقي مدينة حلب يسيطر عليها الأكراد، أبرزها تل رفعت ومنبج غربي نهر الفرات.
وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس السبت، أنه تلقى عرضاً من وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يقضي بإخراج عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي من منطقة منبج، مقابل تقاسم السيطرة الأمنية على المنطقة بين أنقرة وواشنطن. وأضاف "عندما زارنا وزير الخارجية الأميركي، عرض علينا أن يتم إخراج الاتحاد الديمقراطي، مقابل تقاسم الجانب الأمني في المنطقة مناصفة بيننا وبين الأميركيين، فأجبناهم بأن الجانب الأمني يجب ألا يكون لنا أو لكم، بل يجب أن يعود الأمر إلى سكان منبج الأصليين". وأوضح أن "ما يقصده الأميركيون، هو أن نقوم بالتعاون فيما يخص الجانب الأمني معاً، بهدف إعادة السكان العرب الأصليين إلى منبج، وهذا أمر لا بد منه، ونحن نود أن نرى انعكاس هذا الكلام على أرض الواقع". وبخصوص عملية "غصن الزيتون" في عفرين، أشار إلى أنه لا يوجد أي خلاف مع روسيا بشأنها.
على صعيد آخر، تواصل "جبهة تحرير سورية" التابعة للمعارضة السورية معاركها مع "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة"، ثقلها الرئيسي في ريف إدلب. وسيطرت "الجبهة"، أمس السبت، على بلدة حزارين، فيما ذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن المعارك مستمرة لطرد "هيئة تحرير الشام" من كل من أرنبة، وعين لاروز، والموزرة، وكفرعويد، وكفرنبل، وسفوهن، وتلة سفوهن، والفطيرة في ريف إدلب.
من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن ما سمّاها بـ "حرب الإلغاء" مستمرة بين كبرى فصائل الشمال السوري في محافظتي إدلب وحلب، وبين "هيئة تحرير الشام"، مشيراً إلى وقوع "اشتباكات عنيفة" بعد منتصف ليل الجمعة-السبت، بين "جبهة تحرير سورية" من جهة، و"هيئة تحرير الشام" من جهة أخرى في محيط دارة عزة في ريف حلب الغربي. وتضم "جبهة تحرير سورية" فصيلي "أحرار الشام" و"نور الدين زنكي"، وتتلقى مساندة من فصائل أخرى، منها "صقور الشام" و"الفرقة 13"، و"جيش إدلب الحر"، وغيرها. وكانت الاشتباكات بدأت بين الطرفين في العشرين من فبراير/شباط الماضي، عقب تشكيل "جبهة تحرير سورية"، إذ حاولت "الهيئة" وأد التشكيل الجديد، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.
ولا تزال "هيئة تحرير الشام" تسيطر على مدينة إدلب مركز المحافظة، والتي تعد معقلها البارز، كما تسيطر على مدن وبلدات مهمة في ريف إدلب، منها سراقب، وجسر الشغور، إضافة إلى سرمدا وباب الهوى، وسلقين، وحارم. وتواجه "الهيئة"، إضافة إلى فصائل المعارضة السورية، غضباً شعبياً متصاعداً تجلى في تظاهرات حاشدة خرجت خلال الأيام القليلة الماضية في عدة مدن وبلدات تندد بممارسات "الهيئة" التي حاولت تطبيق سياسة متشددة على المدنيين أخيراً، في وقت كانت تتراجع فيه أمام قوات النظام ومليشيات إيرانية في ريف إدلب الشرقي، التي سيطرت على مطار أبو الظهور العسكري الذي كان تحت سيطرة "الهيئة". وبات الصراع بين "الجبهة" و"الهيئة" مفتوحاً على كل الاحتمالات في ظل فشل وساطات التهدئة، ومن المتوقع أن يتصاعد أكثر في حال اتجهت فصائل "الجبهة" إلى معاقل "الهيئة"، خصوصاً مدينتي إدلب وجسر الشغور.