لم يجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خارج برلين على عجل، أمس الثلاثاء، لتهنئة اللاجئين في يومهم العالمي، الذي يحل اليوم الأربعاء، 20 يونيو/ حزيران، لكن موضوع هؤلاء المهجرين قسراً من كوارث بلدانهم، هيمن على كل دقيقة من الساعات الأربع للقاء زعيمي أكبر دولتين أوروبيتين، سياسياً واقتصادياً.
صحيح أن جدول أعمال القمة الفرنسية ــ الألمانية التمهيدية للمجلس الأوروبي (28 و29 يونيو الحالي في بروكسل) عجّت بعناوين كانت حتى الأمس القريب الهاجس الأكبر للمشروع الأوروبي المتعثّر، مثل منطقة اليورو والمشروع الدفاعي الأوروبي المشترك والحرب التجارية العالمية التي يشنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العالم وعلى القارة العجوز خصوصاً، غير أن الهمّ الأكبر اليوم لأجندة حكام أوروبا، هو موضوع اللاجئين.
لاجئون صار العالم إزاء قضيتهم وحيال استقبالهم أو طردهم وتركهم يموتون غرقاً أو جوعاً أو حرباً أو اضطهاداً، عالمَين غير متساويين في ميزان القوى: أحدهم أقلوي، يتمسك، على الرغم من الأكلاف السياسية، بمنطق أخلاقي إنساني بالتعامل معهم، مثلما تفعل أنجيلا ميركل، وعالم أكثري آخر، يقوده دونالد ترامب وزعماء دول أوروبية وصل اليمين الفاشي والشعبوي إلى حكمها، مثل النمسا والمجر وبولندا وإيطاليا، تتخذ من عناوين الانغلاق وكره "الغريب" والخوف من الاختلاط وحماية الهوية الوطنية والعرق، شعاراً لا أخلاقياً يذهب ضحيته يومياً قتلى بالعشرات والمئات والآلاف في صفوف المهاجرين واللاجئين القسريين والسريين، على غرار حادثة سفينة أكواريوس والفضيحة الأخلاقية التي تعاملت بها كل من مالطا وإيطاليا وفرنسا، قبل أن تستقبل إسبانيا بحكومتها الاشتراكية ركابها الـ690 وتنقذهم من جوعهم وغرقهم المحتم.
لم يجتمع ماكرون وميركل لتهنئة اللاجئين في يومهم العالمي، طبعاً، فماكرون صار في معسكر هو الأقرب إلى كارهي هؤلاء المهجرين من العالم الثالث، وبلده لم يستقبل حتى اليوم سوى 8 آلاف لاجئ بحجج أمنية ــ هوياتية ــ اقتصادية، في مقابل أضعاف مضاعفة احتضنتهم ألمانيا ــ ميركل. لكن ميركل ربما لن تتمكن وحيدة من مواصلة مواجهة الضغوط الداخلية الممارسة عليها من حلفائها اليمينيين المتشددين في هذا الملف، فكان لا بد لها من طلب النجدة الفرنسية، ذلك أنه لم يعد أمامها سوى أقل من أسبوعين للتوصل إلى اتفاق أوروبي لتقاسم أعباء اللاجئين في أوروبا، تحت طائلة انفراط عقد حكومتها والذهاب إلى انتخابات مبكرة ليس مضموناً أن تفوز بها المستشارة وحزبها.
في ظل هذه الظروف، عُقدت القمة الألمانية ــ الفرنسية، أمس، خارج برلين، من دون أن يظهر ما يؤكد أن ميركل نالت فعلاً دعماً فرنسياً لطلبها بالمساعدة الفرنسية، التي تبدأ بالتزام فرنسي في رفع عدد اللاجئين المقبولين في بلد ماكرون. فبعد عام من انتخابه فقط، خفت الحماسة التي سكنَت ماكرون في الأيام الأولى من ولايته إلى درجة كبيرة، فلم تعد تظهر الحميمية التي كانت تطبع العلاقات بين الجارين الكبيرين، وحل محلّ ذلك نوع من الحذر ومن خفوت طموح البناء الأوروبي أمام الانهيارات المتتالية في قلب الاتحاد.
الانقسامات الأوروبية لها دورٌ في وضعية أوروبا الحالية، خصوصاً مع اتخاذ بعض دول شرق أوروبا وأيضا النمسا وإيطاليا وبريطانيا، مواقف سياسية واجتماعية متمردة على أوروبا، فرنسا وألمانيا أولاً. وإذا كان الرئيس الفرنسي يشعر بكثير من الحرية في إدارة شؤون بلده، بسبب تمتعه بأغلبية برلمانية مريحة، وبسبب انهيار كل المعارضات في بلده، فإن الوضع في الجارة ألمانيا ليس مساعداً لبناء تحالف قوي قادر على قيادة القاطرة الأوروبية وإعادة بث الحياة فيها بعد "بريكسيت" البريطاني والمد اليميني المتطرف الذي تلاه. هكذا، تعيش ميركل اليوم خريفها السياسي، ليس فقط داخل البلد، وبل وداخل حزبها "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" أيضاً، مع ظهور قيادات شابة متمردة حتى على سياسة ميركل "الإنسانية" تجاه اللاجئين.
وإذا كانت أوروبا قد استطاعت أن تدير أمورها، خلال ثلاث سنوات، بالقليل من النجاح وبالكثير من الفشل، في ما يتعلق بقضية المهاجرين واللاجئين، إلا أن الواقع السياسي الجديد، قبل أسابيع، مع وصول يمين شعبوي متحالف مع يمين متطرف في بلد قوي ومن مؤسّسي الاتحاد الأوروبي، كإيطاليا، بعد نجاح تجربة مماثلة في النمسا، يقلب كثيراً من الأوراق، ويحدّ من حرية القرار الألماني، حين كانت ألمانيا ــ ميركل تفتخر باستقبالها مئات الآلاف من اللاجئين.
اقــرأ أيضاً
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن المستشارة الألمانية التي عانت الأمَرَّين في سبيل تشكيل حكومتها بعد فوزها الخجول في سبتمبر/ أيلول الماضي، تجد يديها مُكبَّلتين من قبل حزب حليف في الحكومة، وهو "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، والذي يمتلك وزارة الداخلية، وعلى رأسها رئيس الحزب، هورست زيهوفر، الذي يهدد بـ"طرد فوري لكل طالبي اللجوء المسجلين في دول أخرى إلى الحدود". وما كان ينقص سوى دخول دونالد ترامب على الخط مؤازراً زيهوفر، ضد المستشارة ميركل، فغرّد ما مفاده أن "الشعب الألماني ينقلب على مستشارته بسبب سياستها الانفتاحية تجاه اللاجئين". هكذا، تصبح الفضيلة مذمّة في عالم ترامب و"بريكسيت" واليمين المتطرف وعودة زمن القوميات والهويات الضيقة.
وفي الداخل الألماني أيضاً، انقلبت الأريحية التي عبّر عنها الألمان، في تماهٍ مثير للإعجاب مع قرارات جريئة لميركل، إلى شعور بالقلق لدى أغلبية الشعب الألماني، وكشفت بعض استطلاعات الرأي الأخيرة عن تأييد غالبية الألمان لتسريع طرد المهاجرين، ممن رُفضت طلبات لجوئهم. كما يرى 62 في المائة من الألمان أنه يجب إغلاق الأبواب أمام الوافدين الجدد من المهاجرين، وهو ما يحظى بدعم صريح من قِبل وزير الداخلية الألماني، فيما تعارضه المستشارة.
وتراهن ألمانيا على موقف فرنسي قوي وداعم للموقف الألماني ومتفهم للوضعية الحرجة التي تعيشها ميركل حالياً. كما تراهن على تنسيق المواقف استعداداً للقمة الأوروبية الذي ستعقد يومي 28 و29 يونيو الحالي. ولكن فرنسا، التي أدارت، بشكل سيئ، قضية سفينة "أكواريوس"، التي رفضت السلطات الإيطالية السماح لها بالرسو في موانئها، ورفضت فرنسا أيضاً، استقبالها، قبل أن تستقبلها الحكومة الاشتراكية الجديدة في إسبانيا، لا تستطيع أن تقدّم الشيء الكثير. ففرنسا ــ ماكرون لم تَفِ بتعهداتها السابقة في استقبال المهاجرين، ولم تسمح سوى بدخول 8 آلاف لاجئ من بين 30 ألف مهاجر تعهّدت باستقبالهم سابقاً. كما أنها تستعد للتصويت النهائي على مشروع قانون صارم ومتشدد في حق المهاجرين وكل من رُفضت طلبات لجوئهم في فرنسا، وهو ما أعلنت كل الجمعيات الحقوقية والطبية والإغاثية أنه قانون يعارض الاتفاقات الدولية والمبادئ الإنسانية والالتزامات الأوروبية.
انتظرت فرنسا وألمانيا أن تخرج القمة بـ"خريطة طريق" يتمّ تسويقها أوروبياً، وخصوصاً أن قضايا الهجرة لا يمكن حلّها على الصعيد الوطني بسبب فتح الحدود، وهو ما يحتم سياسة أوروبية موحّدة تبقى مستحيلة بسبب شرط الإجماع لا التصويت الذي يكبّل الاتحاد منذ تأسيسه. ويراهن الفرنسيون على اتفاق جوهري يتمخّض عن هذا اللقاء، وقد تم التطرق فيه إلى كل المقترحات في هذا الصدد، ومن بينها تشديد المراقبة على الحدود الأوروبية، أي تعزيز آلية "فرونتيكس"، وهي الوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وأيضاً تسريع وتيرة دراسة طلبات اللجوء، التي تتميز بكثير من البطء والبيروقراطية في بعض دول الاتحاد، خصوصاً فرنسا، من دون إهمال المقترح الألماني المُلحّ في تقاسم المهاجرين وتوزيعهم بشكل عادل على دول الاتحاد، وهو ما ترفضه كثير من دول شرق أوروبا والنمسا، وتتحايل عليه دول أخرى، كفرنسا.
ولا يمكن لماكرون وميركل أن يتعاملا باستخفاف مع المستجد الإيطالي، بعد ولادة حكومة جوسيبي كونتي التي جمعت اليمين المتطرف الشمالي، والشعبويين الجنوبيين، وخصوصاً أن الأغلبية السياسة في إيطاليا، مدعومة برأي عام مُعادٍ للمهاجرين (من دون تعميم طبعاً)، لم تعد تَقبل بمعاهدة دبلن وتطالب بتعديلها، وهي الاتفاقية الموقّعة عام 1990 وتعتبر بمثابة النظام القانوني الأوروبي لتنسيق التعامل الموحّد في قضايا اللجوء، وتحديد الدولة العضو المسؤولة عن دراسة طلبات اللاجئين، والإجراءات المنظمة لهذه الطلبات وحقوق وواجبات كلا الطرفين.
تبقى الإشارة إلى أن أي اتفاق حول الهجرة لن يُكتَب له النجاح، إلا بموافقة وتبنّي دول متشددة له، كبولونيا والمجر والنمسا، ثم إيطاليا، التي انضمت إلى هذه المواقف، في شخص وزير داخليتها، ماتيو سالفيني، زعيم "رابطة الشمال" الإيطالية، متبوعة بوزير الداخلية الألماني، من دون نسيان مواقف وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب المتطرفة.
الزمن هو زمن تطرف سياسي عرقي في دول أوروبية يزداد عددها في كل استحقاق انتخابي منذ سنوات، ويبدو، الآن، أن مواقف أنجيلا ميركل الإنسانية، سنة 2015، أصبحت معزولةً ومرشَّحة للتعديل، بشكل جذري، في حال وضعت همّ الحفاظ على غالبيتها الحكومية على حساب سياسات الحد الأدنى من الإنسانية. أما إيمانويل ماكرون، فيُرجَّح أن يظل متمسكاً بالتوصل إلى اتفاق مع الدول الأفريقية التي يتحدر منها عدد كبير من المهاجرين لوقف تدفقهم، ومع دول "العبور"، حتى يتم نصب معسكرات لانتقاء من يحق له الوصول إلى القارة العجوز. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة. قد يشمل الأمر "المهاجرين الاقتصاديين"، ولكن المنظمات الإنسانية والحقوقية والطبية الفرنسية والأوروبية تتساءل: ماذا عن المهاجرين السياسيين، وماذا عن اللاجئين عموماً، الذين تساهم سياسات أوروبا وأسلحتها في تهجيرهم وتشتيتهم في بلدان العالم؟
صحيح أن جدول أعمال القمة الفرنسية ــ الألمانية التمهيدية للمجلس الأوروبي (28 و29 يونيو الحالي في بروكسل) عجّت بعناوين كانت حتى الأمس القريب الهاجس الأكبر للمشروع الأوروبي المتعثّر، مثل منطقة اليورو والمشروع الدفاعي الأوروبي المشترك والحرب التجارية العالمية التي يشنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العالم وعلى القارة العجوز خصوصاً، غير أن الهمّ الأكبر اليوم لأجندة حكام أوروبا، هو موضوع اللاجئين.
لاجئون صار العالم إزاء قضيتهم وحيال استقبالهم أو طردهم وتركهم يموتون غرقاً أو جوعاً أو حرباً أو اضطهاداً، عالمَين غير متساويين في ميزان القوى: أحدهم أقلوي، يتمسك، على الرغم من الأكلاف السياسية، بمنطق أخلاقي إنساني بالتعامل معهم، مثلما تفعل أنجيلا ميركل، وعالم أكثري آخر، يقوده دونالد ترامب وزعماء دول أوروبية وصل اليمين الفاشي والشعبوي إلى حكمها، مثل النمسا والمجر وبولندا وإيطاليا، تتخذ من عناوين الانغلاق وكره "الغريب" والخوف من الاختلاط وحماية الهوية الوطنية والعرق، شعاراً لا أخلاقياً يذهب ضحيته يومياً قتلى بالعشرات والمئات والآلاف في صفوف المهاجرين واللاجئين القسريين والسريين، على غرار حادثة سفينة أكواريوس والفضيحة الأخلاقية التي تعاملت بها كل من مالطا وإيطاليا وفرنسا، قبل أن تستقبل إسبانيا بحكومتها الاشتراكية ركابها الـ690 وتنقذهم من جوعهم وغرقهم المحتم.
في ظل هذه الظروف، عُقدت القمة الألمانية ــ الفرنسية، أمس، خارج برلين، من دون أن يظهر ما يؤكد أن ميركل نالت فعلاً دعماً فرنسياً لطلبها بالمساعدة الفرنسية، التي تبدأ بالتزام فرنسي في رفع عدد اللاجئين المقبولين في بلد ماكرون. فبعد عام من انتخابه فقط، خفت الحماسة التي سكنَت ماكرون في الأيام الأولى من ولايته إلى درجة كبيرة، فلم تعد تظهر الحميمية التي كانت تطبع العلاقات بين الجارين الكبيرين، وحل محلّ ذلك نوع من الحذر ومن خفوت طموح البناء الأوروبي أمام الانهيارات المتتالية في قلب الاتحاد.
الانقسامات الأوروبية لها دورٌ في وضعية أوروبا الحالية، خصوصاً مع اتخاذ بعض دول شرق أوروبا وأيضا النمسا وإيطاليا وبريطانيا، مواقف سياسية واجتماعية متمردة على أوروبا، فرنسا وألمانيا أولاً. وإذا كان الرئيس الفرنسي يشعر بكثير من الحرية في إدارة شؤون بلده، بسبب تمتعه بأغلبية برلمانية مريحة، وبسبب انهيار كل المعارضات في بلده، فإن الوضع في الجارة ألمانيا ليس مساعداً لبناء تحالف قوي قادر على قيادة القاطرة الأوروبية وإعادة بث الحياة فيها بعد "بريكسيت" البريطاني والمد اليميني المتطرف الذي تلاه. هكذا، تعيش ميركل اليوم خريفها السياسي، ليس فقط داخل البلد، وبل وداخل حزبها "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" أيضاً، مع ظهور قيادات شابة متمردة حتى على سياسة ميركل "الإنسانية" تجاه اللاجئين.
وإذا كانت أوروبا قد استطاعت أن تدير أمورها، خلال ثلاث سنوات، بالقليل من النجاح وبالكثير من الفشل، في ما يتعلق بقضية المهاجرين واللاجئين، إلا أن الواقع السياسي الجديد، قبل أسابيع، مع وصول يمين شعبوي متحالف مع يمين متطرف في بلد قوي ومن مؤسّسي الاتحاد الأوروبي، كإيطاليا، بعد نجاح تجربة مماثلة في النمسا، يقلب كثيراً من الأوراق، ويحدّ من حرية القرار الألماني، حين كانت ألمانيا ــ ميركل تفتخر باستقبالها مئات الآلاف من اللاجئين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن المستشارة الألمانية التي عانت الأمَرَّين في سبيل تشكيل حكومتها بعد فوزها الخجول في سبتمبر/ أيلول الماضي، تجد يديها مُكبَّلتين من قبل حزب حليف في الحكومة، وهو "الاتحاد المسيحي الاجتماعي"، والذي يمتلك وزارة الداخلية، وعلى رأسها رئيس الحزب، هورست زيهوفر، الذي يهدد بـ"طرد فوري لكل طالبي اللجوء المسجلين في دول أخرى إلى الحدود". وما كان ينقص سوى دخول دونالد ترامب على الخط مؤازراً زيهوفر، ضد المستشارة ميركل، فغرّد ما مفاده أن "الشعب الألماني ينقلب على مستشارته بسبب سياستها الانفتاحية تجاه اللاجئين". هكذا، تصبح الفضيلة مذمّة في عالم ترامب و"بريكسيت" واليمين المتطرف وعودة زمن القوميات والهويات الضيقة.
وفي الداخل الألماني أيضاً، انقلبت الأريحية التي عبّر عنها الألمان، في تماهٍ مثير للإعجاب مع قرارات جريئة لميركل، إلى شعور بالقلق لدى أغلبية الشعب الألماني، وكشفت بعض استطلاعات الرأي الأخيرة عن تأييد غالبية الألمان لتسريع طرد المهاجرين، ممن رُفضت طلبات لجوئهم. كما يرى 62 في المائة من الألمان أنه يجب إغلاق الأبواب أمام الوافدين الجدد من المهاجرين، وهو ما يحظى بدعم صريح من قِبل وزير الداخلية الألماني، فيما تعارضه المستشارة.
وتراهن ألمانيا على موقف فرنسي قوي وداعم للموقف الألماني ومتفهم للوضعية الحرجة التي تعيشها ميركل حالياً. كما تراهن على تنسيق المواقف استعداداً للقمة الأوروبية الذي ستعقد يومي 28 و29 يونيو الحالي. ولكن فرنسا، التي أدارت، بشكل سيئ، قضية سفينة "أكواريوس"، التي رفضت السلطات الإيطالية السماح لها بالرسو في موانئها، ورفضت فرنسا أيضاً، استقبالها، قبل أن تستقبلها الحكومة الاشتراكية الجديدة في إسبانيا، لا تستطيع أن تقدّم الشيء الكثير. ففرنسا ــ ماكرون لم تَفِ بتعهداتها السابقة في استقبال المهاجرين، ولم تسمح سوى بدخول 8 آلاف لاجئ من بين 30 ألف مهاجر تعهّدت باستقبالهم سابقاً. كما أنها تستعد للتصويت النهائي على مشروع قانون صارم ومتشدد في حق المهاجرين وكل من رُفضت طلبات لجوئهم في فرنسا، وهو ما أعلنت كل الجمعيات الحقوقية والطبية والإغاثية أنه قانون يعارض الاتفاقات الدولية والمبادئ الإنسانية والالتزامات الأوروبية.
انتظرت فرنسا وألمانيا أن تخرج القمة بـ"خريطة طريق" يتمّ تسويقها أوروبياً، وخصوصاً أن قضايا الهجرة لا يمكن حلّها على الصعيد الوطني بسبب فتح الحدود، وهو ما يحتم سياسة أوروبية موحّدة تبقى مستحيلة بسبب شرط الإجماع لا التصويت الذي يكبّل الاتحاد منذ تأسيسه. ويراهن الفرنسيون على اتفاق جوهري يتمخّض عن هذا اللقاء، وقد تم التطرق فيه إلى كل المقترحات في هذا الصدد، ومن بينها تشديد المراقبة على الحدود الأوروبية، أي تعزيز آلية "فرونتيكس"، وهي الوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وأيضاً تسريع وتيرة دراسة طلبات اللجوء، التي تتميز بكثير من البطء والبيروقراطية في بعض دول الاتحاد، خصوصاً فرنسا، من دون إهمال المقترح الألماني المُلحّ في تقاسم المهاجرين وتوزيعهم بشكل عادل على دول الاتحاد، وهو ما ترفضه كثير من دول شرق أوروبا والنمسا، وتتحايل عليه دول أخرى، كفرنسا.
تبقى الإشارة إلى أن أي اتفاق حول الهجرة لن يُكتَب له النجاح، إلا بموافقة وتبنّي دول متشددة له، كبولونيا والمجر والنمسا، ثم إيطاليا، التي انضمت إلى هذه المواقف، في شخص وزير داخليتها، ماتيو سالفيني، زعيم "رابطة الشمال" الإيطالية، متبوعة بوزير الداخلية الألماني، من دون نسيان مواقف وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب المتطرفة.
الزمن هو زمن تطرف سياسي عرقي في دول أوروبية يزداد عددها في كل استحقاق انتخابي منذ سنوات، ويبدو، الآن، أن مواقف أنجيلا ميركل الإنسانية، سنة 2015، أصبحت معزولةً ومرشَّحة للتعديل، بشكل جذري، في حال وضعت همّ الحفاظ على غالبيتها الحكومية على حساب سياسات الحد الأدنى من الإنسانية. أما إيمانويل ماكرون، فيُرجَّح أن يظل متمسكاً بالتوصل إلى اتفاق مع الدول الأفريقية التي يتحدر منها عدد كبير من المهاجرين لوقف تدفقهم، ومع دول "العبور"، حتى يتم نصب معسكرات لانتقاء من يحق له الوصول إلى القارة العجوز. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة. قد يشمل الأمر "المهاجرين الاقتصاديين"، ولكن المنظمات الإنسانية والحقوقية والطبية الفرنسية والأوروبية تتساءل: ماذا عن المهاجرين السياسيين، وماذا عن اللاجئين عموماً، الذين تساهم سياسات أوروبا وأسلحتها في تهجيرهم وتشتيتهم في بلدان العالم؟