أميركا بعد المليون إصابة: المواجهة على حالها والنفق طويل

28 ابريل 2020
نسب قياسية من الإصابات والوفيات في أميركا (الأناضول)
+ الخط -

إصابات كورونا في أميركا تجاوزت عتبة المليون وثلثَ الإصابات العالمية، بينما حالات الوفاة باتت تمثّل أكثر من ربع ضحايا الفيروس في العالم الذين تجاوزوا 200 ألف. نسبة قياسية أثارت تساؤلات مقلقة وتفسيرات مختلفة وسط حالة من الجدل والبلبلة حول كيفية التعامل مع المضاعفات والتطورات المفتوحة على شتى الاحتمالات، خاصة وأن المجهول حتى الآن ما زال أكثر من المعروف عن الفيروس، وفق تعبير أحد الأطباء.

ويزيد من البلبلة أن الجدل يتزايد مع دخول السياسة على خطه، وبما يشوش على التشخيصات الطبية السائدة، ومنها أن سوء التدبير وتجاوز أهل الاختصاص ساهما في استفحال الوباء. يضاف إلى ذلك ان النظام الصحي في اميركا معطوب، بالرغم من التفوق الطبي الذي يبقى في معظمه بخدمة القادرين على الوصول إليه، ولو أن هناك اعتقادا بدأ يتبلور ومفاده بأن الموجة كاسرة بطبيعتها كنتاج لتلوث البيئة والخلل في توازناتها، وبما يفسر شراسة الهجمة، ولو أن التهاون في التوقي منها قد ساعد في تفاقمها على الساحة الأميركية.

لكن كيفما كان الحال، يبقى أنه بعد كل هذه الكلفة والمدة ما زالت المواجهة الصحية والاقتصادية متعثرة والنفق طويلاً، والإدارة أدركت ذلك، وبدأت تضع الأميركيين في مثل هذا الجو. استبدلت لغة التفاؤل بلغة التحضير للآتي الموجع، وجاء ذلك على لسان المسؤولين في القطاعين الصحي والاقتصادي، وبما يخالف النهج الذي اعتمده الرئيس في مؤتمره الصحافي اليومي. مستشاره للشؤون الاقتصادية، كافن هاسّت، رسم صورة قاتمة للوضع الاقتصادي الذي سيشهد "معدلات بطالة مشابهة لتلك التي حصلت أثناء فترة الكساد الكبير"، قبل تسعين سنة، قائلًا إن الأشهر المقبلة ستكون قاسية.
كذلك وزير المالية، المعروف باعتداله وحرصه على النأي عن التشاؤم، أوضح أنّ الانتعاش لن يطل قبل "أواسط أو أواخر الصيف" إذا جرت حلحلة وانفكت العزلة خلال الشهرين القادمين، ولو أن معظم التقديرات الاقتصادية تستبعد الفرج خلال هذه المدة. حتى الرئيس نفسه تراجع عن خطابه الواعد بانفراج قريب، عندما أخذ على أحد حكام الولايات استعجاله لفك العزلة أواخر الأسبوع الماضي، بعد أن كان قد حرّضه قبل يوم على ذلك.

هذا التراجع المتعارض مع تطمينات الرئيس، وحديثه عن عودة مبكرة للدورة الاقتصادية، جاء في إطار استدراك فريق من لفيف وأنصار الرئيس بعد التحذيرات الطبية المتزايدة، وبعد فضيحة الخميس الماضي، عندما تحدث في مؤتمره الصحافي عن إمكانية استخدام المطهرات لمعالجة الفيروس. وصفته أثارت الذهول لدى الأوساط الطبية التي سارعت إلى الابتعاد عن نصيحة الرئيس، والتحذير من خطورة مثل هذه المواد الكيميائية، كما أثارت خضة في أوساط الجمهوريين في الكونغرس، الذين ضغطوا وألحّوا على ضرورة أن يترك الرئيس المنبر لأهل الاختصاص لتلافي تكرار مثل هذه "الهرطقة" المكلفة سياسياً وانتخابيا.


لكن الرئيس عاد أمس إلى الميكروفون بعد أن انقطع عنه يومين. "هرطقته" في تعامله مع الأزمة، وبشكل متناقض مع فريقه الطبي، وخسارة الورقة الاقتصادية التي كان يعول عليها وفريقه لتوظيفها في الانتخابات، صبّتا في تعزيز وضع منافسه الديمقراطي جو بايدن، ولو أن هذا الأخير غيّبته الأزمة عن المشهد الانتخابي بحكم العزلة الجبرية. تخبط البيت الأبيض تجيّر لحساب خصمه، في وقت يحصد فيه الوباء آلاف الأميركيين، ويجرى تسليط الأضواء على الأخطاء التي ساهمت في تكديس الحصاد الذي تقول الأوساط الطبية إنه كان بالإمكان تقليصه لو جرى اتخاذ اللازم في وقته. وهذا اللازم ما زال مفقوداً إلى حد بعيد، حتى الآن، وأهمه أن عملية المسح الصحي العام ما زالت في بداياتها، بعد أن تجاهلها البيت الأبيض بزعم أنها من "اختصاص وواجب الولاية" وليس الحكومة الفيدرالية.


الاعتقاد، بحسب الأرقام اليومية، أن الموجة وصلت إلى قمتها وبدأت بالهبوط، ولو أن سرعة النزول ومداه غير معروفين بعد. لكن شبح انتعاش الفيروس بعد فك العزلة ما زال قائماً. كما أن عودته في الخريف القادم شبه مؤكدة بحسب المرجع أنطوني فاوشي. مع ذلك، يجري التعامل مع الوضع كل يوم بيومه من غير خطة شاملة متكاملة تتكرر الدعوات لاعتمادها استباقاً للهجمة التالية. لكن من غير جدوى حتى الآن.

المساهمون