خطاب نصرالله: من نيجيريا إلى علم إيران وتكرار المواقف

22 ديسمبر 2015
من تشييع القنطار في الضاحية الجنوبية (حسين بيضون)
+ الخط -
أطلّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، على اللبنانيين مساء الإثنين للتعليق على اغتيال الأسير المحرّر سمير القنطار في سورية قبل أيام. قبل المضمون، جاءت إطلالة نصر الله أقلّ من عادية بنبرة هادئة وباهتة. وفي الشكل أيضاً، وضع القيّمون على الإطلالة صورة القنطار على خارطة لفلسطين مقسّمة أفقياً على الأحمر والأبيض والأخضر، كأنّ علم إيران يخرج من فلسطين، والقنطار يخرج من العلم الإيراني، بلا أي اعتبار لألوان الراية الفلسطينية أو العلم اللبناني. من هذه الخلفية المصوّرة يبدأ خطاب نصر الله، الذي جاء ليكرّس نفسه جهة سياسية أكبر من لبنان ومن المنطقة. بدأت كلمة نصر الله السياسية من نيجيريا ومناشدة المسؤولين فيها التدخّل لوضع حد للفتنة القائمة في تلك البلاد، في إشارة إلى الصدامات المذهبية مع أتباع رجل الدين الشيعي، إبراهيم الزكزاكي، والذي استنفرت إيران دبلوماسياً للاحتجاج عليها.
وعن اغتيال القنطار، لم يأت كلام نصر الله بأي جديد على مستوى اتّهام العدو الإٍسرائيلي بتصفية الأسير المحرّر. لكن الجديد كان في أنّ خزينة نصر الله فرغت من المواقف، الأمر الذي اضطره إلى العودة لخطابه في الثلاثين من يناير/كانون الثاني الماضي (بعد اغتيال إسرائيل لمجموعة من كوادر الحزب وضباط إيرانيين في الجنوب السوري). عاد نصر الله إلى ذلك الخطاب وكرّر فيه عبارة: "أي كادر من كوادر حزب الله المقاومين، أي شاب من شباب حزب الله يُقتل غيلة سنحمّل المسؤولية للإسرائيلي وسنعتبر أن من حقنا أن نردّ في أي مكان وأي زمان وبالطريقة التي نراها مناسبة". كأن الحزب وأمينه العام لم يعودا يملكان أي جديد لتقديمه على هذا المستوى، سوى إضافة صغيرة تقول إنّ الحزب "سيمارس هذا الحق بعون الله وتوفيقه وتأييده إن شاء الله".


توقف نصر الله عن هذا الحد في حديثه عن عملية الاغتيال، متجنِّباً الخوض في تفاصيل العملية وعما إذا كانت الطائرات الإسرائيلية دخلت الأجواء السورية لاغتيال القنطار، معتبراً أنّ "هذا تفصيل تقني لا يقدّم ولا يؤخّر". مع العلم أنّ لهذا "التفصيل" الكثير من الدلالات حول وجود تنسيق بين الطيران الروسي والإسرائيلي أولاً، وله مؤشراته على فاعلية نظام الدفاع الصاروخي الروسي (منظومة أس 400 التي نشرها الجيش الروسي في سورية) ثانياً، إضافة إلى كونه يحمل مجموعة من الرسائل الواضحة في إطار ما يعتبره الحزب "حماية أمن المقاومة" التي يبدو أنها باتت مكشوفة على طول أراضي سورية وعرضها. مع العلم أن نصر الله أشار إلى أن اغتيال القنطار "ليس عملية مبهمة تحتاج إلى تأمّل وتحقيق والبحث عن الخيوط"، كما لو أنّ الاغتيالات الأخرى التي تعرّض لها مسؤولون في الحزب سابقاً كانت بحاجة إلى تحقيقات ولحظات تأمل، بما في ذلك عملية اغتيال القائد العسكري في الحزب، عماد مغنية، في سورية عام 2008.

اقرأ أيضاً: جريمة اغتيال سمير القنطار برسم التنسيق الروسي ــ الإسرائيلي 

وسارع نصر الله إلى إسقاط ما تمّ تداوله إعلامياً حول تبنّي فصيل من المعارضة السورية المسلحة اغتيال القنطار، مشيراً إلى أنّ "من يقول ذلك، مع العلم أنه غير صحيح، يقوم بإدانة هذه الجماعات المسلحة التي يعني أنها تعمل في خدمة إسرائيل". لكن المقصود أيضاً من وراء إسقاط هذا الاتهام عن المعارضة السورية، وقبل كل شيء، تأكيد نصر الله أنّ حزبه أعلى رتبة من هذه المجموعات ولا تنافس بينهما، وهو ما قاله لاحقاً في هذا الخطاب إذ أشار إلى أنّ "حزب الله باعتراف أميركي يلعب دوراً كبيراً في لبنان وفي المنطقة وفي مواجهة المشروعين الصهيوني والأميركي". جاء هذا الموقف من باب الإشارة إلى الحرب الشاملة التي يخوضها الحزب على المستويات الأمنية والعسكرية والمالية والإعلامية. فربط نصر الله اغتيال القنطار بمنع بثّ المحطات الإعلامية المحسوبة على الحزب على بعض الأقمار الصناعية، وبالإجراءات التي اتّخذها الكونغرس الأميركي بحق الحزب للتضييق عليه مالياً.


في ظلّ هذه الحرب الكونية على حزب الله، قال نصر الله إن تصنيف حزب الله لدى الأميركيين انتقل من كونه منظمة إرهابية "بعد فشل تعميم هذا الاتهام" إلى "منظمة إجرامية، وبتنا متهمين بالاتجار المخدرات وغسيل الأموال والاتجار بالبشر". وهي ليست اتهامات جديدة في الأصل على اعتبار أنّ مسؤولين في الحزب، وأقارب لهم، كانوا متّهمين في قضايا مالية وأخرى متعلّقة بالتجار بمادة "الكيبتاغون" (مخدرات). أما قطع بث قنوات الحزب الإعلامية فوضعه نصر الله في إطار أنّ الأميركي "يريد أن يتهمك وهو يريد أن يحاكمك غيابياً وهو يريد أن يحكم عليك وهو يريد أن يعاقبك ويريد أن يقاتلك ويريد أن يقتلك وممنوع عليك أن تفتح فمك، وإذا فتحت فمك ممنوع أن يصل صوتك إلى أي مكان في هذا العالم". 

اقرأ أيضاً: سيناريوهات إسرائيلية لرد حزب الله: عملية محدودة وخسائر جدية

في ما يخص العقوبات المالية قال نصر الله إنه "لا يوجد لدينا أموال نودعها في المصارف اللبنانية، نحن من المنتج إلى المستهلك مباشرة"، في محاولة منه لاستباق الإجراءات المصرفية التي قد تكون باتت مفروضة على أي شخص عادي أو مستثمر قريب من الحزب أو حتى ينتمي إلى الطائفة الشيعية. ومن شأن عقوبات مماثلة إن بدأ تنفيذها، أن تضع الحزب في مواجهة هؤلاء، رجال الأعمال أو المستثمرين الشيعة في لبنان والعالم، والذين قد يرون أن مصالحهم أصبحت مهدّدة.

قال نصر الله إنّ كل هذه الاتهامات التي تطاول حزب الله تأتي في إطار "اتهام سياسي، وفي سياق سياسي، في سياق معركة سياسية وأمنية وعسكرية قاسية في المنطقة". فهذا الاتهام السياسي استكمال للحرب الكونية على الحزب، تماما كما يرى الحزب أن اتهام مسؤولين فيه من المحكمة الدولية باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وكذلك هو الاتهام السياسي الموجّه إلى الحليف الوزير السابق ميشال سماحة الذي أدخل عبوات ناسفة إلى لبنان بهدف إيقاع الفتنة الطائفية. ختم نصر الله كلامه بقوله "أن نكون أعداء لأميركا وإسرائيل، فهذه شهادة لنا ويعني أننا في المحور الصحيح وفي المعركة الصحيحة"... لكن هناك معركة أخرى يخوضها الطرفان بشكل موازٍ على الأقل، هي الحرب على "داعش"، حتى إن التماهي في المصطلحات بين الطرفين حول تلك المواجهة بات شبه كامل.
المساهمون