المعارضة السورية أمام تحدي إدارة إدلب

25 مايو 2015
إدلب تعاني من انقطاع الخدمات وتوقّف عمل المؤسسات (الأناضول)
+ الخط -
تقف قوات المعارضة السورية في الشمال السوري على بعد خطوات قليلة من إعلان محافظة إدلب أول محافظة سورية تسيطر عليها بالكامل، لتكون إدلب وريفها المنطقة الثانية التي تخرج عن سيطرة النظام السوري بالكامل، بعد الرقة وريفها التي سقطت بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في بداية خريف العام الماضي. ويطرح هذا التقدّم الميداني الكبير لقوات المعارضة في الشمال السوري تساؤلات حول مدى قدرتها على إدارة المنطقة التي تسيطر عليها، بعد طرد قوات النظام منها، وتوقّف جميع مؤسسات الدولة السورية التي كان يديرها النظام في إدلب وريفها.

فمع سيطرة المعارضة على مدينة إدلب الشهر الماضي، بدأ طيران النظام بحملة قصف يومية بالبراميل المتفجرة على المدينة، وخصوصاً على منطقة الساعة التي تُعتبر الوسط التجاري في المدينة، الأمر الذي أدى إلى دمار نسبة لا يستهان بها من البنية التحتية في المدينة، مع تسبّب القصف بتهجير أعداد كبيرة من سكان المدينة التي باتت تُعدّ أول مركز محافظة تسيطر عليها قوات المعارضة بالكامل.

أدى كل ذلك إلى اقتصار الحياة في المدينة على نزول من تبقى من سكانها صباحاً إلى الأسواق القليلة التي واصلت عملها لشراء حاجياتهم اليومية، ثم العودة لبيوتهم الخالية من خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات، لتقترب مع ذلك الحياة في مدينة إدلب من الاستحالة، في ظل التردي الكبير في الواقع الخدماتي، وتوقّف عمل المؤسسات الحكومية جميعاً، وإغلاق معظم المدارس والمؤسسات الطبية أبوابها أمام السكان، مع تواصل القصف بالبراميل المتفجرة على المدينة.

وعلى الرغم من أن قيام طيران النظام بقصف مدينة إدلب، بعد سيطرة قوات المعارضة عليها كان أمراً متوقعاً نظراً لسعي النظام السوري الدائم لمنع وجود أي منطقة آمنة، يمكن أن تستمر فيها الحياة الطبيعية للسكان خارج سيطرته، إلا أن وتيرة قصف الطيران للمدينة كانت مرتفعة بشكل يبدو أنه غير مسبوق، إلا في مناطق مدينة حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة.

ذلك أن النظام السوري سعى دائماً على مدار سنوات الحرب الثلاث الماضية إلى منع قابلية الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرته، من خلال قصفها عشوائياً بالبراميل المتفجرة، وصواريخ الطائرات الفراغية التي تسببت بتدمير البنية التحتية، وتهجير معظم السكان من المدن التي سيطرت عليها المعارضة، في الوقت الذي يواصل فيه الإعلام السوري الذي يديره مسؤولو النظام إطلاق وصف "المناطق الآمنة" على المناطق التي يسيطر عليها النظام، كاسم يوحي بأن المناطق التي لا يسيطر عليها النظام هي مناطق غير آمنة، يعتبرها النظام هدفاً مباحاً لطائراته.

يجعل كل ذلك تحدي توفير الأمن للسكان التحدي الأبرز أمام قوات المعارضة السورية التي تقدّمت بشكل غير مسبوق في الشمال السوري، وذلك لتتمكن من إيجاد بديل حقيقي للنظام على الأرض التي تسيطر عليها، من خلال توفيرها إلى حد معقول للأمن والخدمات الأساسية للسكان في المناطق التي سيطرت عليها، بعد أن كانت هذه المناطق تحت سيطرة النظام الذي يدير مؤسسات خدمية وتعليمية وصحية وأمنية كبيرة؛ هي في الأساس مؤسسات الدولة السورية.

ويبدو أن التنسيق العالي وغير المسبوق بين فصائل المعارضة في إدلب أخيراً، والذي تمثل بتشكيلها "جيش الفتح"، يمكن أن يُشكّل أرضية هامة للانطلاق منها نحو تشكيل مؤسسات أمنية تضبط الأمن، وتمنع التجاوزات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما سيسمح للفصائل المنضوية في هذا التشكيل بإنهاء خلافاتها التي تسببت في كثير من الأحيان في الفترة الماضية بظهور صدامات مسلحة في ما بينها، أثرت على الاستقرار الأمني في مناطق سيطرة المعارضة.

كما أن الاتصالات واللقاءات المستمرة خلال الشهرين الأخيرين، بين قيادة المعارضة المسلحة ومسؤولي الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف الوطني السوري المعارض، يمكن أن تُشكّل منطلقاً لتعاون الطرفين في مجال تشغيل بعض المؤسسات الخدمية الرئيسية، كمؤسسات التعليم والمؤسسات الطبية وغيرها، الأمر الذي سيضمن استمرار الحياة في مناطق سيطرة المعارضة في حد أدنى، يمكن في ما بعد الانطلاق منه لتطوير عمل المؤسسات التي تُشغّلها المعارضة في سبيل تشكيل بديل إداري حقيقي للسكان في المناطق التي طردت قوات المعارضة النظام السوري منها.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تسيطر على معسكر المسطومة الاستراتيجي في إدلب

ويبقى بعد ذلك أمام المعارضة تحدي لجم طيران النظام الذي سيواصل، كما اعتاد، استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، ليسبّب فيها مزيداً من الفوضى والدمار. ولكن من المتوقع تراجع قدرة الطيران على استهداف مناطق سيطرة المعارضة بكثافة عالية، مع سيطرة تنظيم "داعش" على مطار تدمر العسكري، ووصول قوات التنظيم إلى مطار "تي فور"؛ أكبر المطارات العسكرية السورية؛ والذي يقع في ريف حمص الشرقي، الأمر الذي سيسبّب توقفه بشكل جزئي أو كلي عن العمل، مع توقف مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي عن العمل، بسبب حصار "داعش" له واستهداف قوات المعارضة المستمر لمطار النيرب العسكري شرق حلب أيضاً، واقترابها بشكل نسبي من مطار حماة العسكري، ليبقى أمام النظام إمكانية استخدام مطاراته العسكرية الموجودة في ريف دمشق وريف حمص فقط، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى تراجع إمكانات سلاح الطيران التابع للنظام.

إلا أن ذلك لن يعني إنهاء قدرة طيران النظام على استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خصوصاً مع عدم امتلاك قوات المعارضة السورية حتى اليوم لأسلحة فعالة مضادة للطيران، فالولايات المتحدة الأميركية ما زالت تقصر إمدادها لقوات المعارضة السورية على صواريخ "تاو" المضادة للدروع؛ والتي كانت كفيلة بتحييد مدرعات قوات النظام، بعد تدمير العشرات منها من قِبل ألوية الجيش الحر المنضوية في "جيش الفتح" في معارك إدلب وريفها الأخيرة.

ولا يُتوقع أن تحوز قوات المعارضة في المدى القريب على مضادات طيران فعالة، خصوصاً مع تأخر تنفيذ برنامج تدريب قوات المعارضة السورية على الأراضي التركية بشكل كبير حتى الأسبوع قبل الماضي، حين وصل ثلاثمئة مقاتل من قوات المعارضة ممن أشرف الأميركيون على اختيارهم، ووافقت عليهم تركيا إلى قاعدة هرفانلي وسط الأناضول، بالقرب من مدينة كرشهير التركية، وذلك بعد خلافات كبيرة حول استراتيجية القتال التي ستتخذها القوات المدرّبة، إذ أصرّت تركيا على ألا تقتصر استراتيجية القوات المدربة على قتال "داعش" فقط، بل تشمل قتال قوات النظام، لتعلن الولايات المتحدة أخيراً عبر المتحدثة باسم البنتاغون، إليسا سميث، عن تفهمها أن هذه "المجموعات التي ستحصل على التدريب تقاتل في العديد من الجبهات ضد نظام الأسد وداعش ومثيلاتها"، مؤكدة أن "برنامج تدريب وتجهيز وزارة الدفاع الأميركية سيعمل على تعزيز قدرات مقاتلي المعارضة السورية المختارين على حماية الشعب السوري من هجمات داعش، وتحقيق الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها"، من دون أن تشير إلى توسيع دعم المعارضة بالسلاح، ليصل إلى دعمها بأسلحة فعالة ضد الطيران.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تنهي وجود النظام في جسر الشغور

المساهمون