"السترات الصفراء" تستعد لجولة جديدة من الاحتجاجات

25 يناير 2019
الثقة لا تزال مفقودة بين المحتجين وماكرون (آلان بيتون/Getty)
+ الخط -
أصبحت الاحتجاجات مسألة روتينية في فرنسا، وتعوَّد الفرنسيون، منذ أكثر من شهرين، على الحضور في تظاهرات أو مشاهدتها وتتبعها على شاشات التلفاز، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث لن يكون غدا السبت مختلفا عن سابقاته، ومعه تصل السترات الصفراء إلى "جولتها الحادية عشرة"، ما يؤكد أن الثقة لا تزال مفقودة مع السلطة التنفيذية، وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواصل كثير من المتظاهرين المطالبة برحيله.

وتحاول بريسيلا لودوسكي، وهي من الوجوه المهمة في حراك السترات الصفراء، في احتجاجات الغد، التي أطلعت ولاية الأمن على تفاصيلها، أن تركّز على "التضامن مع السترات الصفراء في الأراضي الفرنسية البعيدة، وراء البحار". 

وستنطلق التظاهرة، السبت، على الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، من أمام "وزارة مناطق ما وراء البحار".

خلافات وسط السترات

ومن جهة أخرى، نشر بنجامان كوشي، وهو وجه من وجوه "السترات الصفراء الحرة" (معتدلة ومرحبة بالحوار)، وهو تيار من بين تيارات عدة بدأ المواطنون يسمعون أسماءها، ومن بينها "السترات الصفراء المُواطنة"، و"فرنسا الغاضبة"، و"تجمع السترات الصفراء" (التي قررت إنشاء قائمة انتخابية في الانتخابات الأوروبية)، حصيلة استفتاء أجراه في صفحته على الفيسبوك، وهي إجابة على سؤال: "هل تأمُلون أن تُحسَم خلاصات الحوار الوطني الكبير عبر استفتاء"، وكانت النتيجة واضحة لا غبار عليها: 92 في المائة يؤيدون، مقابل معارضة 8 في المائة.

ومن جديد احتجاجات الغد، الإعلان عن قائمة لبعض السترات الصفراء في انتخابات مايو/ أيار الأوروبية، وهو ما أثار ترحيب البعض وانتقاد أغلبية ساحقة من السترات الصفراء، التي رأت في ما جرى ألعوبة لسحق الحراك الاجتماعي، ورأى فيه البعض يدا ماكرونية خفية، خاصة وأن قيادات من حركة الرئيس (الجمهورية إلى الأمام) باركت هذا التحول. 

 

ويمكن اعتبار أن "هذه اللائحة ليست لائحة سترات صفراء، ولكنها لائحة التناقض والمفارقة" في صفحة "فرنسا الغاضبة"، التي يتزعمها إيريك دْرُووي. ويُبرَّر هذا الرفض بأن "الحركة ليست مِلك أحد. وكل قرار يجب أن يحظى بالأغلبية المطلقة"، وبالتالي فإن "التصويت على هذه القائمة هو تصويت على حركة الرئيس ماكرون".

ووصل التلاسُن بين زعامات السترات الصفراء إلى حد غير مسبوق من التخوين، وهو ما تجرأ عليه اسم معروف من السترات الصفراء، ماكسيم نيكول، حين صرح في فيديو، موجِّهاً خطابه لإنغريد ليفاساسور، التي أطلقت هذه اللائحة: "لا أعرف من اشتراك. ولا أعرف كم منحك.. ما أراه، هو أنكِ بصدد خيانة عشرات، مئات، آلاف الأشخاص، الذين وضعوا ثقتهم فيكِ". ومما عزز هذه الشكوك، كون القائمة، التي عُرف 10 أشخاص من بينها، تضم مرشحا سابقا لـ"الجمهورية إلى الأمام" في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ليلة صفراء

في جديد وإبداع هذه الجولة، تنفيذ أول ليلة صفراء للسترات الصفراء في ساحة الجمهورية بباريس (وأخرى أعلن عنها في بوردو)، ومن المقرر أن تستمر هذه الليالي إلى أن ينتهي الحوار الوطني الكبير. 

ويرى إيريك درووي أنه يجب البحث عن طرق لإخضاع الحكومة، ومن هنا يوجه النداء للحضور ليلا، ويدعو لتنفيذ إضراب عام غير محدود، ابتداء من 5 فبراير/ شباط المقبل.

كما تم الإعلان عن تظاهرات في عدد من مدن فرنسا، كتولوز، التي شهدت الأسبوع الماضي أكبر تظاهرة في فرنسا، ومارسيليا وليل وتولون.

ماكرون يواصل استعراضاته

وفي أول لقاء مرتجل للرئيس ماكرون مع 300 مواطن في بلدة بورغ-دي-بياج، من بينهم سترات صفراء، يوم 24 يناير/ كانون الثاني، استمر ثلاث ساعات، كرر تفاؤله بشأن نتائج هذا الحوار الوطني الكبير بقوله: "أعتقد أننا لن نخرج من هذا الحوار إلا بقرارات قوية جدا، لأننا في حاجة إليه، ولأنني وصلت إلى السلطة بسبب جزء من هذا الغضب، ولأننا لم نذهب بعيدا". 

وتوقع الرئيس الوصول إلى "قرارات عميقة حول الدولة ومؤسساتِنا وتنظيمِنا الجماعي"، وأضاف: "يجب أن نخرج من بُنى شاذة ظللنا فيها، وعلينا تغيير نمط تكوين نُخَبِنَا، بما فيها تلك الموجودة داخل الدولة. أنا مستعدٌّ للوصول إلى هذه النتيجة".

وحاول الخروج من صورة رجال المال، التي يؤمن بها كثير من الفرنسيين: "لو ولدتُ مصرفيّا أو رجل أعمال، لكان يمكنكم أن تعطوني دروسا. لو ولدت وفي فمي ملعقة صغيرة، أو ابن سياسيٍّ، لكان بإمكانكم أن تعطوني درسا، ولكن الوضع ليس كذلك، وإذاً أستطيع أن أنظر في وجوهكم".

ودافع الرئيس ماكرون عن قراره إلغاء فرض "ضريبة التضامن على الدخل"، رغم أنه مطلب رئيس من مطالب السترات الصفراء وأغلبية الفرنسيين، متذرعا بأن الأمر لم يكن أفضل في الفترة التي سبقت التخلي عن الضريبة، وأعاد التذكير بأن قرار التخلي عنها هو ما أجّل جلب الاستثمارات. وأضاف: "أتحمل، بشكل كلي، هذه السياسة، لأنها الوحيدة من أجل إقلاع الإنتاج".

وحاول ماكرون التهوين من تركيز الحوار الوطني الكبير على قضية الضريبة، واعتبر أنه لا يمكن أن نَحُلّ، عبر الضريبة، التفاوتات الحقيقية التي توجد في البداية. ورأى أن التفاوتات الحقيقية تكمُن في البطالة، إذاً "فقد تخليتُ عن (ضريبة التضامن على الدخل) من أجل إعادة تصنيع البلد وخلق الشغل".

وفي ما يخص المشردين في الطرقات، وخاصة قائمة موتى الشوارع التي نشرتها صحيفة "لاَكَرْوَا"، أكد ماكرون أنه لم يتعهد، في يوليو/تموز 2017، بألّا يوجَد مشردٌ واحد سنة 2018، بل كان تعهّده بخصوص طالبي اللجوء. وأعلن أنه "يتقاسَم الغضب والعار اللذين يحس بهما المواطنون (تجاه هذه الظاهرة)"، متعهدا بـ"الكفاح"، خاصة وأن الحكومة كرست ملياري يورو للإسكان الاستعجالي.

وفي ما يخص الاستفتاءات الشعبية، عبّر الرئيس عن موقف محترس: "أؤمن بالاستفتاء، ولكني أعتقد أن الاستفتاء لا يمكن استخدامه في كل المواضيع. وأؤمن بالديمقراطية التمثيلية، وأعتقد أنه ينبغي وجود نواب يمثلونكم".

واستغل ماكرون هذه الجولة ولقاءه مع زعيم المعارضة اليمينية لوران فوكييز، لانتقاد مواقف المعارضة السياسية: "أحيانا، حين تكون لدينا مسؤوليات، نُلقي بها على رئيس الجمهورية".   

ما بين احتراس السترات الصفراء من الحوار الوطني الكبير، وتفاؤل الرئيس ماكرون من نتائجه، ثمة هُوّة سحيقةٌ يتوجب ردمُها. ولا يبدو أن موقف الأغلبية الساحقة للفرنسيين، المتشائم من نتائج الحوار الوطني الكبير، يسير في اتجاه الحل. ​