وفوجئ الوسط السياسي بغياب التنسيق بين الرئيسين السابق والحالي، واللذين كانا حتى وقت قريب نموذجاً في التفاهم والتعاطي الإيجابي مع الأزمات التي كادت تعصف بالنظام الذي أسساه معاً بعد الانقلاب الذي قاداه عام 2008 ضدّ حكم الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
اجتمع ولد عبد العزيز مباشرة بعد عودته من الخارج، إثر رحلة استمرت أربعة أشهر، لساعات طويلة باللجنة المكلفة بتسيير الحزب الحاكم التي تمّ تشكيلها بعد استقالة سيدي محمد ولد محمد من رئاسته في مارس/آذار الماضي. واختار الرئيس السابق بنفسه من يحضر الاجتماع ومن لا يشارك فيه. وقال صراحةً، حسب مصادر حزبية تحدثت مع "العربي الجديد"، إنه سيكون الرئيس المقبل للحزب، ومن لم يعجبه ذلك فعليه أن ينسحب ويؤسّس حزبه الخاص. وأضاف، وفق المصادر، "سأمارس السياسة من داخل هذا الحزب وسأبقى حاضراً في المشهد، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا أستشير في ذلك أحداً، وأريد أن أعرف إن كان بينكم من يعارضني في ذلك".
الحكم لا يتحمل أكثر من رئيس
وتواصلت لقاءات ولد عبد العزيز مع رئيس لجنة تسيير حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"، سيدنا عالي ولد محمد خونه، ونائبه بيجل ولد هميد، للتحضير لمؤتمر الحزب المقرر في 28 ديسمبر/كانون الأول الحالي، ومحاولة إيجاد حلول للأزمة التي يعيشها الحزب الحاكم، منذ ترأس الرئيس السابق اجتماع لجنة تسيير الحزب في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويرى مراقبون أنّ العلاقة بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وصلت إلى طريق مسدود ينذر بمواجهة مفتوحة إن لم يكفّ الرئيس السابق عن طموحه بقيادة حزب "الاتحاد" الحاكم ذي الأغلبية البرلمانية. فعلى الرغم من أنّ ولد عبد العزيز هو من أسّس هذا الحزب وحكم من خلال البلاد على مدى 10 سنوات، إلا أنّ سعيه لقيادته من جديد يعني سيطرته على البرلمان والحكومة، واستئثاره بتسيير "حزب الدولة" وجميع التكتلات المرتبطة به، وهو ما لن يسمح به الرئيس الحالي.
في السياق، يتوقّع المحلل السياسي الموريتاني أحمد محمود ولد أعبيد، أن تؤثّر هذه الأزمة بشكل كبير على الحياة السياسية العامة ودوائر الحكم في موريتانيا، بالنظر إلى مكانة الرجلين رفيقي الأمس غريمي اليوم. ويقول ولد أعبيد في حديث مع "العربي الجديد": "لا يمكن لكرسي الحكم أن يتحمّل أكثر من شخص واحد حتى لو كانا صديقين، فالشعب والأحزاب عليها أن تعرف من هو خارج هذا الكرسي ومن هو المتحكم فيه".
ويشير ولد أعبيد إلى أنّ الخلاف بين ولد عبد العزيز وولد الغزواني فاجأ الرأي العام، "فبعد أن نجحا فعلاً في إحداث انتقال ديمقراطي هادئ وتبادلا السلطة، ظهرت رغبة كبيرة لدى الرئيس السابق في العودة للعمل السياسي بسرعة، واستعجل التحضير لمؤتمر الحزب الحاكم، وترأس لجنة تسييره ودعا إلى اعتماده كمرجعية وحيدة". علماً بأنّ مؤتمر الحزب كان مقرراً أن ينظّم في شهر فبراير/شباط المقبل.
صراع مستمر
يفسّر المحلل السياسي نفسه تصرّف الرئيس السابق، وعودته للعمل السياسي في وقت يحاول فيه الرئيس الحالي وضع بصمته، وبدأ للتو بتنفيذ برنامجه الانتخابي، بالقول إنها "أزمة تضخم الأنا وحب السيطرة... لم يستطع ولد عبد العزيز التخلّص من إرث 10 سنوات من الحكم". ويضيف "كان هناك توجه لدى الرئيس السابق للسعي وراء تبوّء منصب أممي رفيع، واستعداداً لذلك سافر بعد تسليمه السلطة للرئيس الحالي إلى الخارج لتلقي دورات مكثفة في اللغة الإنكليزية، لكن يبدو أنّ كل شيء تغيّر بالنسبة له، وعاد إلى البلاد للتحكّم من جديد، وبطريقة دستورية، في مقاليد الحكم". ويلفت إلى أنه "ببساطة يجد الآن صعوبة في التخلي عن ذلك".
ويعتبر ولد أعبيد أنّ "مشروع الرئيس السابق أصبح واضحاَ للجميع، ويتلخّص في سعيه لمقاسمة الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني السلطة، في انتظار أن تنتهي فترة حكم الأخير، ليتمكن ولد عبد العزيز من الترشّح مجدّداً". ويشير إلى أنّ الطموح السياسي للأخير "لن يتأثّر برفض الكثيرين قيادته للحزب الحاكم والتأثير داخل الدولة، فهو مصرّ على العودة إلى السلطة من جديد، وفرض ذاته سياسياً بأي طريقة".
وتثير ردة الفعل الهادئة إلى الآن للرئيس الحالي على ما قام به الرئيس السابق من محاولات سحب بساط السلطة منه، قلق الكثير من الموريتانيين الذين أبدوا تخوفهم من تأني وهدوء ولد الغزواني في الردّ على تصرفات سلفه. وقد بدا في كتابات العديد من المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ الكثير منهم حين تناول طبيعة الخلاف وحجمه بين الرئيس وسلفه، اعتبر أنها مجرّد مناورات وحسابات سياسية معقدة، فيما رأى آخرون أنّ المفاجأة لا تكمن في سعي ولد عبد العزيز إلى العودة للسلطة، بل في التزام ولد الغزواني الهدوء حيال ما يجري.
وعلى الرغم مما يُعرف عن الرئيس الموريتاني الحالي من تأنٍ وعدم تسرّع في التعاطي مع المستجدات، إلا أنه يوجد مطالبات له بتصرّف رادع لثني سلفه عمّا يقوم به، واحتواء الموقف في أسرع وقت ممكن.