غليان السلَمية السورية: حكم المدينة بيد المليشيات

14 يونيو 2016
سلّم النظام إدارة المدينة لمليشياته (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش مدينة السلمية السورية حالة من التوتر في الأيام الأخيرة، نتيجة التصادم بين عناصر من المليشيات المسلحة في المدينة المختلطة طائفياً، خصوصاً بين العناصر العلوية والإسماعيلية، والذين ينتمون جميعهم تقريباً إلى مجموعات مسلحة موالية للنظام. وتقع السلمية على بُعد ثلاثين كيلومتراً إلى الشرق من مدينة حماه، وسط سورية، ويعيش فيها اليوم نحو 200 ألف نسمة، أغلبهم من الطائفة الإسماعيلية، وتُعد المدينة المعقل الأكبر للإسماعيليين في سورية والعالم.

منذ بداية الثورة السورية، قبل أكثر من خمس سنوات، شاركت المدينة التي تُعرف بـ"مدينة الشعر والفقر" بالتظاهرات السلمية المناهضة للنظام، لكن مع تصاعد العمل العسكري، تراجعت هذه المشاركة، وسيطرت على المدينة المليشيات المسلحة المدعومة من النظام، الذي يخيف أهل المدينة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، خصوصاً مع اقتراب التنظيم من حدود المدينة الشرقية في الأشهر الأخيرة.

ومنذ يوم الخميس الماضي تشهد المدينة حالة احتقان شديد، تعد امتداداً لحالات سابقة مماثلة تختلط فيها العوامل الطائفية بالأمنية والمليشياوية. ففي عصر ذلك اليوم، قُتل ثلاثة أشخاص في مزرعة شمالي المدينة، اثنان منهما من الطائفة الإسماعيلية، وأصيب عدد آخر بجروحٍ، على يد شخص يدعى وليم ديب وأخوه عيسى ديب، وهما من الطائفة العلويّة، ومن أصحاب النفوذ في مليشيات "الدفاع الوطني"، ومجموعة آل سلامة، أكثر المجموعات المسلحة في المدينة شهرة بأعمال التشبيح والسرقة والاختطاف.

يوضح الناشط والإعلامي بسام يوسف، لـ"العربي الجديد"، أن "ثلاثة عناصر من شبيحة مصيب سلامة، عُرف منهم الأخوان وليم وعيسى ديب، حاولوا سرقة بيت علي السنكري، وعند وصولهم إلى البيت وجدوا على الباب كلباً للحراسة، هاجمهم فقتلوه، ولم يكن السنكري في بيته حينها، لكنّ زوجته الموجودة في الداخل اتّصلت به، فقدم على الفور، وصادف أنه كان برفقته شاب آخر هو كنان أبو قاسم، وعند وصولهما إلى البيت، تشاجرا مع الشبّيحة، فقام وليم ديب بإطلاق النار من سلاحه، ما أدّى إلى مقتلهما، إضافة إلى مقتل شابّ ثالث، لا علاقة له بالحادثة، من عائلة إبراهيم كان يشاهد ما يجري". ومع أجواء التوتر التي سادت المدينة، يضيف يوسف "حاول البعض من اتباع مصيب سلامة تحدّي الأهالي، فجابوا الشوارع بسياراتهم وأسلحتهم، وكان منهم شخص يدعى لؤي حمدان الذي استطاع بعض الشباب المجهولين الاستفراد به وقتله، ثم رمي جثّته في الشارع. وعلى الأثر، وصل إلى السلمية على متن طائرة عسكريّة رئيس فرع الاستخبارات الجوية في حلب أديب سلامة (وهو شقيق مصيب سلامة)، واجتمع مع وجهاء المدينة، وطالبهم بتسليم قتلة حمدان، مدعياً أن الأخوين وليم وعيسى ديب سلما نفسيهما للقضاء". ويؤكد يوسف أن "المفاوضات لم تثمر حتى الآن، إذ يدرك الأهالي أن تسليم وليم وعيسى ديب، هو مثل تسليم سليمان الأسد نفسه للسلطات بعد قتله للضابط حسّان الشيخ في اللاذقيّة، إذ تم إخلاء سبيله بعد أيام قليلة".

وحسب تقرير أعده مركز الجمهورية للدراسات، فإنه ومع تصاعد التوتر، توجّه نحو 200 شاب من الطائفة الإسماعيليّة ينتسبون بغالبيتهم إلى "الدفاع الوطني" من قراهم حول المدينة إلى داخلها، استعداداً لأية معركة مع آل سلامة الذين استقدموا مزيداً من الأسلحة إلى مواقعهم في حي ضهر المغر، بينما سيّرت أجهزة الأمن التابعة للنظام دوريات في شوارع المدينة لمحاولة منع التصادم بين الطرفين، كما عمدت السلطات إلى قطع شبكة الإنترنت عن المدينة.
وكانت المدينة التي يشكّل أتباع الطائفة الإسماعيلية نحو 65 في المائة من سكانها (25 في المائة من السنّة، والبقية علويون ومسيحيون)، شهدت احتكاكات مماثلة العام الماضي، خصوصاً بعد مقتل علي مخلص عيد في جبهة حلب، وهو قائد سابق لمليشيا "صقور الصحراء" في مدينة السلمية، وقيل إنه كان يحاول تشكيل مجموعة مسلحة تعتمد على الطائفة الإسماعيلية لمواجهة مليشيا آل سلامة، لكنه أُبعد إلى حلب حيث قتل هناك.
كما قُتل وطعن عدة أشخاص في المدينة بحوادث متفرقة، إلا أن الأخطر كان في نهاية فبراير/ شباط الماضي حين انفجرت سيارة مفخخة قرب حاجز معمل البطاطا، شرق المدينة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عناصر من الحاجز الذي تديره عناصر مسلحة من الطائفة الإسماعيلية، وتم توجيه الاتهام إلى مجموعة غزوان السلموني بتدبير التفجير، لأنّ السيارة المفخخة عبرت حاجزاً يسيطر عليه علويّون، قبل وصولها إلى هذا الحاجز الذي يسيطر عليه إسماعيليون، فسرت شائعات بأنه ستحصل عمليات انتقام لما جرى. وفي اليوم التالي لحادث التفجير، وصلت جثامين ستة قتلى علويّين إلى مستشفى مدينة سلمية، وسط تكتم إعلامي، وذلك بحسب تقرير مركز الجمهورية.


وقد خابت آمال أهالي المدينة مع إقدام السلطات على "تسوية أوضاع" مئات الشبيحة الذين تم اعتقالهم في الأشهر الأخيرة من العام الماضي على خلفية جرائم قتل وسرقة وخطف، بعد أن راجت شائعة بأن النظام بصدد التخلّص من مليشيا "الدفاع الوطني"، وتشكيلٍ جسم عسكري آخر، يكون ولاؤه لروسيا، وليس لإيران كما هو حال هذه المليشيا. ومما يؤشر إلى مستوى الفساد والفوضى في المدينة، أن السلطات اضطرت إلى إعادة الحواجز إلى الطرق المحيطة بالمدينة، التي كانت قد أزالتها مطلع مارس/ آذار الماضي، وذلك بعد قيام نحو 150 عنصراً من "الدفاع الوطني" بتسليم سلاحهم احتجاجاً على هذا القرار، متذرعين بأن رواتبهم لا تكفيهم، وهم بحاجة إلى الرشاوى التي يتقاضونها من خلال سيطرتهم على هذه الحواجز.
ويقول بسام يوسف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه "بسبب الدور التاريخي لمدينة السلمية في معارضة النظام، والتي فيها أعلى نسبة من المعتقلين السياسيّين، لجأ النظام إلى لعبته القذرة في تسليط الشبيحة عليها، وبادر رئيس فرع الاستخبارات الجوية في حلب، أديب سلامة، والذي تسكن عائلته في حي بني، على أطراف السلمية، منذ البداية إلى تشكيل النواة الأولى للعصابة التي ستتولّى إرهاب السلمية، وتسلّم إدارة هذه العصابة شقيقه مصيب سلامة".

ويشير يوسف إلى أن "هذه المجموعة ضمت في البداية مجموعة من العلويّين الموجودين في السلمية من عائلة حمدان ومن عائلة دردر وغيرها، وجرى أيضاً التنسيق مع شبّيحة آخرين، ومعظمهم من منطقة الصبّورة"، مشيراً إلى أن "النظام، وبالتنسيق مع الآغا خان (المرجع الإسماعيلي الأعلى في العالم)، استطاع جر "المجلس الإسماعيلي الأعلى" إلى جانبه، وكلّف المدعو فاضل وردة، بتشكيل مجموعات مسلّحة من شباب السلمية، عملت على استباحة المنطقة نهباً وخطفاً، في حين أقام مصيب سلامة حاجزاً على طريق الرقة الدولي، أذاق العابرين أبشع أنواع الإذلال والنهب والسرقة".

ويلفت يوسف إلى أن "كل سكان منطقة السلمية، كانوا مستباحين أمام هذه العصابات، بمن فيهم العلويّون، فاختطفت هذه العصابات الكثير من أهالي المنطقة من أجل الفدية، وقتلت الكثير منهم، وفرضت الخوّات، وأهدرت دم المعارضين". ويشير إلى أن "النظام سحب يده من السلمية بشكل مباشر منذ ثلاث سنوات، وسلّم إدارتها للشبّيحة"، مؤكداً أن "المدينة لن تهدأ قبل انتهاء الدور القذر الذي تقوم به عصابات الدفاع الوطني والتي يتزعّمها مصيب سلامة وغزوان السلموني وفاضل وردة".