تونس: موافقة مشروطة على تنقيحات "النهضة" للقانون الانتخابي

05 فبراير 2020
أكد الغنوشي تمسك النهضة بمشاركة جميع الأطراف بالحكومة(ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
تراهن حركة "النهضة" على تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في فترة سمتها الأولى الانقسام والتشتت ويتهددها شبح إعادة الانتخابات وحلّ البرلمان. وقد تلقّت الأحزاب السياسية بحذر شديد المقترح الذي قدمته كتلة "النهضة" الأسبوع الماضي، المتعلّق بتنقيح القانون الانتخابي، وسط إجماع على وجوب مراجعة نظام الانتخاب ككلّ، وأن لا يقتصر الأمر على وضع عتبة انتخابية فقط.

وعرضت كتلة "النهضة" مقترح تعديل للقانون الانتخابي يقضي بترفيع العتبة الانتخابية من 3 في المائة، كما ورد في المقترح الذي كان قد امتنع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي العام الماضي عن تمريره، إلى 5 في المائة، فيما تصرف للقوائم الحاصلة على أقل من هذه النسبة، منحة عمومية تقديرية بعنوان استرجاع مصاريف، في حين لا تدخل في احتساب الأصوات لتوزيع المقاعد، ما يحصر هذه العملية بالقوائم الأولى في الترتيب فقط.

ولم تخف "النهضة" أنّها قدّمت هذا التنقيح خلال هذه الفترة في إطار "الاستعداد لكل السيناريوهات الممكنة، في حال فشلت عملية تشكيل الحكومة، وإذا ما تمّ حلّ البرلمان، إذ لا تمكن إعادة الانتخابات بالقانون الحالي"، وبناء على قرار مجلس شورى الحركة، وفق ما أكده رئيس المجلس عبد الكريم الهاروني، خلال ندوة صحافية عقدت أخيراً إثر التداول في مسألة المشاركة في حكومة إلياس الفخفاخ. وعللت الحركة تقديم هذا المقترح "بسعيها نحو إصلاح الثغرات في القانون الانتخابي، تفادياً لمشهد برلماني مشتت، وتكريساً لديمقراطية ناجعة"، وفق ما ورد في الوثيقة المرفقة بمقترح التنقيح.

من جانبه، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة "النهضة"، نور الدين العرباوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ تقديم التنقيح "جاء في إطار غير منفصل عن تصوّر متكامل"، وذكّر بأنّ "تنقيحاً مماثلاً تمّ تمريره السنة الماضية، إلا أنّ الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي امتنع عن توقيعه ونشره لأسباب غير مفهومة في حين كان من الضروري ختمه وتطبيقه". ولا ترى "النهضة" أي مصلحة حزبية خاصة بها في ترفيع العتبة الانتخابية، وإنما يأتي ذلك في إطار "تصوّر لمزيد من الترشيد في المشهد البرلماني، ولذلك ستنفتح على بقية الكتل وعلى أي تعديل يمكن أن يتم اقتراحه بهدف تحقيق المصلحة الوطنية"، وفق العرباوي.

وتحتاج "النهضة" إلى أغلبية 109 أصوات لتمرير التنقيح، وهو ما يفترض وجود مجموعة من الكتل النيابية الداعمة له تتولى التصويت عليه. لكن قراءة أفقية لمواقف الكتل النيابية تبيّن بوضوح ضعف هذا الحزام حالياً، وقلّة مساندي مبادرة "النهضة".

وتظهر كتلة "ائتلاف الكرامة" فقط داعمةً للمقترح والتصويت على المبادرة، بل تعتبر ترفيع العتبة الانتخابية مقترحها الخاص، المدرج سابقاً في برنامجها الانتخابي و"سطت" عليه حركة "النهضة".

وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم الائتلاف، سيف الدين مخلوف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ مقترح تنقيح القانون الانتخابي والترفيع في العتبة يعود لائتلاف "الكرامة"، وقد تمّ تضمينه في البرنامج الانتخابي "قبل أن يتبناه أي طرف وأن ينسبه إليه". وأضاف أنّ هذا المقترح يندرج في إطار "منع تكرار صورة التشتت البرلماني". ومن دون نقاش، ستصوّت الكتلة لهذا المقترح على أن تتم إثارة مسائل أخرى على غرار السياحة الحزبية مستقبلاً، وفق مخلوف.

ويعتبر توقيت عرض المبادرة من قبل "النهضة" محلّ شكوك لدى بقية الكتل، إذ إنّ إمكانية إجراء انتخابات سابقة لأوانها حاضرة بقوة في أذهان السياسيين، وترتبط مواقفهم آلياً بالنسبة لهذا المقترح بتوقعات الفوز بمقاعد إضافية أو خسارة الحجم الانتخابي الحالي. لذلك أشار رئيس كتلة "قلب تونس"، صاحب المرتبة الثانية نيابياً، حاتم المليكي، إلى أنّ "إجراء أي تنقيح في اللعبة الانتخابية، لا يمكن أن يتم في الزمن الانتخابي، وإنما خارجه، وفي فترة لا يميزها الاحتقان والتجاذب، من أجل دراسة أعمق له".

وفي الإطار ذاته، يندرج موقف "الكتلة الديمقراطية" الرافض لـ"تنقيح على المقاس، وكلمة حق أريد بها باطل لإيهام التونسيين بأنّ الأزمة السياسية وليدة التشتت البرلماني"، حسب توصيف القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي، في حديث مع "العربي الجديد".

وفي الوقت ذاته، قال الشواشي إنّ "ثغرات النظام الانتخابي لا تحصى، وأثّرت بشكل جلي على نتائج الانتخابات، ما يستوجب مراجعة شاملة له من أجل مجلس نيابي منسجم". وأضاف أنّ "النهضة تحاول إيهام مناصريها بأنّ ترفيع العتبة، بوّابة العودة إلى البرلمان بكتلة عريضة"، لافتاً في هذا الصدد إلى أنّ الكتلة الديمقراطية ستقدّم مبادرة تشريعية لمراجعة كل الاختلالات وطلب استعجال النظر فيها. ومن غير المطروح بتاتاً بالنسبة للشواشي إعادة الانتخابات وحلّ البرلمان "إذ لا ضمانات لكل الأطراف بأن تفرز إعادة الانتخابات برلماناً منسجماً".

ولكن في حال فشل رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ في نيل ثقة البرلمان، أمام التشتت الحاصل في المشهد حالياً، فإنّ هذا السيناريو قد يحصل. وفي السياق، أكّد رئيس البرلمان التونسي، ورئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي أنّ عدم تشريك "قلب تونس"، الحزب الثاني في البرلمان، في الحكومة، سينتج عنه عدم الموافقة على حكومة الفخفاخ في البرلمان.

وأوضح الغنوشي في حوار لإذاعة "موزاييك" التونسية، أنّ حركته تؤكد تمسكها بـ"ضرورة المشاركة الواسعة في الحكومة المقبلة لجميع الأطراف من دون إقصاء، لأنّ الاستحقاقات المقبلة تحتاج لحزام سياسي واسع على غرار المصادقة على المحكمة الدستورية وبقية الهيئات التي تحتاج أغلبية 145 صوتاً، بالإضافة للإصلاحات الكبرى التي تنتظرها البلاد".

وأوضح الغنوشي أنّ "موقف حركة النهضة لا يتعلق بحزب قلب تونس تحديداً، وإنما بمبدأ رفض الإقصاء، فالحركة ناضلت طويلاً ضدّ ذلك". وشدّد على أنّ "شرط حركة النهضة للمشاركة في الحكومة المقبلة هو رفض الإقصاء"، مؤكداً أن "حكومة الفخفاخ لن تنال ثقة البرلمان إذا تمّ إقصاء قلب تونس".

وحول تغيّر مواقف "النهضة" من حزب "قلب تونس" بعدما كانت قد وعدت خلال الانتخابات بعدم التحالف والعمل مع "حزب ينخره الفساد"، أوضح الغنوشي أنّ ''تجميد أي شخص أو حزب في نقطة معينة ليس بالسياسة''.

وقال الغنوشي إنّ الرئيس التونسي قيس سعيد "لم يكن موفّقاً في اختيار إلياس الفخفاخ"، مشيراً إلى أنه ليس الشخصية "الفضلى". ولكن على الرغم من ذلك، أشار إلى أنّ ذلك "لا يمثل فيتو ضدّ الفخفاخ".

ورداً على سؤال إن كان سعيّد يتدخّل في تشكيل الحكومة ويملي على الفخفاخ قراراته، قال الغنوشي "لا يوجد لدينا دليل على أن الرئيس المكلّف مجرد دمية في يد الرئيس ونحن نعتبر أن الفخفاخ هو من يتحمل المسؤولية كاملة وهو من يقوم بالمفاوضات والمشاورات بنفسه".

المساهمون