شرق سورية مقطَّع الأوصال: تدمير الجسور جريمة مشتركة

29 نوفمبر 2019
تحتاج الجسور المدمرة لهدم كلي وإعادة بناء(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تناوب كلّ من النظام السوري و"التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة وروسيا وتنظيم "داعش" على تدمير معظم الجسور التي كانت قائمة على نهر الفرات داخل الأراضي السورية، خصوصاً في محافظتي دير الزور والرقة، اللتين يعاني سكانهما اليوم بسبب تقطّع شرايين الحياة بين ضفتي النهر، وهو ما يعطّل تنقلهم، ويؤدي إلى شلل في الحياة الاقتصادية. وفيما لا تشكل البدائل التي يعتمدها الأهالي اليوم، مثل استخدام العبّارات وإنشاء "جسور" مؤقتة، حلاً جذرياً للأزمة، لا يزال هؤلاء، بالإضافة إلى همهم اليومي الناجم عن هذا التدمير، يشعرون بالإحباط كلما تذكروا كيف سارعت القوى المتحاربة في بلدهم إلى تدمير الجسور من دون أي ضرورات أو مبررات عسكرية في أغلب الأحيان، ومن دون التفات إلى مصلحة المدنيين. هذه القوى التي تلاقت على تدمير الجسور، تتباطأ اليوم في إعادة اعمار خرابها، وخصوصاً القوات الأميركية، التي دمرت العديد من الجسور الرئيسية شرق سورية.

وقبل عام 2011، كان هناك 26 جسراً رئيسياً على نهر الفرات داخل الأراضي السورية، بدءاً من دخول النهر هذه الأراضي في بلدة جرابلس شمالاً، وحتى خروجه منها إلى العراق جنوباً عند مدينة البوكمال، إضافة إلى عشرات العبّارات والجسور الصغيرة التي أقيمت فوق فروع النهر.

ومن أصل هذه الجسور، دُمِّر 21 جسراً خلال سنوات الحرب، لتبقى خمسة جسور صالحةً فقط، وهي تلك المقامة على السدود المائية الكبيرة (الفرات - تشرين - البعث)، أو تلك التي كانت واقعة تحت سيطرة قوات النظام، وهي جسرا المشفى والجورة في دير الزور. أما الجسور التي وقعت مناطقها، في أوقات معينة خلال الحرب، تحت سيطرة فصائل المعارضة، أو تنظيم "داعش"، فقد دُمِّرَت جميعاً تقريباً. واليوم، يعكس هذا التدمير والواقع الناجم عنه أسباب محدودية قدرة قوات النظام على التحرك وإعادة الانتشار باتجاه مناطق شرق الفرات بعد تفاهماتها الأخيرة مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، إذ استخدمت فقط الجسور المقامة على السدود الثلاثة. كذلك، تعاني القوات الروسية والأميركية من محدودية تحركها، ما يجعل مجمل هذه القوات تتلاقى خلال تنقلاتها بين مناطق شرق الفرات وغربه.


دير الزور: الدمار الأكبر

ولعل جسور محافظة دير الزور كانت الأكثر تعرضاً للتدمير خلال السنوات الماضية، إذ يمكن القول إن جميع تلك التي خرجت عن سيطرة النظام دُمِّرَت.

ولطالما تميزت محافظة دير الزور بكثرة الجسور فيها، لكون نهر الفرات يقطع مسافة 135 كيلومتراً داخل أراضيها، بفرعيه، الكبير الذي يمرّ من طرفها الشمالي ويفصلها عن محافظة الحسكة، والصغير الذي يخرقها من وسطها. وكان في المدينة قبل الحرب أكثر من 20 جسراً، 14 منها على نهر الفرات، والبقية على الوديان السيلية.

ويوجد داخل مدينة دير الزور 10 جسور مقامة على الفرات وفروعه، منها جسران للمشاة وثمانية أخرى لحركة المرور والسيارات. ومعظم جسور المدينة هدمت أو أصبحت غير قابلة للاستخدام، إذ دمر النظام السوري ثمانية منها تدميراً شبه كامل.

ويعد الجسر المعلق، الأبرز والأشهر في المحافظة، وهو معلمٌ أثري وسياحي شيّده الفرنسيون في العشرينيات من القرن الماضي، وافتتح عام 1932، وكان مخصصاً للمشاة فقط. دمره النظام عام 2013، بعد سيطرة فصائل المعارضة على المحافظة.

من الجسور الهامة في دير الزور أيضاً جسر "السياسية"، الذي يقع على الفرع الكبير لنهر الفرات. وسُمّي الجسر بهذا الاسم لكون فرع الأمن السياسي في دير الزور كان مطلاً عليه، وهو يربط مدينة دير الزور بريفها الشمالي الذي يصلها مع محافظة الحسكة. وتعرض "جسر السياسية" لقصفٍ مدفعي وجوي متكرر حتى انهار القسم الأكبر منه، لتقوم مجموعة تابعة للنظام بتدميره نهائياً عام 2014.

وهناك أيضاً جسر "كنامات" الذي يعد ثالث أكبر الجسور في المحافظة، وتعرض للقصف والتدمير من قبل قوات النظام لتعطيل مرور مقاتلي المعارضة بين شطري المدينة، بينما لحقت بجسر "البعث" أضرار كبيرة. أما جسر "العنفات"، الذي يقع في مدخل مدينة دير الزور من اتجاه حويجة صكر، وبسبب أهميته الاستراتيجية، فتعرض للقصف بأنواع مختلفة من الأسلحة، حتى دمرته طائرات النظام أواخر عام 2015. وهدمت قوات النظام عام 2012 جسر "الحرية" الذي يصل الأحياء القديمة في الدير بمنطقة الفيلات في منطقة الحويقة، وكذلك جسر "العيور"، الذي يطلق عليه الأهالي اسم "الجسر العتيق"، وهو الطريق الرئيسية الواصلة بين مركز محافظة دير الزور و"الجسر المعلق" من طريق الحويقة، وقد تعرض للقصف المتكرر من قبل قوات النظام ودُمر تدميراً كاملاً في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

وهناك أيضاً جسر متوسط الحجم اسمه جسر "الجورة"، يقع في القسم الذي ظل تحت سيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور، وجسر "المشفى" الذي يصل بين مشفى القلب ومدينة دير الزور عبر فرع نهر الفرات، وقد بقي هذان الجسران سالمين لوقوعهما تحت سيطرة قوات النظام.

إلى ذلك، كان يوجد جسران معدنيان صغيران مخصصان للمشاة، الأول يحمل اسم الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة، وهو واقع في حيّ الحويقة، ودُمِّر تدميراً شبه كامل بقصف قوات النظام له، وكذلك جسر الطفلة الفلسطينية الشهيدة إيمان حجو، القريب منه، الذي دمره قصف النظام قبل نحو عامين.

وفي ريف دير الزور الشرقي باتجاه الحدود العراقية، دمرت غارات "التحالف الدولي" في سبتمبر/ أيلول 2016، جسر "الميادين" الذي كان يربط مدينة الميادين غرب الفرات وبلدة ذيبان شرقه، والذي كان يُعَدّ من أكبر الجسور في محافظة دير الزور بعد جسر "السياسية".  ودمر قصف "التحالف" أيضاً جسر "العشارة" الذي بُني في سبعينيات القرن الماضي على شكل جسرٍ حربي، ويصل مدينة العشارة في منطقة "الشامية" ببلدة "درنج" في منطقة الجزيرة على الضفة الأخرى شرقي الفرات. بدوره، لم يسلم جسر "البقعان"، الذي يأتي بعد جسر البوكمال من حيث أهميته، ويربط الجزيرة بالشامية، من بطش طائرات التحالف التي دمرته عام 2017. أما جسر "الصالحية" أو جسر البوكمال، فهو آخر الجسور في الريف الشرقي لدير الزور الذي يربط الجزيرة بالشامية، ويسمى أيضاً جسر "الباغوز"، ودمرته قوات "التحالف" في العام ذاته.

وتضم المحافظة جسوراً أخرى أقل أهمية، مثل جسري "السويعية" و"السوسة" في مدينة البوكمال والرمادي في ريفها، وقد دمرها التحالف.

وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على طرد "داعش" من معظم أجزائها، إلا أن محافظة دير الزور لا تزال بلا أي جسور صالحة، حيث يعتمد المدنيون على المعابر النهرية التي تغلق أحياناً عندما تتوتر العلاقات بين القوتين اللتين تسيطران على المحافظة، أي النظام السوري في الجهة الغربية، و"قسد" شرقي الفرات. وساهم ازدواج السيطرة هذا في عدم ترميم جسور دير الزور، في ظل عدم الاتفاق أو التنسيق بين الجانبين، على الرغم من أنهما يتبادلان بعض المواد مثل النفط والسلع الغذائية والبضائع.

عبّارات الرقة
دمّرت غارات "التحالف" كل الجسور المؤدية إلى مدينة الرقة، وكان الهدف من ذلك تقطيع أوصال المدينة لمحاصرة عناصر "داعش" في داخلها. وقال عضو مجلس الإدارة المحلية والبلديات في مجلس الرقة المدني أحمد الخضر، لوكالة "فرانس برس"، إن هناك 60 جسراً بحاجة للإصلاح في محافظة الرقة، مشيراً إلى أن "التحالف الدولي قدّم ثمانية جسور معدنية وُضعت على الطرق الرئيسية" في ريف الرقة لوصل المناطق بعضها ببعض.

وقدرت منظمة العفو الدولية حجم الدمار في الرقة بـ80 في المائة، ويشمل المدارس والمستشفيات والمنازل.

وعلى مدار الساعة، تُقلّ عبّارات تقطع نهر الفرات ركاباً وافدين إلى الرقة عبر بوابتها الجنوبية. فالجسر الرئيسي الذي يربط الأطراف الجنوبية للمدينة بما بقي من أحيائها، لا يزال مدمراً منذ الحرب مع "داعش" الذي طرد منها قبل عامين. ومن أجل دخول المدينة، يستقل المدنيون عبّارة بدائية لقطع نهر الفرات الذي يفصل بين المدينة وأطرافها الجنوبية، ثم يكملون طريقهم إلى داخل الرقة.

وكان مجلس الرقة المدني التابع لـ"قسد" قد أعلن بدء العمل في إعادة ترميم الجسور المدمرة وتأهيلها بفعل العمليات العسكرية على المدينة، ومنها الجسران: الجديد والقديم، إضافة إلى الجسور الفرعية، مثل جسر المغلة غرب قرية معدان، وبعض الجسور على نهر البليخ وعلى قناة الري.

وبحسب المركز الإعلامي لـ"قسد"، قدمت لجنة إعادة الإعمار دراسة عن الجسور المهمة المدمرة لإعادة تأهيلها، وتمكنت من إعادة تأهيل ثلاثة جسور، آخرها جسر في منطقة السلحبية غربي مدينة الرقة، إضافةً إلى جسر على قناة البليخ، وآخر على مجرى وادي الفيض.

كذلك أعلن المجلس في إبريل/ نيسان الماضي افتتاح جسر الرقة القديم (المنصور) أمام السيارات، بعد انتهاء أعمال الترميم، إضافةً إلى صيانة بعض الجسور الصغيرة في ريف الرقة.

غير أن الأهالي في مدينة الرقة، يشككون في إعلانات "قسد"، مشيرين إلى أنها تعمد إلى تأهيل الجسور الفرعية فقط والتحكم بها، بحيث تستطيع قطعها متى تشاء بهدف السيطرة على الحركة داخل المدينة.


ومن أبرز الجسور المدمرة في المدينة جسر الرشيد (الرقة الجديد)، وهو أحد الجسرين الرئيسيين في الرقة، ويربطان المدينة ببقية المحافظات، وقد قصفه النظام عام 2014، ودمره جزئياً، ثم دمرته طائرات "التحالف" عام 2017 كلياً. أما جسر المنصور أو الجسر العتيق، وهو ثاني أهم الجسور في محافظة الرقة، فقد استهدفته قوات النظام عام 2015، ثم أكمل "التحالف" تدميره كلياً في 2017. وأعادت "قسد"، بمساعدة من القوات الأميركية، ترميمه بنحو بدائي في مارس/ آذار الماضي، كي تتمكن من الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث توجد قواتها أيضاً، وعبر عليه قسم من قوات النظام أخيراً خلال دخولها إلى الضفة المقابلة. وهناك جسر مغلة شرقي، ويسميه البعض جسر "معدان"، كان قد تعرض للعديد من قذائف المدفعية والطيران من قبل قوات النظام، قبل أن تدمره طائرات التحالف كلياً في فبراير/ شباط 2017.

حلب... تناوب على التدمير
وعلى غرار دير الزور والرقة، تعرضت الكثير من الجسور في ريف محافظة حلب للتدمير، ومنها جسر جرابلس الخشبي، وهو الجسر الأول على نهر الفرات من جهة الشمال، ويربط بين جرابلس وزور مغار، وقصفته طائرات النظام في سبتمبر/ أيلول 2012. وكذلك جسر الشيوخ الواقع جنوب جرابلس، ويربط مدينتي جرابلس وعين العرب، وقصفه النظام مرات عدة، محدثاً فيه أضراراً كبيرة، قبل أن يفجره "داعش" عام 2015 قبل انسحابه من المنطقة. كذلك قصفت قوات النظام بالمدفعية مرات عدة جسر قرة قوزاق الذي يربط بين بلدة منبج ومنطقة شرق الفرات، قبل أن يدمّر طيران "التحالف" جزءاً كبيراً منه عام 2016. وبعد استيلاء الوحدات الكردية على مدينة منبج، ردمت ورمّمت الجزء المدمَّر من الجسر، وأصبحت تستخدمه للتنقل بين ضفتي النهر. وكذلك الحال بالنسبة إلى جسر "ماهر" أو جسر "السكة الحديدية"، بين بلدتي هنيدي جنوب النهر وكديران في شماله، الذي قصفه النظام عام 2017، ودُمِّر جزء كبير منه ليصبح خارج الخدمة.

أما جسر "سد تشرين"، فلا يزال صالحاً للاستخدام، وتسيطر عليه الوحدات الكردية، وقام النظام بالعبور عليه خلال دخوله أخيراً لمؤازرة مليشيات "قسد" لمواجهة العملية العسكرية التركية. وكذلك جسر سد الفرات الذي تسيطر عليه الوحدات الكردية، وقد عبرت عليه قوات النظام إلى بلدة عين عيسى أخيراً، ومثله جسر سد البعث.

وبالنسبة إلى مناطق شمال غرب سورية، فقد دمرت قوات النظام في إبريل/ نيسان الماضي جسر قرية الحويز، الذي يصل بين قرى موالية وأخرى معارضة في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، ما منع المزارعين، ممن يملكون أراضي زراعية غربي الجسر، من الوصول إلى أراضيهم واستثمارها بعدما كانوا قد زرعوها مع بداية الموسم الحالي.

واستخدمت قوات النظام على مدار الأعوام الماضية استراتيجية تدمير الجسور في منطقة سهل الغاب، حيث استهدفت عدداً منها بالقصف المدفعي والصاروخي، مثل جسر قرية التوينة وجسر قرية بيت الراس، وذلك خوفاً من استخدام الفصائل المقاتلة لها.

ولجأت الفصائل المقاتلة إلى الأسلوب ذاته، فدمرت بدورها جسر قرية الشريعة في المنطقة، تحسباً لأي عملية مفاجئة من قبل قوات النظام في سبتمبر/ أيلول الماضي. كذلك فجرت "هيئة تحرير الشام" العام الماضي جسوراً بين بلدة العيس وبلدة الحاضر الخاضعة لسيطرة قوات النظام في ريف حلب الجنوبي.

إعادة التأهيل: وعود "دعائية"

على الرغم من الإعلانات التي تُذيعها بين الفينة والأخرى مليشيات "قسد" والنظام السوري عن إعادة تأهيل بعض الجسور، إلا أن معظمها دعائي، ويُعلَن على عجل لخدمة أهدافهما العسكرية أو التجارية، حيث تحتاج الجسور المهدمة إما إلى هدم كلي وإعادة بناء، أو ترميم حقيقي يعيدها إلى سابق عهدها، وما يحصل حتى الآن لا يتعدى في أغلب الأحيان عمليات ترقيع مؤقتة.

ويلفت ناشطون الى أنه بسبب تدفق مياه النهر، لا يمكن إصلاح جسور الفرات على طريقة جسور قنوات الري والأودية في الأرياف، سواء عبر استخدام أنقاض المنازل لردم الهوة الناتجة من القصف بين طرفي الجسور المدمرة، أو عبر تركيب جسور جاهزة من الحديد.

وتنتظر "قسد" والمجالس واللجان المرتبطة بها، جمعيات محلية ومنظمات أجنبية ودولية لتبنّي أو تمويل مشاريع إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة، على الرغم من أنها تفرض مع البلديات التابعة لإدارة الذاتية الكردية الضرائب والرسوم على السكان من عمال وتجار وفلاحين، كذلك فإنها استولت على الأملاك العامة كافة.

وفي إطار هذه الإعلانات عن ترميم الجسور، قالت القوات الروسية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إنها أقامت بالتعاون مع شركة خاصة جسراً على نهر الفرات بين بلدتي المريعية ومراط الخاضعتين لسيطرة النظام شرق دير الزور. وفي الشتاء الماضي، انهار جسر حربي أنشأته القوات الروسية نتيجة لسوء التنفيذ وعيوب هندسية في التصميم، ولم تبدأ أي مشاريع لإعادة بناء الجسور المدمرة في مدينة دير الزور.

وأفادت شبكة "دير الزور 24" بأن قوات النظام وإيران تعتزم إنشاء جسر حربي مسبق الصنع على نهر الفرات في ريف مدينة البوكمال، حيث تولي المليشيات الإيرانية اهتماماً كبيراً بهذه المدينة.

المساهمون