كان يمكن أن يمرّ خبر براءة الناشطة الحقوقية آية حجازي وسبعة آخرين من جمعية "بلادي" لرعاية الأطفال مرور الكرام، على المشهد المصري المكتظ بالمحاكمات، على الرغم من أن البراءة صدرت بعد ثلاث سنوات من السجن الاحتياطي والاتهامات المتتالية من النيابة والمحكمة للمتهمين بالاتجار في البشر واستقطاب أطفال الشوارع وتلقي أموال مجهولة المصدر والأهداف من الخارج وإنشاء جمعية من دون ترخيص، وهي اتهامات كانت تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد. إلّا أن ما ضاعف أهمية البراءة أنها صدرت بعد مماطلة قضائية، وإلحاح أميركي خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً لواشنطن، حين أعلن البيت الأبيض في بداية الزيارة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتناول قضية آية حجازي بصفتها مواطنة أميركية مع السيسي. وأضاف البيت الأبيض في مؤتمر صحافي أنه "يدرك تماماً قضية آية حجازي ومعظم مستويات الإدارة العليا تتفهم وضعها، فحماية المواطنين الأميركيين في مصر والعالم هي من أعلى أولويات الرئيس والإدارة الأميركية، وسنناقش الأمر بطريقة ستزيد من فرص حل قضيتها بطريقة مرضية".
في هذا السياق، ذكر مصدر دبلوماسي مصري في نيويورك، أن "مساعدين لترامب وعدداً من النواب الديمقراطيين أيضاً تحدثوا مع مساعدي السيسي خلال اجتماعاته المغلقة غير المعلنة في واشنطن في مطلع زيارته الرسمية الأخيرة، حول عدد من القضايا الجنائية التي تخص مواطنين أجانب في مصر، كانت أبرزها قضية آية حجازي باعتبارها مواطنة أميركية، وكذلك قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني التي كانت قد صدرت فيها أحكام ضد مواطنين أميركيين ومن جنسيات أخرى عام 2013. ومن المتوقع أن يحال عدد آخر من الأجانب، غيابياً على الأقل، إلى المحاكمة فيها قريباً".
وأضاف أن "هناك قلقاً أميركياً عاماً من مستوى الحريات والعدالة في مصر، لكن الأمر لا يشغل بال الإدارة الأميركية الحالية كثيراً، على عكس سابقتها، وهو ما يشعر السيسي بالراحة لدى تعامله في مثل هذه الملفات، فيكفي أن يشير ترامب إلى ضرورة حل مشكلة آية حجازي في إطار قانوني ليصدر السيسي تعليماته بذلك، خصوصاً أنه كان واضحاً أن المحكمة التي تحاكمها قد أرجأت موعد النطق بالحكم إلى حين عودة السيسي من واشنطن".
وأوضح المصدر أن "ترامب ليس مهتماً كثيراً بالمتهمين المحليين في قضية التمويل الأجنبي، أو توجيه اتهامات غيابية لمواطنين أو جهات أميركية، فالأمر المهم بالنسبة له هو عدم حبس مواطنين أميركيين، وقد أبلغ السيسي بذلك صراحة". ولفت إلى أن "ذلك يشير إلى أن تأثير ترامب على القرارات والأحكام المصرية في هذا السياق سيكون محدوداً ومقتصراً على المواطنين الأميركيين أو أشخاص بعينهم، وليس على القضية ككل كما كان الأمر في عهد سلفه باراك أوباما".
في هذا السياق، ذكر قاضٍ مصري في محكمة استئناف القاهرة، لـ"العربي الجديد"، أن "قرار البراءة بعد ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي لا يستقيم، وأنه من المستحيل أن يكون هذا الحكم مستنداً إلى الأوراق وقناعة أعضاء المحكمة، لأنه إذا كان كذلك، فهذا يعني انعدام أسانيد مدّ فترة حبس آية حجازي وشركائها طوال هذه المدة".
وعن احتمال تأثير التقارب المصري الأميركي على قضية التمويل الموجودة حالياً بحوزة هيئة تحقيق قضائية، رجّح قاضي الاستئناف أن "تستمر القضية في طريقها بهدف تصفية المجال الحقوقي بوصفه إحدى بؤر المعارضة للسيسي، خصوصاً أن جميع المؤشرات التي تعكسها قرارات قضاة التحقيق سلبية بالنسبة للمتهمين، ومورست معهم جميع القرارات العقابية التمهيدية من منع سفر وتجميد أموال وإحالة لجهاز غسيل الأموال والتهرب الضريبي".
ولفت المصدر القضائي إلى أن "هذه القضية لا تضم حالياً متهمين أجانب يمكن سجنهم، وبالتالي ستقتصر على المحليين، وحتى إذا أثارت معارضة دولية فستكون محدودة، فالهدف منها إعادة كتابة تاريخ ثورة 25 يناير وإظهارها كمؤامرة ممولة من أجهزة أجنبية".
وسبق لـ"العربي الجديد" أن كشف خلال أسبوع زيارة السيسي إلى واشنطن أن "هيئة التحقيق في قضية التمويل كانت على وشك إعلان تفاصيل واتهامات جديدة في القضية، لكنها أرجأت ذلك بتعليمات مباشرة من مكتب السيسي حتى لا تؤدي لإحراجه في واشنطن، وبعد عودة السيسي بأيام استأنفت هيئة التحقيق نشاطها باستدعاء عدد من الحقوقيين الممنوعين من السفر والتصرف في أموالهم، وأخلت سبيلهم بكفالة، ما يعني تأكيد الاتهامات في حقهم".