كيف تحول الراقص التونسي إلى سفاح؟

01 يوليو 2015
على شاطئ سوسة حيث وقعت المجزرة (ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -

لم يبدأ بعد زمن التحليل، فالصدمة لا تزال متسمرة في الأذهان ومحيطة بكل حركة في تونس، ومشهد الدماء التي طلت شاطئ سوسة بعد المجزرة، لم يفارق ذاكرة الناس، كما لم يستطع التونسيون بعد تجاوز المأساة إلى محاولة فهم الأسباب.

يسيطر على التونسيين خوف من وقوع عملية ثانية تقضي على ما تبقى من ثقة في الحماية، على الرغم من النجاحات التي حققتها وزارة الداخلية التونسية، بحيث تمكنت من تفادي ما هو أسوأ مرات عديدة.

وتنصب الجهود في الوقت الراهن على ما يمكن أن يحدث في المستقبل وكيفية تفاديه، ولم تنطلق بعد محاولة فهم ما جرى وكيف جرى ولماذا؟ لماذا تحول الفتى المولع بالرقص إلى سفّاح لا رحمة في قلبه، يلاحق ضحاياه بدم بارد وكأنه اعتاد على القتل. يختارهم بعناية سياسية فائقة ويبحث عن الترفيع في نقاط رصيده تماما كما يفعل الأطفال والمراهقون في لعبة القتل على الكمبيوتر.

تذهب الصور والشهادات التي تناقلتها وسائل الإعلام التونسية والأجنبية في الاتجاه نفسه، وتزيد من الحيرة والتساؤل، وتضفي على شخصية سيف الدين الرزقي، إرهابي سوسة، مزيداً من الضبابية.

اقرأ أيضاً: روايات بريطانية عن لحظات رعب مجزرة سوسة

فهذا الشاب (23 عاماً)، متفوق في دراسته الى أبعد درجة، وهو طالب ماجستير في "المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا" بجامعة القيروان. كان بارعاً في فن "البريك دانس"، الذي ملأ الشوارع التونسية منذ سنوات. رأت عائلته وجيرانه وأصدقاؤه من أبناء الحي في مدينة قعفور فيه شاباً عادياً، يدرس ويعمل في حيّه نادلاً في أحد المقاهي أثناء العطل، وهو ما فعله قبل أيام من المجزرة، بحسب شهادات أصدقائه لإحدى القنوات الإنجليزية.

 

ولم يلحظ المقربون منه في البداية ميولاً خاصة نحو التشدد أو التدين الواضح. كان كأي شاب تونسي، إلى أن بدأت تصرفاته تتغير قليلاً في الفترة القصيرة التي سبقت إقدامه على العملية، خصوصاً غوصه الواضح في عالم الإنترنت وميوله إلى الانزواء. لكنها لم تكن مؤشرات تلفت الانتباه أو تنبئ بأن تغييراً كبيراً طرأ على سلوكه.

بعيداً عن المقاربة الأمنية التي تبقى صاحبة الأولوية في الوقت الراهن، يحتاج التونسيون إلى فهم الظاهرة من داخلها وتفكيكها، والبحث عن كيمياء التغيير التي يحدثها الإرهابيون، لاصطياد زبائنهم ومسح ذاكرتهم وإقناعهم بالقتل العمد وإحداث الضرر الأكبر، وإقناعهم بالموت في سبيل ذلك، وبسرعة قياسية، والأدهى إقناعهم بعدم تغيير عاداتهم وملامحهم.

كيف يمكن أن يتم كل ذلك دون أن يتفطن الأصدقاء في الحي والزملاء في الدراسة والعائلة القريبة، ثم يصحو الجميع على الفاجعة، ليبقى الشرود سيد الموقف والتساؤل مسيطراً على كل المكان. لقد تحدث محللون تونسيون كثر حول الموضوع وأقروا بأن المقاربة العلاجية ينبغي أن تكون شاملة وألا تترك وزارة الداخلية أو الدفاع لوحدها في محاربة مفاهيم وقناعات أكثر منها شخوصاً أو أعداء واضحين، ولذلك يشدّد المهتمون على ضرورة إقرار نشر توعية دينية تحطم أهم مرتكزات المتشدّدين، بموازاة معالجة اجتماعية وإحاطة نفسية داخل المدارس والمعاهد والكليات تنتبه إلى المنعزلين وتعالج ذوي المشاكل الذين يهربون بهمومهم إلى أنفسهم إلى أن تستفحل المشكلة. يفترض المنطق أن يكون مناخ الديمقراطية الذي قطع مع الكبت والصمت المطبق طريقاً ومتنفساً إلى التخلص من العقد والتصريح بالفكرة والإدلاء بالرأي، ولكن يبدو أن المشاكل الاجتماعية وتراكم السنوات أقوى في الوقت الراهن من مناخ سيطر عليه السياسيون وتراجع فيه الشباب إلى الصف الثاني أو الثالث مع أنهم كانوا أصحاب الثورة الحقيقيين، أشعلوها وأنجزوها وحرصوا على أن تكون كاملة، ثم تراجعوا ليخفت صوتهم من جديد.

إن ظاهرة سيف الدين الرزقي الذي تحول من راقص إلى قاتل من نوع خاص تستوجب إعادة صياغة إصلاح المنظومات برمتها، وتغيير زوايا النظر، وهو ما يحتاج بالفعل إلى حوار وطني شامل لا يتوقف عند السياسة ولا يقوده سياسيون، بل ينبغي أن يكون في عمق الأشياء بعيداً عن تسجيل النقاط الذي تعود عليه التونسيون بموجب ودون موجب في كل حادثة، خوفاً من أن يطل علينا قاتل آخر، كان أيضاً هادئاً ومتفوقاً وعادياً ككل أقرانه، ثم وقعت الكارثة.

اقرأ أيضاً: الحياة أقوى من الرصاص في سوسة

المساهمون