تونس: هل ينجح الغنوشي في منع "السياحة الحزبية"؟

18 نوفمبر 2019
تداعيات سلبية لتنقل النواب بين الأحزاب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
دعا رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، بمناسبة الجلسة الافتتاحية للدورة التشريعية الجديدة، يوم الخميس الماضي، إلى ضرورة تنقيح النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، ومنع "السياحة الحزبية" (الانتقال بين الأحزاب) داخله، بهدف إضفاء طابع أخلاقي على الحياة السياسية. ورأى رئيس حركة "النهضة" أن النائب يفقد صفته إذا ما غادر كتلته التي ترشح عنها. ويصف البعض في تونس ظاهرة تنقل النواب من حزب إلى آخر، أو الترحال الحزبي، بالانقلاب على نتائج الصندوق الانتخابي، فيما يرى آخرون في الظاهرة إضراراً باستقرار الأحزاب، وخطوة غير مقبولة من الناحية الأخلاقية، بسبب المصالح الضيقة التي قد تقف وراءها. وأدت عملية تنقل النواب من حزب إلى آخر في خلال ولاية البرلمان السابق، إلى إرباك المشهد السياسي التونسي، ما أثّر بتوازناتٍ داخل هذا الجسم التشريعي، وبعملية التصديق على مشاريع القوانين والاتفاقيات.


وكانت إحصائيات برلمانية قد أشارت إلى أن عملية انتقال النواب بين الكتل خلال الدورات البرلمانية الأربع (البرلمان المنتهية ولايته) فاقت ثلث عدد النواب، إذ تنقّل 74 نائباً من إجمالي 217، من كتلة إلى أخرى، ومن بينهم نواب انتقلوا أربع مرات خلال أربع سنوات.

ويعتبر حزب "نداء تونس" من أكثر الأحزاب التي مارس نوابها ما يُسمى "السياحة الحزبية" في خلال دورة مجلس نواب الشعب 2014 - 2019، بعد استقالة 32 نائباً، وتكوينهم كتلة الائتلاف الوطني، يليه حزب "تحيا تونس"، ما أدى إلى انقسام "النداء" وتراجعه من الحزب الأول في انتخابات 2014 إلى شغله ثلاثة مقاعد فقط خلال العام الحالي، فيما حصل "تحيا تونس" المنشق على 14 مقعداً.

وتقدّم "نداء تونس" في فبراير/ شباط الماضي، بمشروعٍ لتعديل الفصل 34 من القانون الانتخابي، نصّ على اعتبار كلِّ عضو مستقيل من كتلته البرلمانية أو الائتلاف الذي ينتمي إليه أو الحزب الذي انتخب له، مستقيلاً من النيابة بمقتضى ذلك.

وتعليقاً على هذه الظاهرة، رأى النائب عن حزب "تحيا تونس" وليد جلاد، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، أنها مسألة تحتاج إلى الحوكمة داخل الأحزاب، وإلى مراجعة نظامها، لتأتي لاحقاً المعالجة. ولفت جلاد إلى أن "السياحة الحزبية تتخطى حزب نداء تونس وما حصل معه، لتشمل الأحزاب جميعها، إذ لا بد من البحث والتساؤل حول كيفية حكمها وإدارتها"، متحدثاً عن "ضرورة إعادة النظر في البنية الحزبية في تونس، وفي كيفية اختيار القوائم المرشحة للانتخابات".

وفي هذا الإطار، اعتبر النائب عن "تحيا تونس"، أن السياحة الحزبية تشكل جزءاً من إشكالية أكبر تتعلق بسوء الحوكمة واختيار النواب وتكوين القوائم، حيث يمكن اليوم الانتخاب على أساس الأشخاص وليس النواب، مؤكداً أن الأحزاب التي انقسمت وتضررت من السياحة الحزبية، عانت من سوء حوكمة وتسيير داخلها، ما أدى إلى تنقّل نوابها ومغادرتهم، وبالتالي فإن السياحة الحزبية تشكل النتيجة وليست المسبب لهذه المعضلة.

من جهته، وصف المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في حديث مع "العربي الجديد"، تداعيات السياحة الحزبية بـ"الكارثية" على العديد من الأحزاب في تونس، وقد بينت بحسب رأيه "نوعاً من الانتهازية والوصولية لدى بعض النواب، ما فتح المجال لتدفق المال ومناقضة الشعارات والبرامج الحزبية، وتلك التي أطلقها المرشحون". ولفت إلى أن الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي سبق أن دعا هو أيضاً، إلى "أخلقة" الحياة السياسية ومنع السياحة الحزبية.

وبحسب المحلل السياسي التونسي، فإن الغنوشي سعى اليوم إلى تمرير رسالة موجهة إلى الجميع، من خلال دعوته هذه الشبيهة بدعوة السبسي، مبيناً أن رئيس البرلمان "هو رئيس جامع"، وأن "المبادرة قد تكون من خلال النهضة التي تمثل أكبر كتلة في البرلمان، لكنها تنتظر توافر الإرادة السياسية الجامعة، فإذا ما نجح التنسيق مع بقية الكتل التي أصبحت تستشعر الخطر، وتعي ضرورة منع السياحة الحزبية، يمكن حينها الحد من مثل هذه الظواهر".

ولفت الحناشي إلى أن عدداً من الدول، كالمغرب مثلاً، تعاني بدورها من ظاهرة الترحال السياسي والحزبي، الذي أثبتت غالبية التجارب تداعياته السلبية على الكتل البرلمانية وعلى الأحزاب في حد ذاتها. ولفت إلى أن "الحد من هذه الظاهرة ومنعها، من شأنهما خلق استقرار داخل الكتل، وفي صياغة مشاريع القوانين داخل البرلمان بأريحية"، مبيناً أن المشكلة الأساسية تكمن عند الأحزاب التي تغوي النواب وتجذبهم.