وتشارك في الانتخابات المقررة في مايو/أيار، وفقاً لقاعدة بيانات المفوضية العليا للانتخابات المسؤولة عن عملية الاقتراع وإعلان النتائج، 206 أحزاب وكيانات سياسية و27 تحالفاً انتخابياً كبيراً. ويتوقع أن يبلغ عدد المرشحين في عموم مدن العراق أكثر من 11 ألف مرشح، بارتفاع يبلغ ألفي مرشح عن الانتخابات الماضية في 2014، والتي شارك فيها 9 آلاف مرشح للتنافس على 328 مقعداً من مقاعد البرلمان.
وخلال الأسبوع الماضي، شهد عدد من المدن والمحافظات العراقية مهرجانات ومؤتمرات وحملات مختلفة نظمتها أحزاب وكتل فضلاً عن شخصيات سياسية تنتمي إلى المكون العربي الشيعي، تخللتها عمليات توزيع مواد غذائية وهدايا عينية ومبالغ مالية، تركزت خصوصاً في مناطق العشوائيات والأحياء الفقيرة المصنفة ضمن خط الفقر.
كما نفذت أحزاب من المكونين العربي السني والكردي حملات مماثلة طاولت مخيمات النازحين والمدن المدمرة التي عاد اليها أهلها بلا خدمات. وشهدت أجزاء من الموصل توزيع مولدات كهرباء صغيرة على شريحة من المواطنين من قبل إحدى الشخصيات السياسية السنية يبلغ سعر الواحد منها نحو 250 دولارا، ضمن ما يعرف بالعراق (مولد الخمسة أمبير)، فضلاً عن توزيع مواد غذائية وملابس وهدايا مختلفة شملت شريحة رجال الدين وزعماء العشائر في تلك المدن. وتشير هذه التطورات إلى أن السباق الانتخابي بدأ فعلياً في العراق من خلال التركيز على شريحة الفقراء والنازحين وسكان العشوائيات عبر عمليات توزيع الهدايا والمساعدات الغذائية. ويفتح هذا الأمر مجدداً ملف مصادر تمويل الأحزاب والسياسيين في العراق، ومصدر الثراء والأموال التي يقدمونها مع كل انتخابات لكسب أصوات المواطنين.
وعلى الرغم من إقرار قانون خاص ينظم عمل الأحزاب في البلاد، إلا أنه لا يزال غير مفعّل في ما يتعلق بفقرة مصادر تمويل الحزب وطرق حصوله على الأموال لتغطية نشاطاته، إذ لم تطرح أي من ملفات الأحزاب ومصادر تمويلها لغاية الآن.
وكشف موظفون سابقون في مفوضية الانتخابات، أشرفوا على عملية الاقتراع السابقة عام 2014، عن أرقام كبيرة في ما يتعلق بحملات المرشحين الانتخابية تبدأ من 50 ألف دولار وتصل حتى 2 مليون دولار بالنسبة للأسماء البارزة والتي سبق أن تسلمت مناصب مهمة بالدولة. وتنفق غالبية أموال المرشحين على المساعدات الإنسانية في العشوائيات والأهوار والمناطق الفقيرة أو المعدمة جنوب العراق ووسطه وبغداد على وجه التحديد. وتتفاوت بين بطانيات ومدافئ نفطية وسلال غذائية. كما تشمل هبات وهدايا توزع على رجال الدين في الجوامع والحسينيات في العراق، فضلاً عن توزيعها على زعماء القبائل والعشائر وتختلف قيمة ما يطلقون عليه هدية بين مبلغ مالي وهدايا ثمينة مثل قطعة سلاح "مسدس" أو ساعات ذهب، فيما يذهب آخرون إلى قطع وعود بالتعيين والتوظيف لمن ينتخبهم.
نبيل فاهم، أحد مراقبي الانتخابات العراقية السابقة، أوضح في حديث مع "العربي الجديد" من العاصمة البلجيكية بروكسل، أن الانتخابات العراقية السابقة استنزفت من أموال الدولة الكثير، لكن أحداً لا يرغب في فتح هذا الملف". وقال إن "رئيس الوزراء في ذلك الحين نوري المالكي سحب مما يعرف بين العراقيين بـ"النثرية" الخاصة بمجلس الوزراء من أجل حملته الانتخابية، واستخدم وزير آخر مقرب منه نفس الأمر وأهدى ست سيارات حديثة تم إخراجها عن الخدمة بسبب حوادث وأعطال فيها إلى رجل دين في إحدى زياراته إلى جنوب العراق". وأَعرب عن اعتقاده أن "تلك السيارات ستعتبر من الممتلكات التالفة التي لا يسأل عنها أحد". ولفت إلى أن تمويل المرشحين لحملاتهم الانتخابية يتم من خلال موارد الدولة، تحديداً بالنسبة للأحزاب الكبيرة والمشاركة بالحكومة، فيما يعتمد آخرون على التمويل الآتي من قبل دول جوار العراق".
والشهر الماضي كشف مقربون من إحدى الكتل الكبيرة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن تسلّم زعيم سياسي سني مبلغ مليون دولار من السعودية المعروف بعلاقته بها بهدف ترتيب أوضاعه للدخول إلى الانتخابات. وتحاول الرياض تغيير توزيع المناصب الرئاسية الثلاثة بالعراق ليُمنح منصب رئيس الجمهورية لشخصية سنّية بينما يكون بطبيعة الحال البرلمان لكردي والحكومة تبقى من حصة التحالف الشيعي. وبحسب المصادر نفسها، فإن تلك الشخصية اشترت منزلاً في إسطنبول وأنفقت بنصف المبلغ المتبقي على سكان المخيمات الخاصة بالنازحين في الموصل والانبار وصلاح الدين.
في المقابل تشير المعلومات إلى دعم مماثل لشخصيات أخرى من مختلف الطوائف والأحزاب مصدرها إيران ورجال أعمال بارزين في العراق وأخرى لأحزاب تستغل وجود أحد أعضائها على رأس وزارة أو هيئة تقوم من خلاله بتمويل حملاتها أو على الأقل بسد جزء منها.
وقال القيادي في التحالف الوطني الحاكم، النائب علي شكري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "التلاعب بالانتخابات ونتائجها بدأ من الآن من خلال المال السياسي، ولا بد من تفعيل القانون فوراً في ما يتعلق بالتمويل والإنفاق ومن أين يأتي المرشح أو الحزب بهذه الأموال الضخمة". وأشار إلى أن "المال السياسي يأتي من خارج العراق بمبالغ كبيرة وبالتالي هو من يتحكم بالانتخابات". وأضاف "يجب أن نعرف مصدر هذه الأموال، وهيئة النزاهة أطلقت أخيراً لجنة لمراقبة الموضوع". ولفت إلى أن "الأحزاب والمرشحين إما ينفقون من موازنة الدولة على أنفسهم ودعايتهم الانتخابية أو من خارج الحدود".
من جهته، أعرب الخبير بالشأن السياسي العراقي، عبد الحميد السعدي، عن اعتقاده بأن جميع الأحزاب السياسية تملك مصادر تمويل "غير نظيفة". ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "من غير المعقول أن يمول الحزب نفسه من الاشتراك الشهري لأعضائه الذين لا يتجاوز عددهم في أفضل الأحوال 10 آلاف عضو بواقع ألف دينار شهرياً (نحو 0.85 دولار)". ورأى أنه "يوجد مصادر عدة لهم، الأول من الخارج والثاني من الفساد الحكومي باعتبار أن الأحزاب نفسها هي من تسيطر على مفاصل الدولة العراقية". ووصف الملف بأنه "إرث الولايات المتحدة في العراق بعد الاحتلال، ولا توجد طريقة أو قوة يمكنها وقف تمويل الأحزاب من الخارج أو من أموال المواطن العراقي".