الأبقار... سلاح المستوطنين لاضطهاد مزارعي الأغوار

27 ابريل 2020
يتاح للمستوطنين إطلاق مواشيهم وأبقارهم في كل مكان(عارف درغمة)
+ الخط -
الآن حتى أدرك المزارع جمعة بشارات من خربة سمرة بالأغوار الشمالية الفلسطينية، شمال شرق الضفة الغربية المحتلة، سبب منع الاحتلال الإسرائيلي له ولغيره من المزارعين، من وضع سياج حول أراضيهم الزراعية، وقيامه مرات عديدة بخلعه ومصادرته. ويقول إنّ ذلك "كي تبقى أراضي المزارعين الفلسطينيين مرتعاً لمواشي المستوطنين يرعون فيها، ويدمرون محاصيلنا الزراعية"، وذلك خلال وصفه في حديث مع "العربي الجديد"، ما جرى معه وعدد من المزارعين أخيراً، عندما هبطت عليهم نحو خمسين بقرة من بؤرة استيطانية أقيمت حديثاً على تلة جبل قريب منهم، وأتت على محصوله من الشعير والقمح.

"فعلا إذا عُرف السبب، بَطُل العجب"، يقول بشارات، وهو يعرف اليوم، لماذا كان الاحتلال يأتي مسرعاً فور انتهاء المزارعين من تثبيت سياج حول أراضيهم، فيما تقوم جرافة عسكرية بخلعه كلياً ومصادرته. ويضيف: "لقد فعلوا هذا الأمر مرات عدة خلال العام الماضي وبداية هذا العام، وهو ما ترافق مع تهديد لنا بفرض غرامات مالية، حال عاودنا الكرة. هم يريدون أن تبقى أراضينا مستباحة من قبل المستوطنين، يدخلون إليها ويخربون المحصول ويسرقونه. وعندما راقبناهم، وجدنا أنهم أحضروا مئات الأبقار وتركوها ترعى ما زرعناه ولم تترك منه شيئاً، فقضت على المحصول".

وينقل بشارات عن شهود عيان تأكيدهم أنّ شاحنات ضخمة للمستوطنين أنزلت في ساعة متأخرة من الليل منتصف الأسبوع قبل الماضي، نحو مئتي بقرة، ومثلها من الأغنام على مقربة من خربة سمرة، وتركتها هائمة على وجهها تأكل كل ما تصل إليه. ويتابع: "عندما اكتشفنا أمر قطيع الأبقار والأغنام، كان الوقت قد فات، إذ رعت معظم ما كنّا قد زرعناه. وتبيّن لنا أنّ الأمر تكرر في المناطق المجاورة لنا، حيث قُدّر عدد الأبقار بنحو 700 رأس، وهذا عدد ضخم لا يمكن السيطرة عليه بسهولة".

وبالفعل، فهذا الحال لا يقتصر على خربة سمرة وحدها، فقد طاول كذلك مناطق الفارسية، وأم القبا، وأبو القندول وغيرها، وهي تجمعات سكانية لمزارعين ورعاة أغنام من البدو في الأغوار، يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وإنتاج الجبنة والحليب.

في السياق، يشير الناشط في مقاومة الاستيطان في الأغوار، عارف دراغمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "حكومات الاحتلال المتعاقبة أولت مناطق الأغوار اهتماماً كبيراً، فهي تدعم المستوطنات هناك، والزراعية منها تحديداً، وتقدّم تسهيلات كبيرة للمستوطنين، وتشجعهم على سرقة الأراضي الفلسطينية بدعم من جيش الاحتلال، وتوفر لهم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء وشبكات الطرق. وبالتالي، يشعر المستوطن بالأمان والحماية، ما يعطيه ضوءاً أخضر لشنّ اعتداءات مبرمجة على التجمعات الفلسطينية، واستباحة أراضي الفلسطينيين ومياههم ومزارعهم، من دون حسيب أو رقيب".

وفي وقت يلاحق فيه جنود الاحتلال الرعاة الفلسطينيين ويمنعونهم من الوصول إلى مناطق الرعي الوفيرة التي تتكاثر فيها الحشائش والأعشاب والمياه، وقد يصل الأمر إلى اعتقال الرعاة ومصادرة القطيع ونقله إلى حظائر خاصة داخل المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال، ولا يُفرج عنه إلا بعد توقيع الراعي على تعهد بعدم الوصول إلى تلك المناطق، يتاح للمستوطنين إطلاق مواشيهم وأبقارهم في كل مكان، فيما يبقى حراس المستوطنات المسلحون يجولون بسيارات الدفع الرباعي لحمايتهم ومنع المزارعين الفلسطينيين من الدفاع عن محاصيلهم.

ويقول دراغمة: "هذا مشهد تتجسد فيه قمة القهر، أرضك التي تنتظر أن تجني ما زرعته فيها ببالغ الصبر، تدخلها عنوة أبقار المستوطنين وتعيث فيها فساداً، ولا يمكنك إخراجها منها. وفي الوقت الذي تلاحقك فيه ما تسمى (سلطة حماية الطبيعة) الإسرائيلية وتمنعك من الزراعة أو الرعي بحجة حماية البيئة، يُطلق العنان للمستوطنين ومواشيهم وأبقارهم باستباحة كل شيء".

ويلفت دراغمة إلى أنّ "الاحتلال كان يخطط لهذه الخطوات منذ الصيف الماضي، فقد شيد مستوطنون في أغسطس/آب 2019، حظائر جديدة للأبقار، على أراضي في منطقة أبو القندول بالأغوار الشمالية، ووضعوا فيها عشرات الأبقار، تضاف إلى حظائر موجودة في السابق، تضم أكثر من ألف رأس من الماشية".

ويشكّل الوجود الفلسطيني في الأغوار حصناً قوياً أمام مخططات الاحتلال الإسرائيلي، لذلك يسعى الأخير إلى ضربه بشتى الوسائل والطرق، ومن أهمها استهداف الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية بصفتها المصدر الأساسي للدخل لدى الفلسطينيين هناك.

ويتمثّل ذلك في مصادرة الأراضي والأغنام، واتخاذ التدريبات العسكرية وسيلة لضرب قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، ناهيك عن مصادرة مساحات شاسعة من المراعي تحت مسميات مختلفة منها "محميات طبيعية"، ومنها مناطق تدريبات عسكرية، عدا عن المناطق المزروعة بالألغام الأرضية، والتي تهدد حياة الفلسطينيين. هذا فضلاً عن فرض الاحتلال غرامات مالية باهظة بحق عدد كبير من مربي الأغنام بحجة رعي المواشي في مناطق ممنوعة، كما يصفها الاحتلال الإسرائيلي، ما أرهق كاهل المزارع الفلسطيني.

وتقدر مساحة الأغوار في أراضي فلسطين التاريخية بحوالي 1.6 مليون دونم. أما الأراضي التي احتلت من الأغوار عام 1967، فتبلغ مساحتها 720 ألف دونم، أي حوالي ربع مساحة الضفة الغربية، وفيها 27 تجمعاً فلسطينياً إلى جانب عشرات التجمعات البدوية، بمجموع 65 ألف مواطن فلسطيني.

المساهمون