وكشفت مصادر رفيعة في وزارة الخارجية التركية لـ"العربي الجديد" تفاصيل التحضيرات للجولة الجديدة من المشاورات بين أنقرة وموسكو قائلة إن الوفد الروسي يحمل في جعبته خارطة تتحدث عن مدينة إدلب ومحيطها من أجل الاتفاق عليها مع تركيا، وتتضمن ما يشبه منطقة أمنية أو آمنة تريد أن يتم التوافق على طولها وعرضها، وأن يشار إلى أنها تتماشى مع اتفاق أضنة (الذي يتيح دخول تركيا إلى الأراضي السورية)، من دون إجراء تغيير في الاتفاقية نفسها، ما يعني عملياً انتهاء منطقة خفض التصعيد.
وأضافت المصادر أنه ينتظر أن يتراوح عمق المنطقة من الحدود التركية للداخل السوري بين 5 كيلومترات و35 كيلومتراً من الحدود التركية. وبحسب المصادر، تطرح روسيا أن يتم التوصل إلى خطة شاملة تتضمن اتفاقا لوقف إطلاق نار، وإيجاد حل لمشكلة تواجد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي تتخذ منها روسيا ذريعة لاستهداف المعارضة والضغط على تركيا طوال السنوات السابقة.
ووضعت المصادر نفسها الرفض الروسي لعقد قمة رباعية تركية روسية فرنسية ألمانية في خانة رغبة موسكو المؤكدة بمواصلة العمليات القتالية في ريف إدلب الجنوبي، وصولاً إلى السيطرة على بلدتي أريحا وجسر الشغور الهامتين، والطريق الدولية حلب ــ اللاذقية "أم 4"، وبذلك إكمال الهدف الروسي بالاستحواذ على الطرق الدولية، وبعدها يتم عقد الاتفاقات مع تركيا وبقية الدول. وحول رد الفعل التركي والتهديدات السابقة للرئيس رجب طيب أردوغان بالرد بحلول نهاية شهر فبراير/شباط الحالي اذا لم يسحب النظام السوري قواته إلى ما خلف نقاط المراقبة التركية، قالت المصادر إن "الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، رفضا دعم تركيا عسكرياً في إدلب واكتفيا بمواقف داعمة سياسية، وهو ما جعل أنقرة وحيدة، وبالطبع إن تركيا لا تريد الانجرار لمواجهة مفتوحة مع روسيا كما يرغب الغرب بذلك". ووفقاً للمصادر نفسها فإنه "من هنا ستجد تركيا نفسها مضطرة للتفاهم مع روسيا، ما يعني أن المحادثات الجارية حالياً قد تكون تجاوزت الحديث عن انسحاب قوات النظام من بلدات معرة النعمان وسراقب وحتى النيرب التي تقدمت لها قوات المعارضة أخيراً، والتي قد يكون وجود الفصائل فيها مؤقتاً والسيطرة عليها صعبة، إلا إذا حصلت فيها تحصينات كبيرة تصمد أمام هجمات الطيران الروسي".
وشدّدت المصادر على أن "تركيا كانت تأمل أن يكون للأطلسي والولايات المتحدة موقف واضح وصريح بتقديم دعم لها في أي عملية عسكرية شاملة في إدلب، ولكنها تعرضت لخيبة أمل كبيرة، وبدلاً من ذلك باتت هناك مخاوف من جرّها لمنزلق كبير بمواجهة روسيا". ولفتت المصادر إلى أنه "عقب التوافقات التي يمكن أن تجري في إدلب بين موسكو وأنقرة، فقد تفصح تركيا لاحقاً عن مسار التفاهمات والتطورات التي حصلت وتبيّن للعالم حقيقة المواقف الدولية، حتى صواريخ باتريوت التي طلبتها أنقرة لم تقدمها واشنطن، لدعم الموقف التركي، وهو ما استغلته روسيا بشكل جيد لاستكمال الخطة العسكرية بالسيطرة على الطرق الدولية بشكل كامل"، في وقت لم يعرف فيه بعد مصير نقاط المراقبة التركية المحاصرة من قبل النظام.
في هذه الأثناء، ذكر أردوغان أن التواصل مستمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل تحديد النواقص في خارطة الطريق حول إدلب. وأضاف في تصريحات صحافية قبيل توجهه للعاصمة الأذرية باكو في زيارة رسمية، أنّ روسيا تقدم دعماً على أعلى المستويات لقوات النظام السوري، مشدّداً على أن "هذا موثق لدينا حتى وإن أنكروه". وأشار إلى أنه ليس هناك "اتفاق كامل" حول عقد قمة رباعية بشأن سورية تجمع تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، علماً أنه أعلن عنها يوم السبت الماضي، ومحدداً موعدها في 5 مارس/آذار المقبل. واكتفى بالقول إنه "في أسوأ الحالات" يمكن أن يعقد اجتماعاً ثنائياً مع بوتين في التاريخ نفسه. أما في موسكو فقد أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أنه "يتمّ درس احتمال (عقد) لقاء متعدّد الأطراف". وقال لصحافيين إن "الأمر ليس متعلقاً باتصالات ثنائية" بين بوتين وأردوغان. وأوضح أن "القرار لم يُتّخذ بعد بما أن كل المشاركين المحتملين لم يعطوا موافقتهم بعد"، ملمحاً إلى احتمال عقد قمة ثلاثية تجمع قادة روسيا وتركيا وإيران بدلاً من قمة رباعية.
بدوره، رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدعوات إلى وقف هجوم قوات النظام، معتبراً أن ذلك سيكون بمثابة "استسلام للإرهابيين، بل وحتى مكافأة لهم على أفعالهم"، حسبما ذكر أمام مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة في جنيف السويسرية.
ميدانياً، تواصلت العمليات العسكرية في إدلب، مع محاولة قوات النظام ومليشيات عدة تساندها إحداث اختراق كبير يمكّنها من السيطرة على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، لتخطو بذلك خطوة واسعة باتجاه السيطرة الكلية على الطريق "أم 4" الذي يربط شمال البلاد بغربها، وهو الهدف البارز للنظام والروس في المدى المنظور. في المقابل، تضغط فصائل المعارضة بدعم تركي في محور قتال آخر ميدانه ريف إدلب الشرقي، مع محاولتها استعادة زمام المبادرة ومدينة سراقب، التي تُعدّ عقدة طرق مهمة في المحافظة التي من المتوقع أن تشهد تصعيداً كبيراً خلال الأيام المتبقية من الشهر الحالي.
وكان قد قُتل ثلاثة مدنيين وجُرح 12 آخرون أمس، بقصف صاروخي من قوات النظام على مدينة إدلب. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام قصفت براجمات الصواريخ مدرسة وروضة أطفال في المدينة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة بينهم امرأة وطفل، وإصابة 12 مدنياً جلهم أطفال. وأضافت أن قوات النظام ركزت قصفها على المدارس إذ طاول القصف 6 مدارس وروضتين هي مدرسة الظاهر بيبرس، ومدرسة البراعم، ومدرسة العز بن عبد السلام، ومدرسة طه غريب، ومدرسة خالد شعار، وروضتا المناهل والبراعم النموذجية. بدوره شنّ الطيران الحربي الروسي غارات على بلدات سرمين والنيرب ومعارة عليا وتفتناز في ريف إدلب الشرقي، مسفراً عن أضرار مادية. وكان قصف النظام على ريف إدلب قد أسفر يوم الاثنين الماضي، عن مقتل مدني وإصابة 10 آخرين بينهم طفل وامرأتان في البارة وبيلون بجبل الزاوية، كما أدى القصف إلى خروج مركز الدفاع المدني في البلدة عن الخدمة. وجاء القصف من النظام على مدينة إدلب تزامنا مع محاولات قواته استعادة السيطرة على بلدة النيرب شرق المدينة، حيث تواجه مقاومة شديدة من فصائل المعارضة. وذكرت مصادر محلية ان الطائرات الحربية قصفت الثلاثاء بالصواريخ القاعدة العسكرية التركية في مطار تفتناز في ريف إدلب الشرقي.
من جانبها، أعلنت فصائل المعارضة استعادة قرية معارة عليا بالقرب من بلدة النيرب شرق إدلب، التي سيطرت عليها يوم الاثنين بعد اشتباكات مع قوات النظام استمرت لأكثر من 10 ساعات، قتل خلالها نحو 20 عنصراً من قوات النظام وداعميه الإيرانيين والروس. وحاولت قوات النظام استعادة هذه البلدة إلا أنها فشلت، مع إعلان مصادر في فصائل المعارضة عن صدّ عناصرها سبع محاولات تقدّم لقوات النظام وروسيا.
وبحسب المصادر، فإن استعادة السيطرة على النيرب مهماة، لجهة إبعاد الخطر عن إدلب التي تبعد 8 كيلومترات، إضافة لكسر خط الدفاع الأول لقوات النظام عن محور سراقب من الجهة الغربية، وإعاقة أي محاولات تقدم باتجاه أريحا وقميناس وسرمين من قبل هذه القوات. وفي محور قتال آخر، واصلت قوات النظام قضم قرى وبلدات في ريف إدلب الجنوبي لتقترب أكثر إلى عمق منطقة جبل الزاوية، مع إدّعاء مصدر في قوات النظام أن الأخيرة كسرت خطوط دفاع فصائل المعارضة التي بنتها خلال سنوات، في البلدات والتلال المشرفة، حسبما نقلت عنه صحيفة "الوطن" الموالية للنظام. وأشارت إلى أن الطريق أمام قوات النظام لقضم بلدات ومساحات جديدة من الأراضي باتجاه جبل شحشبو في ريف حماة، الذي يعد امتداداً لجبل الزاوية من جهة الجنوب، بات سالكاً. وأكدت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن قواته سيطرت أمس على قريتي معرتماتر ومعرتصين بريف إدلب الجنوبي، بعد أن سيطرت خلال الأيام القليلة الماضية على قرى عدة في نفس الريف.
في المقابل، كشفت مصادر في فصائل المعارضة لـ"العربي الجديد" أن الجانب الروسي يضع ثقله في معارك إدلب، لافتة إلى أنه زجّ الفرقة 25 التي أسسها منتصف العام الماضي، في عمليات الاقتحام. وبيّنت المصادر أن المليشيات المشاركة في العمليات العسكرية الآن، هي: الفرقة 25 (دعم روسي)، والفرقة الرابعة وقوات الغيث (دعم إيراني)، والقوات الخاصة والفرقتان السابعة والثامنة (الحرس الجمهوري)، والفرقة 18 (قوات النظام)، ولواء القدس الفلسطيني. وأوضحت أن الاعتماد الروسي كبير على الفرقة 25، أو قوات العميد سهيل الحسن سابقاً، المؤلفة من العديد من الأفواج التي ارتكبت مجازر بحق المدنيين على مدى سنوات الحرب.
في هذه الأثناء، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جميع الأطراف المتحاربة في إدلب إلى السماح للمدنيين بالعبور الآمن هرباً من الهجمات وذكّرت تلك الأطراف بأن المستشفيات والأسواق والمدارس محمية بموجب القانون. وقالت المتحدثة باسم اللجنة روث هيذرنغتون في إفادة صحافية في جنيف "نحث كل الأطراف على السماح للمدنيين بالتنقل بأمان سواء في مناطق تسيطر عليها تلك الأطراف أو عبر الخطوط الأمامية". وأضافت أن تعذر الحصول على الرعاية الطبية والإمدادات الضرورية في إدلب يخلق أوضاعاً تهدد الحياة أدت بالفعل إلى حالات وفاة كان من الممكن تجنب حدوثها. وأضافت: "نحث كل الأطراف على السماح بتحرك (فرق الصليب الأحمر) وتقديم ضمانات أمنية حتى يتسنى لنا الاستجابة بشكل مناسب لاحتياجات الناس على جانبي الخطوط الأمامية".