"عودة" مفوضية الانتخابات العراقية... مصنع العملية السياسية

16 نوفمبر 2018
اتُهمت المفوضية بتزوير نتائج الانتخابات (حيدر همداني/فرانس برس)
+ الخط -

بعد نحو 5 أشهر على إعلان قرار تجميد مفوضية الانتخابات العراقية، عقب تصاعد اتهامات بحدوث تزوير وتلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية، وتسريب معلومات عن تقاضي رشاوى وأموال من مسؤولين، وإصدار الحكومة والبرلمان قرارات بمنع سفر أعضائها وتجميد عملهم، عاودت المفوضية عملها أخيراً، ضمن استعدادات لإجراء انتخابات المجالس المحلية (الحكومات المحلية للمحافظات)، وسط مطالبات من قبل نواب وسياسيين باعتماد آلية جديدة في تسمية أعضاء المفوضية وإبعادها عن المحاصصة السياسية والطائفية، وآخرين يرون في تولي القضاء ملف الانتخابات الحل الأمثل لذلك.

وتُقاد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي تأسست في عام 2004، وهي من الهيئات التي استُحدثت عقب الاحتلال الأميركي، ولا ترتبط بالحكومة بل بالبرلمان، ومهمتها تنظيم جميع أنواع الانتخابات والاستفتاءات، بواسطة المزاج السياسي الحاكم، إذ إنها خاضعة للمحاصصة السياسية والطائفية، فأعضاء مجلس أمنائها يجب أن يكونوا من مرشحي الأحزاب ووفق خارطة طائفية متعارف عليها منذ تأسيس المفوضية، أسوة بالحكومات المتعاقبة على البلاد منذ عام 2003. وتتقاسم الأحزاب، التي تمثل كل طائفة في العراق، مقاعد مجلس المفوضية، البالغة تسعة أعضاء. وهذا العضو، بحسب مسؤولين عراقيين، هو بمثابة راعي مصالح الحزب والطائفة. ولم يفلت عمل مفوضية الانتخابات، على مر سنوات عملها، من الاتهامات بالتزوير، وذلك من قبل الأحزاب الخاسرة أو المصدومة بنتيجة الانتخابات. وقد تعوّد العراقيون، بعد كل عملية انتخابية، على متابعة فصل جديد من الادعاءات والاتهامات والمساومات بين الأحزاب والمفوضية، والتي غالباً ما تنتهي بالصمت. ويقول محللون إن "الهدوء المفاجئ للأحزاب، بعد هجوم عاصف على المفوضية، يعني أنها أخذت ما تريد، وتم حل الأمور بطرق ترضي الحزب على حساب المفوضية".

وفي يوليو/تموز الماضي، قررت لجنة تحقيق في عمل المفوضية، شكلتها رئاسة الوزراء، عزل عدد من مديري مفوضية الانتخابات، بعد ارتكابهم مخالفات قانونية وتورطهم في تلاعب وفساد مالي، وذلك تنفيذاً لتوصيات رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، وتم إحالتهم إلى القضاء. وهم مدير عام مكتب محافظة صلاح الدين، ومدير مكتب انتخابات الأردن ونظيره في تركيا، بالإضافة إلى إنهاء تكليف وعزل كل من مدير مكتب انتخابات كركوك، ومدير عام مكتب انتخابات الأنبار. ويصف عضو "الحزب الإسلامي"، مطشر السامرائي، قرار فك تجميد عمل المفوضية، بعد ثبوت تورطها في الفساد والتلاعب بالأصوات في الانتخابات الأخيرة، بـ"المدهش، رغم أن التحقيقات في إخفاقها لم تظهر نتائجها". وقال السامرائي، لـ"العربي الجديد"، إن "مفهوم الاستقلالية غير متوفر في العراق، وينطبق هذا الأمر على كل الدوائر الحكومية والمؤسسات والهيئات التي من المفترض أن تكون مستقلة، فالحزبية موجودة في البلاد بأدق صورها". واعتبر أن "إدارة الدولة العراقية، بعد عام 2003، لم تكن على الصورة الصحيحة التي تُبنى دولة المؤسسات من خلالها"، مضيفاً أن "تطور الخلافات والصراعات بين الأحزاب، فضلاً عن كثرتها والتنافر والانقسامات، انعكس سلباً على كل مفاصل الحياة العراقية، بما فيها مفوضية الانتخابات، التي لا علاقة لها بالاستقلالية، ومن يقول إنها مستقلة فهو يكذب".

وأشار إلى أن "الأحزاب في العراق تحمي موظفيها الفاسدين ومندوبيها لدى الهيئات، ومن ضمنها مفوضية الانتخابات، من القانون، في حال ارتكابهم مخالفات أو قضايا تتعلق بالابتزاز والفساد، وتبقى تدافع عنهم إلى أن يتم تبرئتهم. وقد شاهدنا ذلك خلال السنوات الماضية، إذ لا أحد في المفوضية يلتزم بالقانون". واعتبر أن "قرار عودة المفوضية إلى العمل لاستكمال ما يتعلق بالانتخابات المحلية المقبلة، مع عدم وضوح نتائج التحقيقات في حرق صناديق اقتراع في بغداد وسقوط أجهزة العد والفرز الإلكتروني، يشير إلى نية الأحزاب الاستمرار في عمليات التزوير في المراحل المقبلة، عبر التمسك برجالها في المفوضية. ولو كانت الحكومة تريد تغيير المفوضية، لتمكنت من ذلك في مدة لا تتجاوز الشهر الواحد، والاعتماد على شخصيات كفؤة ونزيهة".

ومن المفترض أن تبحث مفوضية الانتخابات مع اللجنة القانونية في البرلمان، الأسبوع المقبل، إمكانية تغيير موعد إجراء الانتخابات المحلية، المفترض إجراؤها في 22 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ إنها تحتاج إلى أكثر من ستة أشهر لاستكمال تحضيراتها اللوجستية التي تتطلبها العملية الانتخابية، بحسب مسؤولين في المفوضية، خصوصاً مع إضافة أسماء نحو 900 ألف ناخب جديد. وقال مسؤول في المفوضية، لـ"العربي الجديد"، إن "كوادر المفوضية انطلقت في أعمالها فور إعلان رفع التجميد، والاستعدادات جارية من أجل تثبيت الأمور اللوجستية لانتخابات مجالس المحافظات المقبلة، وسيكون لدينا تواصل مع رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، من أجل بحث ملف موعد الانتخابات، لأن الوقت حالياً قليل، فالمفوضية بحاجة إلى وقت أكثر لإتمام الاستعدادات والإعلان عن ذلك".

وعن عودة عمل المفوضية من دون معرفة تفاصيل ونتائج المشكلات التي وقعت خلال فترة الانتخابات البرلمانية الماضية، قالت النائبة ندى شاكر، لـ"العربي الجديد"، إن "حادثة احتراق صناديق الاقتراع في بغداد، وتدمير أجهزة العد والفرز الإلكتروني، والتصويت تحت تهديد السلاح، والتلاعب بالنتائج والتزوير، وإغلاق مراكز انتخابية بالسلاح، كل هذه الوقائع لم تفعّلها المفوضية، وإنما جهات مسلحة وحزبية سياسية قامت بذلك، ولذلك فإن المحكمة لم تجد ما يدين أعضاء المفوضية، وتم تبرئتهم مما نسب إليهم". وأشارت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المفوضية متورطة في التزوير والإخفاق في إدارة ملف الانتخابات، ولكن سطوة الأحزاب وتطور عملية تلاعبها بالأصوات أقوى من المفوضية، فالأصوات كانت تصل إلى المفوضية جاهزة، لكن من دون معرفة كيفية وصولها وبأي طريقة وصلت، إذ إن بعض الأحزاب تعرف نتائجها قبل إعلانها، لأنها هي من أرسلت النتيجة إلى المفوضية جاهزة". واعتبرت أن "الأخطاء الصغيرة التي لم تعالجها الحكومة السابقة تسببت في فشل كبير ومشاكل، فقد كان من المفترض عدم السماح للمليشيات بالمشاركة في الانتخابات، لأن الخروقات التي حصلت كلها تعود إلى المليشيات، بالإضافة إلى منع المتورطين في الإرهاب، والذين يمتلكون سجلات إجرامية. أعتقد أن الانتخابات المحلية المقبلة ستكون أكثر تعقيداً وستتأزم فيها الأمور وتزيد الأحزاب من سطوتها وتحكمها في الأصوات والاستيلاء على إرادة المفوضية".

واعتبر المحلل السياسي العراقي محمد الشريفي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "عملية فك تجميد عمل المفوضية جاءت بناءً على عدم وجود إدانة من قبل القضاء بشأن الإجراءات التي رافقت الانتخابات الماضية، ولا ننسى قضية التوافقات ورغبة الكتل الكبيرة، المستفيدة من نتائج الانتخابات الأخيرة، ما سهل من عملية رفع التجميد عن عملهم. ولو كانت الأحزاب غير راضية عن نتائجها لظل التجميد عليهم، وقد يُحاسب أعضاء المفوضية حساباً عسيراً"، لافتاً إلى أن "قرار رفع التجميد يتماشى مع رغبات الكتل الكبيرة، وبالتأكيد التأثير السياسي حاصل وموجود على القرار. ويبدو أن المفوضية ستعمل وستتدارك بعض الأخطاء، خصوصاً أن الانتخابات المحلية ستكون أقل تأثيراً من البرلمانية".

المساهمون