تعثر جديد لمعركة الموصل: فاتورة الضحايا المرتفعة تجمّد الهجوم

28 ديسمبر 2016
نحو 5 آلاف قتيل بصفوف القوات العراقية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
مرة أخرى تتعثر معركة الموصل وتضطر القيادات العراقية إلى إيقاف مؤقت في ستة محاور من أصل سبعة بعد استئناف القتال فيها ليلة الجمعة الماضي، من دون أن توضح سلطات بغداد سبب التوقف. إلا أن مصادر عراقية أكدت أن وقف المعارك حصل بسبب تكدس المدنيين، وهي ورقة بات يتلاعب فيها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فضلاً عن ارتفاع معدل خسائر القوات المهاجمة وتضرر "الفرقة الذهبية" التي تُعد رأس الحربة في العمليات العسكرية لتحرير المدينة. وشهد يوم أمس، الثلاثاء، هدوءاً نسبياً في ستة محاور حول الموصل باستثناء المحور الغربي الذي تُشرف عليه مليشيات "الحشد الشعبي"، حيث بدت الصورة على نحو مرتبك بين معارك عنيفة واشتباكات متقطعة في قرى جنوب وغرب تلعفر. هذه الأوضاع تدل على أن حسم المعركة ضد "داعش" لن يكون سريعاً، وهو ما بدا في كلام لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي قال، أمس، إن الأوضاع تشير إلى أن العراق يحتاج ثلاثة أشهر للقضاء على "داعش"، كما نقل التلفزيون العراقي عنه.

كلفة باهظة
عند المدخل الشرقي لمدينة الموصل، تنطلق سيارة إسعاف بشكل جنوني، وتملأ هيكلها الخارجي ثقوب إطلاق الرصاص عليها من كل جانب، لكنها على ما يبدو مصرة على مواصلة الطريق بينما تغطي قطعة حديد زجاج السيارة الأمامي والجانبي للسائق خوفاً من القناصة. ويقول سائق الإسعاف حسن صبيح، إن السيارة قد تخرج عن الخدمة قريباً.
ويتوافد على مركز إسعاف صغير أقامته القوات الأميركية شرقي الموصل عدد كبير من القتلى والجرحى يومياً، بعضهم يلفظ أنفاسه في الطريق والآخرون يحالفهم الحظ بالعيش، وما بين دقيقة وأخرى تمر سيارات الإسعاف مسرعة وهي تطلق صفارات الإنذار حاملة معها جرحى وقتلى القوات الأمنية العراقية الذين يسقطون باستمرار خلال المواجهات المستمرة مع عناصر تنظيم "داعش" شرقي الموصل.

ومع اقتراب معركة الموصل من شهرها الرابع، تبدو كلفة استعادة المدينة من سيطرة "داعش" باهظة الثمن، فالأرقام التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر عسكرية، والتي تبدو متقاربة إلى حد كبير مع تقارير منظمات دولية حول خسائر القوات العراقية المشتركة بالإضافة إلى المدنيين من سكان مدينة الموصل، تظهر أنها في تزايد مستمر وأن وضع القوات المهاجمة لا يمكن وصفه بالجيد على أقل تقدير في ما يتعلق بالخسائر البشرية لها.
وعلى الرغم من إعلان قيادة الجيش العراقي فرض سيطرتها على أغلب الأحياء الشرقية من مدينة الموصل، إلا أن هذا الإعلان أصبح غير مقنع للمراقبين عند الحديث عن حجم التضحيات أو الخسائر. فالقوة الضاربة للقوات العراقية في المحور الشرقي لمدينة الموصل والتي تُعرف بـ"الفرقة الذهبية" قد خسرت نصف قواتها على الأقل خلال المعارك الطاحنة التي خاضتها على مدى أكثر من ثمانين يوماً من عمر معركة الموصل، وذلك بحسب مصادر عسكرية عراقية.
لذلك تحاول القوات العراقية سد النقص الحاصل في عدد قطعاتها العسكرية وإعادة ترتيب صفوفها من خلال إعلانها وقف الهجوم على مدينة الموصل، وإعادة النظر بالخطط العسكرية، وهو الإعلان الذي جاء على لسان العبادي خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد ليل الإثنين، دعا فيه إلى "اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الخسائر التي تتعرض لها القوات العراقية في معركة الموصل".


آلاف القتلى

وقال نقيب يعمل في قوات مكافحة الإرهاب، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن قوات مكافحة الإرهاب تخوض معارك مستمرة في أحياء الموصل الشرقية مع عناصر داعش الذين يجيدون أسلوب حرب الشوارع، وإن أغلب قتلى قوات الجهاز سقطوا بسبب العمليات الانتحارية. وأكد الضابط أن "سبب تزايد خسائر قوات مكافحة الإرهاب هو قيام القيادات العسكرية بزج جنود لم يكملوا الدورات التدريبية ولم يحصلوا على التدريب الكافي للقتال في معارك صعبة مثل معركة الموصل".
وأضاف أن "القوات العراقية تجد صعوبة في التحقق من هويات سكان الموصل، وهو ما يتيح لعناصر داعش التخفي بشكل جيد بين صفوف المدنيين ومهاجمة القوات العراقية في المناطق المحررة، فضلاً عن خطر الهجمات الانتحارية والقناصة الذين ينتشرون في أحياء الموصل وينتقلون بسهولة في الأنفاق والطرق الخاصة التي أنشأوها بين الأزقة، وهو ما أنهك القوات الأمنية"، لافتاً إلى أن القوات الأميركية تتواجد في الخلف كداعم بعيد بالنيران من أسلحتها، لذا لا خسائر في صفوفها.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر في وحدة الطبابة العسكرية داخل مقر قيادة عمليات تحرير الموصل، أن عدد القتلى في صفوف القوات الأمنية العراقية بلغ نحو 5 آلاف قتيل، إضافة إلى آلاف الجرحى الذين يتوزعون على 17 مستشفى في بغداد وأربيل والسليمانية وكركوك ومستشفيات عسكرية تابعة للتحالف الدولي في نينوى، فضلاً عن مستشفيات في تركيا وإيران تعاقدت معها الحكومة العراقية قبل أسابيع من بدء المعركة. وتشمل هذه الخسائر أفراد قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الجيش والشرطتين الاتحادية والمحلية والحشد الشعبي والبشمركة وأفراد القوات المكوّنة من مقاتلين متطوعين من سكان مدينة الموصل.

أما على الصعيد الإنساني، فقد أدت معركة السيطرة على مدينة الموصل إلى مقتل نحو 1200 مدني حتى الآن، من بينهم 850 قتلوا داخل الموصل والآخرون خلال معارك تحرير أقضية ومناطق نينوى الأخرى، في حين بلغ عدد الجرحى 3700 جريح يُشكّل الأطفال والنساء وكبار السن منهم أكثر من 51 في المائة، بحسب مصادر متطابقة داخل الموصل وخارجها تحدثت لـ"العربي الجديد". كما تسبّبت الحرب حتى الآن بتهجير 132 ألفاً من سكان المدينة وضواحيها مع تراجع أعداد الموجودين في الموصل إلى أقل من 900 ألف بعد النجاح بتحرير مناطق وأحياء سكنية مختلفة من شرقي وشمالي وجنوبي المدينة.
وقال الطبيب بشار العبيدي، الذي يعمل في وحدة طبية تابعة لدائرة صحة نينوى، إنه يتوقع وصول أعداد القتلى والجرحى من المدنيين الذين سقطوا بسبب القصف المتبادل والاشتباكات التي شهدتها أحياء مدينة الموصل إلى أكثر من خمسة آلاف قتيل وجريح أغلبهم من النساء والأطفال.
من جهة أخرى، أعلنت قيادات عسكرية عراقية مقتل وجرح أكثر من أربعة آلاف عنصر من تنظيم "داعش" منذ بدء العمليات العسكرية في الموصل. وقال المتحدث باسم قوات جهاز مكافحة الإرهاب صباح النعمان، لـ"العربي الجديد"، إن تقديرات القوات العراقية لقتلى عناصر "داعش" الذين سقطوا خلال المعارك في الموصل وصلت إلى أكثر من أربعة آلاف قتيل وجريح. وأوضح أن "المعارك التي خاضتها القوات العراقية في شرق الموصل أوقعت خسائر كبيرة في صفوف داعش وأنهكت قواه"، مضيفاً أن "غارات التحالف الدولي تقتل بشكل يومي عشرات العناصر من تنظيم داعش بضربات جوية دقيقة، وفق معلومات استخبارية".