ويحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تجاوز هذه الخلافات قبل قمة السبع الكبرى المقرر عقدها في فرنسا نهاية شهر أغسطس/ آب الحالي، والتي كان يأمل أن ينجح قبلها في تغيير توازن القوى الميداني لصالح حفتر، بهدف انتزاع مباركة أميركية وأوروبية لدعم مصر له.
وقالت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إنّ باريس تلقي اللوم على القاهرة في استمرار قصف حفتر لهذه المنشآت لأسباب مختلفة، أبرزها أنّ اللواء المتقاعد يحصل على المعلومات والبيانات اللازمة لهذه العمليات من الاستخبارات الحربية المصرية. يضاف إلى ذلك أن مصر تؤمن إمداده بالمعدات والذخائر اللازمة لذلك، "في وقت كانت فيه فرنسا تحاول الوصول إلى اتفاق مع إيطاليا ودول أخرى للعمل سوياً على تقليص إمدادات الذخيرة والسلاح للطرفين المتناحرين في ليبيا، سعياً للوصول إلى نقطة يمكن البناء عليها لإرغامهما على العودة لمسار المفاوضات السلمية".
وأضافت المصادر أنّ الحكومة الفرنسية التي كانت تدعم حفتر بصور شتى غير معلنة، فقدت حماستها له حالياً أكثر من أي وقت مضى، بسبب توالي الوقائع التي يُحرج فيها الدول الداعمة له، بارتكاب مخالفات ممنهجة وجرائم حرب أو خرق للهدنات، ولعجزه عن حسم المعارك المتتالية، وفشله في إثبات أنه الرجل الأقوى في ليبيا كما كان يصوّر سلفاً. وبحسب المصادر، فإن المعركة في طرابلس على وشك دخول شهرها السادس ولم يحقق حفتر التقدم الذي كانت الدول الداعمة له أو الراضية به أو المعارضة للوجود الإسلامي في حكومة الوفاق تتوقعه عند اندلاع المعركة الحالية في إبريل/ نيسان الماضي.
وذكرت المصادر نفسها أنّ فرنسا ما زالت عند موقفها الرافض لانخراط جماعات الإسلام السياسي في جيش حكومة الوفاق وأن يكون لها دور في خارطة المستقبل الليبية، وترى أنّ مصر لا تحقق أيضاً أي نجاح عملي في ملف تطويق الإسلاميين الذي كانت قد بدأت به منذ أعوام، وتسعى لبثّ الروح فيه من جديد حالياً من خلال استضافة قوى سياسية وقبلية مختلفة مؤيدة لحفتر أو معارضة للإسلاميين، ودعمها لمحاربتهم جهوياً، وتجفيف منابع إمدادهم بالأفراد والعتاد من داخل ليبيا.
وأشارت المصادر إلى استمرار التنسيق الفرنسي المصري في ملفات عديدة، على رأسها صفقات التسليح والمناورات العسكرية والتصدي للهجرة غير النظامية، إلا أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمتنع حالياً تحت ضغط أوروبي وداخلي عن منح مزيد من المساعدات لحفتر. وهو ما دعا السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد منذ أشهر عدة إلى تكثيف اتصالاتهما بموسكو وواشنطن، لتعويض ما قد ينتج عن خفوت الدعم الفرنسي، مع استمرار معارضة ماكرون لسياسة حكومة الوفاق في مهادنة مليشيات تعتبرها باريس "إرهابية"، وهي النقطة التي باتت المحور الأهم الذي تلتقي عنده المصالح المصرية والفرنسية في ليبيا، وفق المصادر.
وكان السيسي قد استقبل حفتر في زيارة لم يعلن عن تفاصيلها مطلع شهر أغسطس/ آب الحالي، وتلقى في الوقت نفسه اتصالاً من ماكرون استعرض بشكل أساسي تطورات الملف الليبي، وأكد خلاله السيسي مساندة مصر "لجهود الجيش الوطني الليبي (المسمى الرسمي لمليشيا حفتر والمعترف به في مصر)، في مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات الإرهابية".
وبحسب مصادر مصرية مطلعة سبق أن تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ السيسي سيكثّف في الفترة المقبلة من إرسال المواد الغذائية والمساعدات الطبية ومعدات عسكرية من مصر ودول أخرى تجمعها علاقات جيدة مع القاهرة، فضلاً عن تكثيف اتصالاته مع الدول الغربية، وأحدثها بريطانيا، لرفع الحظر المفروض رسمياً - وليس واقعياً - على تصدير السلاح إلى ليبيا، وتحسين ظروف التواصل بين حفتر والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهو الملف الذي تنشط فيه القاهرة عملياً أكثر من أي دولة أخرى داعمة لحفتر.
وكانت الدول الداعمة للواء المتقاعد قد خاضت معركة دبلوماسية مع الدول الأوروبية المعترفة بحكومة الوفاق الوطني بطرابلس، لمنع اتخاذ أي تدابير من شأنها توقيع عقوبات على حفتر أو تعطيل الدعم العسكري واللوجيستي المقدم له من حكومات مصر والإمارات والسعودية وبدرجة أقلّ روسيا، بما في ذلك تحريك تحقيقات دولية بشأن تدخل الإمارات حربياً في الميدان الليبي، واستخدام أسلحة صينية الصنع لا تمتلكها إلا دول معدودة، منها أبوظبي لتحقيق أفضلية لمصلحة حفتر، بحسب مصادر دبلوماسية من مصر ودولتين أوروبيتين تحدثت لـ"العربي الجديد" في مارس/ آذار الماضي.
وخلال شهر تموز/ يوليو الماضي، استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، الذي بات خصماً للمصالح المصرية، بعد حوالي أسبوع من إصدار حفتر بياناً أعلن فيه الحرب على تركيا واستهدافه السفن التابعة لها، والحديث عن تدخل أنقرة بشكل مباشر لدعم العناصر التي يصفها هو والسيسي بـ"الإرهابية".