وكان السواد الأكبر من المتظاهرين من أتباع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، فيما شارك في التظاهرات المئات ممن يرتدون أكفاناً بيضاء مع شعارات ويافطات توضح أنهم "استشهاديون"، في إشارة إلى تهديدات سابقة من الصدر بمواجهة مسلحة مع القوات الأميركية التي توجد داخل تسع قواعد عسكرية رئيسة في البلاد بالتشارك مع قوات الجيش العراقي.
وقدّر مسؤول أمن عراقي بارز في بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد"، مجموع المتظاهرين المشاركين في تظاهرات الأحزاب والفصائل المسلحة، بأنها ما بين 70 و90 ألف شخص في أفضل الأحوال، لافتاً إلى أن غالبيتهم تم استقدامهم عبر حافلات وزارة النقل و"الحشد الشعبي" قبل ليلة من التظاهرات وهم من منتسبي "الحشد" وأعضاء الأحزاب وأسرهم، لكن السواد الأكبر هم أعضاء في "التيار الصدري" وغالبيتهم من مدينة الصدر وضواحي بغداد الشرقية. وأوضح أن القوات الأمنية أعدّت ثلاثة ألوية لتأمين التظاهرة، غير أن الأعداد الأقل من المتوقعة ساهمت في تسهيل المهمة حتى انتهاء التظاهرة التي لم تدم أكثر من 5 ساعات.
من جهته، قال قيادي بارز في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي التابع لـ"الحشد الشعبي"، والذي يرأسه زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، إن التظاهرات التي جرت في بغداد ستتبعها فعاليات أخرى ضد الوجود الأميركي، سياسية وشعبية، كاشفاً لـ"العربي الجديد" عن أن تحالف "الفتح" بدأ يتحرّك نحو رجال دين سنّة وشيعة لاستصدار فتاوى تحرّم التعامل مع القوات الأميركية وتعتبرها احتلالاً، من دون أن يكشف ما إذا كان هناك تجاوب أو نتائج لهذا الحراك تجاه رجال الدين.
وأكد أن القوى السياسية ستتحرك باتجاه البرلمان في الأسبوع المقبل من أجل متابعة قرار التصويت على إخراج القوات الأميركية وكل القوات الأجنبية من العراق، لكنه أقرّ في الوقت ذاته بوجود خلافات في هذا الشأن، موضحاً أن "القوى العربية السنّية والأكراد وبعض الأقليات لديها تحفّظ، باعتبار أن الوجود الأميركي الحالي عامل توازن مع إيران في الساحة العراقية"، متسائلاً "هل يريدون أن نبني سوراً مع إيران أو أن نغيّر موقع العراق في الخارطة مثلاً؟ عليهم أن يتعاملوا مع الأمر الواقع".
في هذه الأثناء، طرح مقتدى الصدر، عبر بيان أمس، ما وصفه بالمبادرة في ما يتعلق بملف القوات الأميركية، تضمّن عدة نقاط، من أبرزها إغلاق القواعد العسكرية الأميركية في العراق، وإغلاق الشركات الأمنية الأميركية في العراق وكذلك الأجواء أمام الطيران الأميركي وإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، ووقف تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"فوقية" مع العراق، ومنع تدخّل دول جوار العراق في الشأن العراقي، مقابل الالتزام بوقف مؤقت لمقاومتهم حتى خروج آخر جندي أميركي ودمج "الحشد" الشعبي مع الجيش والشرطة، معتبراً أنه في حال لم تنسحب القوات الأميركية فسيتم التعامل معها كقوات احتلال.
وأكد النائب عن تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، رعد المكصوصي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تحالفه سيعمل على تنفيذ ما جاء في مبادرة زعيم التيار الصدري، مبيناً أنها "خارطة طريق لحفظ سيادة العراق وإبعاده عن أي حروب وجعله ساحة صراعات". ووصف التظاهرة بأنها "دليل على رفض الشعب العراقي للقوات الأجنبية".
في السياق ذاته، حثّ المرجع علي السيستاني الأحزاب السياسية في البلاد على تشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن، وطالب السلطات باحترام حق المحتجين في التعبير عن أنفسهم. وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثل عنه في مدينة كربلاء "إن المرجعية الدينية تؤكد موقفها المبدئي من ضرورة احترام سيادة العراق واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً، ورفضها القاطع لما يمس هذه الثوابت الوطنية من أي طرف كان وتحت أي ذريعة". وأكد أن "للمواطنين كامل الحرية في التعبير بالطرق السلمية عن توجهاتهم بهذا الشأن والمطالبة بما يجدونه ضرورياً لصيانة السيادة الوطنية بعيداً عن الإملاءات الخارجية"، مضيفاً أن "تشكيل الحكومة الجديدة قد تأخر طويلاً عن المدة المحددة لها دستورياً. ومن الضروري أن يتعاون مختلف الأطراف المعنية لإنهاء هذا الملف، فإنه خطوة مهمة في طريق حل الأزمة الراهنة".
في المقابل، تواصلت تظاهرات المنتفضين في بغداد ضمن ساحات التحرير والخلاني والطيران والمناطق القريبة منها، فضلاً عن مدن جنوب ووسط العراق، والتقطت ساحات وميادين التظاهرات أنفاسها، بعد مخاوف استمرّت يومين إثر معلومات تحدثت عن نية أنصار المليشيات مهاجمة ساحات التظاهر، بالتزامن مع تظاهراتهم ضد القوات الأميركية. وشهدت ساحات وميادين بغداد والبصرة وميسان وواسط وبابل والقادسية والمثنى وذي قار والنجف وكربلاء ومدن وبلدات مختلفة تابعة لتلك المحافظات فضلاً عن بغداد، تظاهرات حاشدة بعد عصر أمس الجمعة، شاركت فيها أعداد كبيرة. وركز المتظاهرون في شعاراتهم على رفض التدخل الإيراني والأميركي مثل "الاثنين بره بره"، و"لا واشنطن ولا طهران".
وقال الناشط علي حقي الكربلائي، من ساحة اعتصام التربية في مدينة كربلاء، لـ"العربي الجديد"، إن تظاهرات الأحزاب لا تعنيهم، لكنهم كانوا متخوفين من مهاجمتهم من قبل "مليشيات منفلتة". وقال إن التظاهرات العراقية واضحة، لكن قنوات ممولة من إيران شنّت حملة ضدها واعتبرتها تظاهرات أميركية وصهيونية وحرضت على قتل المتظاهرين وحتى المصورين والقنوات التي تجتهد في منح التظاهرات حصة كبيرة من تغطيتها اليومية، مضيفاً أن "هناك قراراً بعدم العودة للمنازل، لذلك علينا ألا نستغرب من استمرار سقوط شهداء ومصابين في صفوف الثوار".
وفي بغداد التي شهدت اختطاف ناشطين اثنين ليلة الخميس وصباح أمس الجمعة، ارتفعت حصيلة ضحايا القمع الحكومي فيها، وفقاً لمصادر طبية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، كاشفة عن ارتفاع عدد قتلى التظاهرات إلى 9 في بغداد وحدها خلال أسبوع مع إصابة نحو 200 آخرين. ليكون عدد من قتل في عموم مدن التظاهرات 13 متظاهراً منذ الإثنين الماضي، في البصرة وكربلاء وميسان وبغداد، فضلاً عن نحو 300 مصاب وجريح، في الوقت الذي تواصل فيه السلطات الأمنية عمليات الاعتقال الليلية في صفوف متظاهرين وناشطين من منازلهم أو بعد خروجهم من ساحات التظاهر.
الخبير بالشأن السياسي أحمد الحمداني اعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أن "التظاهرات كانت ذات غالبية صدرية"، في إشارة إلى أنصار الصدر، معتبراً أن "الصدر أثبت من جديد أنه الوحيد القادر على تحريك الشارع بحشود كبيرة، ومن شارك من أنصار الأحزاب والمليشيات لا يشكلون أكثر من 20 في المائة من مجموع من شارك بالتظاهرات وإن كانت التقديرات تتحدّث على أنها أقل من مائة ألف شخص". وأضاف "تشير أيضاً وبشكل واضح إلى تضاؤل قدرة الأحزاب والفصائل المسلحة على تحشيد الشارع كما كان الحال عليه قبل سنوات، ولعل ذلك يعود إلى حالة الوعي الوطني التي خلقتها التظاهرات العراقية، وحنق العراقيين أنفسهم على تجربة 17 عاماً من فشل تلك القوى في تحقيق شيء ملموس لهم".