عزمي بشارة: اليمين الإسرائيلي سيفوز وقد يشنّ حرباً على غزة

02 ابريل 2019
أكّد بشارة أن التطبيع يزيد إسرائيل تطرفاً (العربي الجديد)
+ الخط -

كان منطقياً أن تهيمن قضايا اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على كل من الجولان والقدس المحتلين، والتصعيد الأخير في قطاع غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، فضلاً عن ظاهرة التطبيع المجاني من قبل عواصم خليجية مع دولة الاحتلال، وأخيراً انتخابات التاسع من إبريل/ نيسان المقبل في إسرائيل، على الحلقة الثالثة، ما قبل الأخيرة، من سلسلة الحوارات التي يعرضها "التلفزيون العربي" مع المفكر العربي، الدكتور عزمي بشارة.

مواضيع وجد بشارة نفسه إزاءها يستعين بنظريات سبق له أن كتبها وحاضر فيها، خصوصاً في ما يتعلّق بالمجتمع السياسي الإسرائيلي و"مسار السلام" والسلطة الفلسطينية ما بعد اتفاقات أوسلو، ويخرج باستنتاجات منها أن اليمين الإسرائيلي يستحيل أن يُهزم في انتخابات يوم الثلاثاء المقبل (9 إبريل/ نيسان)، ويحذّر من أنه بعد ذلك الاستحقاق، قد تحصل حرب إسرائيلية شاملة على غزة لكسر معادلة الردع الموجودة في القطاع المحاصر، فضلاً عن توزيعه مسؤوليات الانقسام الفلسطيني على السلطة بين "فتح" و"حماس".

اليمين الإسرائيلي فائز بكل الأحوال

ولأن انتخابات الكنيست تجرى بعد أسبوع واحد من اليوم، كان طبيعياً أن يستحوذ الموضوع على جزء كبير من حوار التلفزيون العربي مع بشارة، الذي يستكمل في حلقة رابعة تبثّ مباشرة على الهواء الأسبوع المقبل، وستكون تفاعلية مع المشاهدين.

وجزم بشارة، صاحب العديد من المؤلفات والمقالات والدراسات حول المجتمع الإسرائيلي والسياسة والتاريخ فيه، بأن "اليمين لن يخسر في إسرائيل مثلما يتوهّم (رئيس السلطة الفلسطينية) محمود عباس" في انتخابات الكنيست، وأنه سيحكم بكل الأحوال، أكان الفوز عددياً من نصيب الليكود وحلفائه، أو معسكر الجنرالات، نافياً وجود أي احتمال جدي لانتصار معسكر "اليسار" (الصهيوني) والوسط الذي سيضطر إلى التحالف مع اليمين، على أشكاله وأنواعه (ديني أو علماني)، في حال فاز مرشحوه، ليتمكن من تأليف حكومة.

وبرأي بشارة، "حتى لو خسر الليكود بالأصوات، فهذا لا يعني فقدان القدرة على تشكيل الحكومة، أو يشكل الجنرالات الحكومة ويحتاجون للتحالف مع الليكود"، في إشارة من قبله إلى احتمال التناوب على رئاسة الحكومة ربما بين بنيامين نتنياهو وبني غانتس.

وحذّر بشارة من أن الجنرالات (الذي يتجمعون اليوم في التحالف الانتخابي الذي يتصدره رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، بني غانتس) "قد يكونون أكثر تشدداً تجاه غزة وأكثر اعتدالاً تجاه السلطة الفلسطينية".

إسرائيل قد تشنّ حرباً شاملة

وعن موضوع غير منفصل عن الانتخابات الإسرائيلية، أي التصعيد العسكري الأخير ضد قطاع غزة، اعتبر بشارة، مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن المقاومة الفلسطينية غير معنية بحرب، بل بفك الحصار. ورأى أنه "بغضّ النظر عن الصاروخ الأخير (الذي سقط شمال تل أبيب الأسبوع الماضي)، أكان أُطلق عن طريق الخطأ أو خلاف ذلك، فالمقاومة لم تعد تقبل بأن يبقى الحصار على حاله وأن تظل التزامات ما بعد حرب 2014 بلا تنفيذ".

وأشار إلى أن فصائل غزة تُتقن "لعبة الشد والرخي"، وتعرف أن نتنياهو عشية الانتخابات "لا يستطيع أن يصمت تجاه المقاومة، ولا أن يندفع حربياً خشية تكبّد خسائر كبيرة قد تغير المعادلة الانتخابية". ولفت إلى أن انضباط فصائل المقاومة في الجولة الأخيرة من التصعيد، "حال دون امتداد القصف إلى حرب حقيقية شاملة".

لكنه حذّر، في المقابل، من أنه "لاحقاً، أي بعد انتخابات إسرائيل، قد ينشأ وضع عدم استعداد إسرائيلي بأن تبقى غزة مسلحة بهذا الشكل الرادع، وقد تحصل حرب حقيقية شاملة". وهنا، كان لا بد لبشارة من التوضيح بأن "الردع لا يعني توازناً عسكرياً" بين طرفين، بل أن يكون أحد الجانبين مستعداً "لدفع ثمن كبير لأن لا شيء كبيراً يملكه لكي يخسره" (قطاع غزة في هذه الحالة)، في مقابل أن يكون لدى الطرف الآخر (الإسرائيلي) الكثير ليخسره، وهو ذلك المجتمع الاقتصادي ما بعد الصناعي و"المتطور" اقتصادياً.

الانقسام الفلسطيني: صراع على السلطة

وعلى الرغم من أن بشارة وافق على أن الخلاف السياسي أساس في الانقسام الفلسطيني (على أوسلو والتطبيع والمقاومة العسكرية وخيار المفاوضات مع إسرائيل...) بين فتح وحماس، لكنه وجد أنه يسبق ذلك أهميةً، "صراع على السلطة" الذي يبقى محرك استمرار الانقسام برأيه اليوم.

وهنا، ذكّر بشارة بأطروحات عديدة سبق له أن كتبها قبل عقود، ولا تزال صالحة لشرح ما يحصل اليوم، ومفادها أن أكبر أزمة خلقها مسار أوسلو أنه اخترع "سلطة بلا دولة"، فدخلت الساحة الفلسطينية صراعاً على السلطة والرواتب والأمن والوظائف "ونسينا الدولة"، على حد تعبيره، مع أن السلطة تتأسس عادة بعدما تنشأ الدولة لا قبلها.

وشدد على أنه "عندما قررت حماس المشاركة في انتخابات 2006 وقعت في فخ السلطة مثلما وقعت فتح قبلها". والأخطر برأي بشارة اليوم، أن الصراع لم يبقَ محصوراً على صعيد غزة والضفة، "بل أيضاً هُمّشت منظمة التحرير" التي تبقى برأيه إنجازاً حقيقياً لحركة التحرر الفلسطينية، واقترح في هذا السياق تسليم "المنظمة" للشعب الفلسطيني في الشتات ربما، لأنه لا يجب التفريط بإنجاز المنظمة، وفق تعبير بشارة.

وفي توزيعه المسؤوليات بين قيادتي سلطتي الضفة وحماس، خلص بشارة إلى أن محمود عباس "لا يتصرف كرئيس سلطة ولا كرئيس دولة، بل كرئيس طرف هو تنظيم فتح في الضفة حصراً"، مع أنه لاحظ وجود جانب إيجابي في "عناد" عباس، وهو تمسكه بموقفه ضد الإدارة الأميركية الحالية ورفضه التوقيع على الاستسلام الذي يُلخص اليوم بخطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المسماة زوراً "صفقة القرن".

أما الجانب السلبي لـ"عناد" عباس بحسب بشارة، فهو يُترجم بتمسكه باحتمال "إقناع إسرائيل" بالعدول عن تطرفها بالأساليب الناعمة، وباستمرار توهمه أنه رئيس دولة وعدم اعترافه بفشل خطه السياسي وبعدم اعترافه بغزة كجزء من بلده، وحصر تمسكه بالسلطة وبأن تنضوي حماس تحت حكمه. ومع أن "حماس" مذنبة، وفق بشارة، بتمسكها بالسلطة أيضاً، لكنها، بحسبه، "أقل طلباً بالتفرد بالسلطة وقد تقبل بالشراكة".

الجولان: سورية لن تبقى ضعيفة إلى الأبد

وفي تعليقه على اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان والقدس، جدّد بشارة وصف الرئيس الأميركي الحالي بالرجل الذي يتصرف في السياسة بمنطق تاجر العقارات والذي لا يرى إلا عناصر القوة الأميركية في الصراع العربي ــ الفلسطيني، فضلاً عن الاعتبارات الأخرى المعروفة التي تقف خلف قراراته الأخيرة، مثل حساباته الانتخابية (استحقاق 2020) ومحاولة إرضاء جمهوره اليميني الإنجيلي المتطرف الذي يلتقي مع اليمين الإسرائيلي، ووجود المجموعة التي سلّمها ترامب ملف الصراع العربي ــ الإسرائيلي (خصوصاً الثلاثي جاريد كوشنر ودايفيد فريدمان وجايسون غرينبلات) التي تعتقد أنه يجب الآن تصفية قضيتي الجولان والقدس طالما أن هذا الرئيس (ترامب) موجود في البيت الأبيض.

ووصف بشارة كلام وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، من الأراضي المحتلة (حديثه عن أن "الله أرسل ترامب من أجل إسرائيل"...)، بأنه "تصريحات داعشية". ولم يقلل بشارة من خطورة قرارات ترامب في السياسة الخارجية عموماً، وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي خصوصاً، لأن قضية الجولان خصوصاً ستصبح، برأيه، عبئاً على أميركا وإسرائيل في قضايا السلام مستقبلاً.

واقترح بشارة على العرب، نخباً وحكاماً خصوصاً، إعادة النظر في التمييز الذي يقيمونه بين الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967 منذ حرب يونيو من ذلك العام، وهو ما تجسد في مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وذلك لأن كلاً من إسرائيل وأميركا تخلتا عن التمييز بين هاتين الفئتين من الأراضي. وبخصوص الحدث في الجولان تحديداً، بدا بشارة مطمئناً إلى أن سورية لن تبقى إلى الأبد كما هي اليوم منهكة وضعيفة بسبب النظام والحرب، بالتالي فإن موضوع الجولان سيبقى مادة تُقلق تل أبيب وواشنطن.


التطبيع يزيد إسرائيل تطرّفاً

وفي ما يتعلق بالمسارعة من قبل العديد من الحكام العرب، خصوصاً في منطقة الخليج، إلى التطبيع مع إسرائيل، اعتبر بشارة أن هذا السلوك يزيد تل أبيب تطرفاً ويضيف من تطلبها للمزيد من التنازلات، ويعزّز من دعم أميركا لها.

وشدد بشارة على خطورة أولئك الحكام لعواصم بعيدة عن الصراع العربي الإسرائيلي، لا تحتاج إلى التطبيع ولا يطلب منها موقف حتى من الصراع، وترى مسؤوليها يندفعون في الإعراب عن إعجابهم بإسرائيل مجاناً بإثباتات تاريخية كاذبة، وفق تقديره.

وعن حجة مواجهة إيران لتبرير التحالف مع إسرائيل، بحسب الرواية السعودية ــ الإماراتية، ذكّر بشارة بأن تحالف بعض العرب مع إسرائيل "لم يجعل إيران تنكمش رغم مرور 10 سنوات على هذا النمط" (التطبيع العربي الضمني مع إسرائيل).

وفي حين لفت إلى أن سياسات إيران التوسعية يجب إفشالها بالفعل عبر جهد عربي جماعي، غير أنه جزم بأن "لا علاقة لذلك بإسرائيل، إذ إن العلاقة بإسرائيل لا تحجّم إيران بل تُضعف العرب وتقوي إسرائيل التي لن تحارب إيران من أجل أحد".