قصة إطاحة زوما في جنوب أفريقيا: فساد وعائلة هندية

14 فبراير 2018
تقدم زوما ليل الأربعاء باستقالته تفادياً لعزله (أليت بريتوريوس/Getty)
+ الخط -
تبدو مسيرة الرئيس الجنوب أفريقي المستقيل ليل الأربعاء، جاكوب زوما (75 عاماً)، مألوفة، لجهة وصول رجل إلى السلطة والتمسك بها والانغماس في صناعة الفساد وتغطيته، ثم يرفض الرحيل، ما لم يكن محصّناً من الملاحقات القضائية. وقبل زوما، كان جاره، رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، قد عانى مصيراً مماثلاً أواخر العام الماضي، قبل تنحّيه وتسليم السلطة لنائبه السابق، إيمرسون منانغاغوا.

زوما خضع للضغط أخيراً، فتقدم باستقالة فورية مساء الأربعاء، قبل ساعات من تصويت البرلمان على عزله يوم الخميس. ومع أن حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، عزل الرئيس، يوم الإثنين، إلا أن الدستور منح زوما مخرجاً مشرّفاً بالاستقالة الطوعية، وهو ما حصل ليل الأربعاء، بعدما حاول المناورة، فتساءل يوم الأربعاء: "أين أخطأت؟". وقد مهّد الحزب الحاكم والبرلمان لخطوة إزاحة زوما، عبر شنّ "غارة" ليلية في جوهانسبرغ، اعتُقل خلالها عدد من أفراد عائلة غوبتا، المعروفة بصلتها الكبيرة مع زوما، وانغماسها في صناعة المشهدين السياسي والاقتصادي في البلاد.

جاكوب زوما، هو الرئيس الرابع لجنوب أفريقيا، التي تمرّدت على تاريخ طويل من الفصل العنصري، بقيادة نيلسون مانديلا، رمز البلاد التاريخي. زوما كان من الدائرة المقرّبة من مانديلا، وسعى دوماً للصعود في حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، وحين تمّ له الأمر بالطرق الدستورية، في عام 2009، حاصرته الانتقادات والملفات المرتبطة بالفساد. ومن غرابة الأمور، أن مانديلا، بمثاليته في السلطة، خلفه ثنائي لم يتمكن من الخروج من عباءة "مرحلة ما بعد الاستعمار" في أفريقيا، المتمحورة حول غرق معظم رؤساء دول القارة وملوكها في مستنقعات الفساد. ثابو مبيكي أولهم، وزوما ثانيهم. أما ثالث الرؤساء في جنوب أفريقيا، فكان كغاليما موتلانثي، الذي كان انتقالياً بين مبيكي المستقيل في عام 2008 وزوما المُنتخب في عام 2009.

سمعة زوما لم تكن جيدة أساساً. الرجل كان متورطاً في ملفات عدة، من اغتصابٍ وتلقي رشى والدخول في صفقات مشبوهة وتغطيته الفاسدين. نجا في مرحلة أولى، لأن أصوات آلات الفوفوزيلا المزعجة خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم 2010 في ملاعب جنوب أفريقيا، طغت على كل ملف سلبي بحق الرجل الأول في جوهانسبرغ. نجا إلى حين، قبل بدء المشاكل.


في عام 2014، اتفق حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم، على إعادة تسمية رئيسه، زوما، مرشحاً رئاسياً لولاية ثانية لخمس سنوات، تحت شعار "متّحدون خلف زوما". هذه الولاية بالذات كانت عبئاً كبيراً على جنوب أفريقيا، فقد برز اسم عائلة غوبتا، هندية الأصل، والتي تعمل في مجال العقارات والطاقة والإلكترونيات والإعلام والفحم، وأسسوا شركة "أوكباي للاستثمارات". وقد التقى أفراد من العائلة بزوما، في عام 2003، للمرة الأولى، وعمدوا إلى توظيف العديد من أسرة زوما في مختلف القطاعات. وبلغ أمر تدخّل العائلة الهندية في النظام الجنوب أفريقي، أن الأمين العام السابق لاتحاد الكونغرس الجنوب أفريقي للتجارة، زويلينزيما فافي، وصفها بـ"حكومة الظلّ".

عائلة غوبتا، هندية الأصل، هاجرت من ولاية أوتار براديش في الهند، عام 1993، إلى جنوب أفريقيا، أي بعد وقتٍ قليل من انهيار نظام الفصل العنصري (أبارتهيد) في البلاد (1948 ـ 1991)، وقبل الانتخابات العامة في عام 1994. عمدوا إلى تمكين قوتهم تدريجياً، إلى حدّ الارتباط بزوما، وعبر الأخوة الثلاثة أجاي وأتول وراجيش "توني"، وابن أحد أخوتهم فارون، تمكنوا من إحكام السيطرة على البلاد، تحديداً في الشق الاقتصادي. وهو ما دفع أعضاء في الحزب الحاكم للتدخّل، إلى أن تمّ إلقاء القبض على بعض أعضاء العائلة، أمس. فكمية الفساد المتأتية من تزاوج زوما ـ غوبتا، أفضت إلى ضعضعة الحزب الحاكم وصفوفه، قبل الانتخابات المقبلة، في العام المقبل. وهو ما رآه أعضاء في الحزب بمثابة "جرس إنذار مبكر" قبل تلقي هزيمة ما.

ومن المفترض أن يكون اليوم الخميس، يوماً لتكريس الدور الرئاسي لنائب الرئيس، سيريل رامافوزا، الذي انتُخب في ديسمبر/كانون الأول الماضي رئيساً للمؤتمر الوطني الأفريقي. لكن ذلك سيطرح أكثر من سؤال حول قدرة جنوب أفريقيا على مواصلة استثمارها في مستقبلها السياسي، في ظلّ تفشي الفساد فيها. مبيكي رحل مطروداً وكذلك زوما، فهل سيكون رامافوزا مثلهما؟ في الواقع، إن بلاد أنجبت نيلسون مانديلا، تبقى أسيرة المقارنات بينه وبين خلفائه.