بعد تأجيل للمرة الثالثة، قرّر البرلمان التونسي مناقشة قانون المصالحة الشاملة الذي اقترحه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، بعد عيد الفطر، وسط اعتراض المعارضة، واعتبارها القانون متعارضاً مع مسار العدالة الانتقالية، وحملة الحكومة على الفساد.
وقرّرت لجنة التشريع العام، المتعهدة بمناقشات مشروع قانون المصالحة، تأجيل النظر في مشروع القانون مرة أخرى، إلى بداية يوليو/ تموز المقبل، بعد أن أعلنت، منذ الأسبوع الماضي، عن استئناف المداولات فيه، بحضور أصحاب المبادرة من مستشاري رئيس الجمهورية.
ويدعو قانون المصالحة الذي أحيل من قبل رئاسة الجمهورية إلى البرلمان، منتصف يوليو/ تموز 2015، وبدأت مناقشته أواخر إبريل/ نيسان الماضي، إلى العفو عن الآلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة طيلة حكم زين العابدين بن علي، مقابل إرجاع هذه الأموال مع فوائد.
وشهد هذا القانون تأجيلاً في أكثر من مناسبة، كان آخرها يوم 7 يونيو/ حزيران الماضي، بطلب من رئيس لجنة التشريع العام الطيب المدني، ومن رئيس كتلة "نداء تونس"، بسبب إعداد مقترحات جديدة مقدمة من قبل عدد من النواب.
وأكد رئيس اللجنة الطيب المدني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّه لن يتمّ التخلّي عن قانون المصالحة، والانطلاق في مناقشته، كاشفاً أنّ "الجديد في مشروع هذا القانون أنّه سيشمل الموظفين ولن يشمل رجال الأعمال".
وأضاف المدني أنّ اللجنة ستستأنف التداول في القانون خلال الأسبوع الذي يلي عيد الفطر.
وحاولت المعارضة البرلمانية، وقوى المجتمع المدني، الرافضة لمشروع قانون المصالحة، الضغط على رئيس الجمهورية لسحبه.
واعتبرت "الجبهة الشعبية" و"الكتلة الديمقراطية" أنّ قانون المصالحة "هو قانون صيغ على المقاس لتبييض الفساد ولإفلات المفسدين"، وطالبت بالتخلّي عنه انسجاماً مع الحملة على الفساد التي يقودها رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت "الحرب ضد من يهددون أمن الدولة العام، ويعبثون باستقرار البلاد"، وبادرت وفق قانون الطوارئ، بوضعهم تحت الإقامة الجبرية، حيث لا يحق لعائلاتهم ولا محاميهم زيارتهم، أو حتى معرفة مكان تواجدهم.
كما قامت، في خطوة ثانية، بمصادرة أملاكهم وأموالهم نظراً لتحقيقهم أرباحاً غير مشروعة ولـ"ارتباطهم بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي"، إذ طاولت سلسلة التوقيفات كبار رجال الأعمال والمهربين.
واعتبر النائب هيكل بلقاسم القيادي في "الجبهة الشعبية"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ "سحب رئيس الجمهورية لقانون المصالحة يمثّل عربون مساندة لرئيس الحكومة في ما يسميه حملة وحرباً على الفساد".
وقال إنّ "هذا القانون الذي يشرّع لتحصين الفاسدين، ويوفّر لهم المخارج القانونية لتبييض ثرواتهم، يتناقض مع حملة التوقيفات ضد رجال السياسة والأعمال المتورطين".
وخسر السبسي جميع المعارك التي خاضها لتمرير مبادرته الوحيدة التي ظلّت عالقة في أروقة البرلمان، واعتبر نفسه أنّه قدّم "تنازلات" في مناسبتين؛ حيث أدخل تغييرات جوهرية على تركيبة اللجنة المكلفة بمشروع قانون المصالحة، وقائمة الأشخاص المشمولين بإجراءاته، وقام أخيراً بإسقاط الجزء المتعلّق برجال الأعمال، ليكتفي بالمسؤولين والموظفين بالدولة.
وأبدت حركة "النهضة"، حليفة السبسي، تحفظات على مشروع قانون المصالحة، وأيّدت مطالب المعارضة، بعد وعدها بالوقوف إلى جانب كتلة "نداء تونس"، والتي تشهد خلافات داخلية، لتمرير مبادرة الرئيس بشروط، فلم يعد القانون إلى طاولة النقاشات من جديد.
وفي هذا السياق، أكد منجي الحرباوي، عضو "كتلة نداء تونس"، أنّ "الاجتماع المشترك بين الكتلة وحركة النهضة، في 6 يونيو/ حزيران الماضي، برئاسة حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس، وراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، اتفق على تمرير مشروع قانون المصالحة، بعد إدخال تعديلات عليه، بالاكتفاء بالموظفين والمسؤولين الإداريين في قائمة المشمولين".
من جانبها، قالت مقرّرة لجنة التشريع العام، والنائبة عن حركة "النهضة" سناء مرسني، إنّ "كتلة حركة النهضة قدّمت مقترحات تعديل، تتعّلق بالدرجة الأولى بضرورة أن ينسجم قانون المصالحة مع قانون العدالة الانتقالية والدستور، وألا يكون باباً للإفلات من العقاب".
وأضافت أنّ مكتب اللجنة لم يتلق أي تنقيح لمشروع قانون المصالحة، حتى الآن، مشيرةً إلى أنّ الجهة المُبادرة، أي رئاسة الجمهورية، ستكون حاضرة بوفد ممثل عنها خلال أعمال اللجنة في الجلسة المقبلة في يوليو/ تموز المقبل، مبينة عدم علمها بنوايا رئاسة الجمهورية وكيفية تفاعلها مع مقترحات تعديل المشروع التي طرحها عدد من الكتل البرلمانية.