كشفت مصادر برلمانية مصرية أن رئيس مجلس النواب علي عبد العال رفض طلباً شفهياً من رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان أسامة العبد، بإحالة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) المُعد من الأزهر إلى اللجان المختصة لمناقشته، خلال لقاء جمعهما أخيراً، تحت ذريعة أن "الأزهر ليس له صفة دستورية للتقدم بمشاريع القوانين".
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن عبد العال احتد على العبد، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطهما، مبرراً رفضه مناقشة مقترح الأزهر بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان. واعتبرت المصادر أن موقف عبد العال ليس فردياً، وإنما استند إلى تعليمات أعلى، يُرجح أنها من مؤسسة الرئاسة، في ظل الصراع المستتر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، في ما يخص القضايا الدينية، لا سيما أن القانون من التشريعات التي يعتبرها النظام "شائكة"، ويحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق قبل طرحه على الرأي العام.
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، قال السيسي، خلال فعاليات "منتدى أسوان للسلام والتنمية"، إنه لن يوقّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية "إذا تبين أنه لا ينصف المرأة"، مضيفاً "النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن. وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة لهذا القانون". وتابعت المصادر أن هدوء وتيرة التصريحات العلنية بين الرئيس وشيخ الأزهر لا يعني انتهاء حالة التوتر بينهما، مشيرة إلى انقسام نواب البرلمان إلى فريقين، أولهما، وهو الأقل عدداً، يساند مشروع الأزهر حول الأحوال الشخصية، ويقوده العبد وأعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان، والآخر، الأكثر عدداً، يرفض ما يصفه بـ"وصاية الأزهر على أحكام الأسرة باعتبارها شأناً إسلامياً". ورجحت عدم تقدم الحكومة بمشروعها حول الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحالي، والذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة في حال تمريره على عجل، وهو ما قد يستغله المعارضون في "تأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم".
ويخاطب مشروع القانون ما لا يقل عن 15 مليون مصري، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي)، والتي أشارت إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 في المائة من إجمالي حالات الزواج خلال العام الماضي. وأشارت المصادر إلى أن هناك ستة مشاريع قوانين قدمها أكثر من 370 نائباً بشأن قانون الأحوال الشخصية، ثلاثة منها هي جديدة، حملت تواقيع كل من محمد فؤاد و59 نائباً، وعبلة الهواري و60 نائباً، وسمير رشاد و80 نائباً، بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم للأحوال الشخصية. وتكفل تلك المشاريع إعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع، وصولاً إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها. غير أن أزمة اندلعت بين النائب محمد فؤاد ورئيس حزب "الوفد الجديد" بهاء الدين أبو شقة، الذي قرر فصل الأول من كافة تشكيلات الحزب، على خلفية تقدمه بمشروع قانون بصورة منفردة. ويمنح مشروع فؤاد الطرف غير الحاضن حق استضافة الطفل كي يحظى برعاية مشتركة، خلال مدة تراوح بين 24 و48 ساعة، لمساعدة الطفل في التعرف عن قرب إلى ذويه وأقاربه، والتعايش في منزل الأب مع أسرته، بدلاً من نظام الرؤية المعمول به حتى الآن، الأمر الذي واجه رفضاً نسوياً من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة.
ونبهت المصادر إلى أن أبو شقة، الذي يشغل رئاسة لجنة الشؤون التشريعية في البرلمان منذ العام 2016، رفض مناقشة أي اقتراحات مقدمة من النواب حول القانون، بحجة عدم انتهاء الحكومة من إعداد مشروعها حوله، على الرغم من إعلان الأزهر عن مشروع متكامل للقانون، بعد الاستعانة فيه بهيئة كبار العلماء، وذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
ويأتي مشروع الأزهر بعد تلقيه اقتراحات عدة من بعض أعضاء مجلس النواب، حول التعديلات المقترحة منهم على مواد القانون الحالي، والذي لم تطله يد التغيير منذ العام 1920، رغم التطورات التي شهدها المجتمع طوال هذه الفترة، حيث تعتبر قضايا الطلاق، وحق الرؤية، والنفقة، وترتيب الأب في الحضانة، أكثر القضايا شيوعاً في المحاكم بمصر. في المقابل، يرى التيار المعارض لمشروع الأزهر داخل البرلمان، والذي تقوده مجموعة من النواب، لعل أبرزهم محمد فؤاد، ومحمد أبو حامد، وآمنة نصير، أن الأزهر لم يتعرض لنقاط هامة في مشروعه، مثل حق الرؤية وسن الحضانة للطفل، وهي أمور محل اجتهاد، ويجب أن تخضع لتطورات كل مجتمع، بوصفها تمس نحو 70 في المائة من القضايا المتداولة في ساحات المحاكم.
وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة). وسبق أن وعدت الحكومة، ممثلة في مساعد وزير العدل المستشار محمد عيد محجوب، مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالتقدم بمشروع قانون الأحوال الشخصية خلال شهرين، وهو الوعد الذي لم تلتزم به حتى الآن، مع العلم أن الوزارة شكلت لجنة، بناءً على قرار رئيس مجلس الوزراء، لإعداد تشريع ينظم الأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي.
وكان شيخ الأزهر قد قال، في تصريحات متلفزة، إن "الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء"، وهو ما ردت عليه رئيسة "المجلس القومي للمرأة" مايا مرسي بالقول إن "هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شؤون حقوق المرأة في القانون"، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده. إلا أن الطيب رد على الانتقادات الموجهة للأزهر قائلاً، في مقال سابق بمجلة "صوت الأزهر"، إن "إعداد مشروع القانون جاء انطلاقاً من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة"، مضيفاً أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة". وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه".