في سورية، عمد التنظيم إلى شنّ هجمات عدة، ومنها هجوم على مواقع قوات النظام السوري والمليشيات الحليفة له في منطقة معيزيلة في بادية البوكمال بريف دير الزور الشرقي، أدى إلى مقتل 3 عناصر من مليشيا "لواء فاطميون" يوم الخميس الماضي، فضلاً عن إصابة 20 آخرين في بادية البوكمال. وكانت دورية تابعة للمليشيات الإيرانية قد تعرضت، منذ نحو أسبوعين لهجوم بقذيفة صاروخية في منطقة عين علي في بادية القورية شرقي دير الزور، أدى إلى مقتل وإصابة عناصر الدورية. كذلك أعدم "داعش" يوم الأربعاء الماضي، ضابطاً من قوات النظام وعنصرين كانا برفقته، بعد أسرهم خلال كمين.
تأتي هجمات التنظيم في سورية، بعد أيام من إعلان "الحشد الشعبي" في العراق أنه رصد دخول مجموعات مسلحة من سورية باتجاه العراق، بعد هروبها من سجن غويران في منطقة الحسكة السورية، الخاضع لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). مع العلم أن القوات العراقية المشتركة، مدعومة بمقاتلات ومروحيات، نفذت عمليات عدة ضد جيوب وخلايا تابعة لتنظيم "داعش" في أجزاء مختلفة من شمال العراق ضمن محور صلاح الدين ــ كركوك ــ نينوى، في ظلّ استغلال التنظيم التضاريس المعقدة في الجزء الشمالي من البلاد كملاذات آمنة له، بعد طرده من آخر المدن التي كان يستولي عليها في نهاية عام 2017.
في تونس، عمد "داعش"، مساء الخميس الماضي، إلى نشر خبر كاذب عبر صحيفة "النبأ"، مدّعياً تفجير عربة عسكريّة في جبل مغيلة بسفوح القصرين (وسط غرب) ومقتل خمسة جنودٍ تونسيّين. وعلى الرغم من أن الحادثة قديمة وتعود إلى شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم تؤدّ إلى سقوط ضحايا، إلا أن التنظيم يسعى إلى إرباك القوى الأمنية. مع العلم أن "مصلحة التوقي من الإرهاب" في الحرس الوطني، في منطقة القصرين، أفشلت أخيراً عملية دعم وإسناد للعناصر المتشددين المتحصنين في جبال القصرين، وسط غرب تونس، بعد أن تعمّد أحد المتواطئين محاولة تزويدهم ببعض الملابس والأزياء، وكمية هامة من مادة الأمونيتر التي تُعتمَد لصناعة المتفجرات، كذلك كُشف عن خلية دعم وإسناد للعناصر الهاربين، مكوّنة من ثلاثة شبان، تعمّدوا توفير المؤونة من مواد غذائية ومواد أولية لصناعة المتفجرات للعناصر، مقابل الحصول على مبالغ مادية، واعترفوا بتكليفهم من قبل هؤلاء العناصر برصد الدوريات الأمنية والعسكرية بالجهة، بحسب بيان للداخلية التونسية.
وأكد المحلل علية العلاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك عودة التنظيمات الإرهابية في أكثر من بلد، وخطرها لا يزال قائماً، لأنها تعتمد على مجموعة من المفاهيم، فهي تنظيمات مؤدلجة، ولها أدبيات قد لا ينتبه إليها رجال السياسة والدين بالشكل المطلوب، وتتمثل بأن أعضاءها يؤمنون بمقولات فكرية مثل التكفير، وتتمسك بجهات الطلب قبل جهات الدفع، بمعنى ملاحقة المختلفين معها فكرياً وقتلهم، استجابة لأمر رباني بحسب اعتقادها". وأضاف أن هذه المقاربات تجعل أفراد الجماعات المتشددة يضحون بأنفسهم، عبر التفجير والقتل، وهم متحمسون لذلك، انتظاراً لجزاء الآخرة. فهذه التنظيمات تستفيد من تهريب الأسلحة، وتساهم في شبكة ترويج المخدرات، وخصوصاً في المناطق التي تكون مراقبة الحكومات فيها ضعيفة على مساحاتها الترابية، مثلما نجده في دول الساحل الأفريقي وغيره.
وأفاد العلاني بأن عودة التنظيمات المتشددة تفسَّر بانشغال أغلب الدول بأزمة كورونا، وبالتالي هي تحاول القيام بعمليات إرهابية لإثبات وجودها. ورأى أن هذه الجماعات تحاول استغلال الفراغات الأمنية في القارة الأفريقية بعد إعلان "أفريكوم" (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا) أخيراً سحب عدد من جنودها والاكتفاء بالتنسيق الاستخباري، وهو ما سمح لهذه التنظيمات بتكثيف هجماتها في الساحل الأفريقي وشرق أفريقيا بوتيرة أقوى من السابق، مضيفاً أن هؤلاء استغلوا عجز بعض الجيوش الأفريقية في بسط نفوذها في بلدانها. وأشار إلى أن هذه التنظيمات تحاول التأقلم مع المستجدات الأمنية والاقتصادية وتتهيأ لمرحلة ما بعد كورونا، وبالتالي هي تسعى لاستقطابات من نوع جديد لأنصارها في المرحلة المقبلة تقوم على عناصر متمرسين في المعرفة الرقمية ومختصين في العلوم الكيميائية، مؤكداً أن هذه التنظيمات ستحاول شنّ بعض الهجمات مستقبلاً ذات طابع بيولوجي إذا توافرت لها الحماية واللوجستيك، مذكراً بالتونسي الذي حكم عليه منذ بضعة أسابيع في ألمانيا بالسجن 10 سنوات، بتهمة "محاولة صناعة قنبلة بيولوجية". وأكّد أن التنظيمات المتشددة ترى نفسها جماعات بديلة وموازية للحكومات، وبالتالي هي ترفض برامج الحكومات، وتفكر بمنطق أنها تملك الحقيقة المطلقة، وتعتبر معركتها مع المخالفين لها معركة وجود تُحسَم بالتصفية الجسدية.
ورأى أنّ الحكومات تحاول التصدي لهذه التنظيمات باعتماد المقاربة الأمنية نظراً للفراغ الحاصل في إيجاد خطاب لا يعتمد الأساليب التقليدية، ويكون قادراً على التعبئة أو أن يكون خطاباً ناجعاً، مبيناً أن المواجهة يجب ألّا تعتمد على الوعظ التقليدي، بل على الفكر الجديد الموازي لهذه الأفكار، ووسائل أخرى تنفذ إلى عقول الشباب المهمش والمتعطش للانتقام. ولفت إلى أن التنظيمات المتشددة تستفيد من دعم وتأطير مالي قادر إلى حد الآن على اختراق الرقابة الدولية على تبييض الأموال، وبالتالي نحتاج إلى تشديد الرقابة عبر منظومات متطورة وناجعة تمنع وصول الأموال إلى هذه التنظيمات الراديكالية.
بعيداً عن الشرق الأوسط، ارتفعت حدة هجمات تنظيم "بوكو حرام" في منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصاً في نيجيريا والنيجر وتشاد ومالي والكاميرون، الأمر الذي يُربك غرفة عمليات الساحل من جهة، ويعزز المطالبات بتقديم دعم ميداني للجيوش الأفريقية من جهة أخرى، فضلاً عن استغلال التنظيم انكفاء الجيوش النظامية عن القيام بأي عمليات هجومية بسبب كورونا. فقد قتل 20 عسكرياً مالياً على الأقل، أمس الاثنين، في منطقة غاو في شمال البلاد. وأكد مسؤول في بلدية بامبا رفض الكشف عن هويته في اتصال هاتفي: "هاجم إرهابيون معسكر الجيش في بامبا في وقت مبكر صباحاً. قُتل على الأقل 20 عسكرياً". وأضاف أن "الإرهابيين غادروا، وقد دُمِّرَت معدّات". كذلك قُتل سبعة مدنيين، بينهم مراهقان، مساء أول من أمس الأحد في عمليتين انتحاريتين نفذهما شخصان من جماعة "بوكو حرام" في أمشيدي في أقصى شمال الكاميرون، وفق ما ذكر مسؤول محلي وآخر في الشرطة في المنطقة. وقال ضابط في الشرطة إن "العمليتين أدت إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة 14 آخرين".
في السياق، ذكر الكاتب ويل براون لدى "فورين بوليسي"، أن "النظام التشادي، الذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه حليف الغرب الذي لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب في أفريقيا، على وشك الانهيار". وفي تحليله لما سمّاه ضعف ديبي والنظام التشادي، رأى أن القوة التي راكماها في السنوات الـ30 الماضية، سواء في الحروب على مختلف الجبهات الحدودية ثم إرسال نجامينا آلاف الجنود لمساعدة دول أفريقية أخرى ضد المتشددين، سقطت أمام تنامي قوة المتمردين الذين يسعون إلى إزاحة ديبي من السلطة. فقد دخلت عشرات الشاحنات الصغيرة المليئة بالمقاتلين من اتحاد قوى المقاومة، وهي جماعة متمردة تشادية بقيادة ابن شقيق ديبي، تشاد من ليبيا وتوجهت نحو نجامينا لإطاحة الرئيس، وذلك في فبراير/ شباط 2019. فشلت الضربات الجوية التشادية في إيقاف القافلة، قبل مسارعة طائرات مقاتلة فرنسية من طراز "ميراج 2000" لقصف القافلة بناءً على طلب نجامينا، وطاردت المتمردين لمدة ثلاثة أيام متتالية، بغية وقف التقدم. ووفقاً لتقرير صدر فور الغارات الجوية الفرنسية من قبل مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، فإن الجيش التشادي "مرهق" من القتال على عدة جبهات، وقد "جرى إحباط" بعض الجنود من جراء تخفيض علاواتهم.
أظهرت الحركة المتمردة حقيقة ضعف ديبي في الداخل، إذ يُعتقد أن كبار ضباط الجيش لم يكونوا مستعدين لمحاربة المتمردين بسبب الروابط العرقية المتغلغلة في تشاد. وهي الروابط نفسها التي دفعت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في ثلاث مقاطعات شرقية لمدة أربعة أشهر، في أواخر العام الماضي، لوقف دائرة العنف بين المجموعات الإثنية. بالتالي، إن الحملات الناجحة للجيش التشادي حول بحيرة تشاد ضد "بوكو حرام"، التي تفوّق فيها على نيجيريا، فضلاً عن تقديمه ألف جندي من أصل 5 آلاف في القوة المشتركة لدول الساحل، قد تترك فراغاً في حال سقوط ديبي في نجامينا.
في فرنسا، التي أوقفت 3 سودانيين لارتباطهم بحادثة طعن في رومان ـ سور ـ إيزير في جنوب شرق فرنسا، يوم السبت الماضي، في أثناء خضوع البلدة لإجراءات مواجهة فيروس كورونا، يظهر أن المعتدين استغلوا الوضع الصحي لارتكاب جريمتهم، مع مقتل شخصين وإصابة 4 آخرين. وللتعامل مع هذا الوضع، ذكرت بيتسي وودروف في "بوليتيكو" أن "مساعد وزير العدل لشؤون الأمن القومي الأميركي جون ديمرز، رأى أنه في الوقت الذي يعيد فيه وباء كورونا تشكيل كل وجه من جوانب الحياة الأميركية تقريباً، فإنه يكشف كيف يخطط الإرهابيون للهجمات". وأضافت أن مسؤولي تطبيق القانون والاستخبارات يراقبون تأثير الفيروس على التهديدات الإرهابية المحتملة وكيفية تسريع خطط بعض المهاجمين المحتملين، فضلاً عن اختيار أهداف جديدة. وتشير الكاتبة إلى نبأ توقيف مكتب التحقيقات الفدرالي المدعو تيموثي ويلسون، في أثناء تخطيطه لتفجير مستشفى في ميزوري يعالج مرضى كورونا. وتنقل الكاتبة عن المكتب أنّ ويلسون كان يخطط لشن هجوم منذ أشهر، وسرّع عمليته بسبب تفشي الوباء.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)